حدث ولم يحدث فى عام 2019 - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:55 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حدث ولم يحدث فى عام 2019

نشر فى : الأربعاء 25 سبتمبر 2019 - 10:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 25 سبتمبر 2019 - 10:05 م

اجتمعنا، بعض أقدر المتابعين والمتابعات لحال العالم، وأنا. اجتمعنا كعادتنا وليس لظرف طارئ. حددنا الموعد واخترت الموضوع وليس فى الحسبان أن يصادف اجتماعنا ظروف طوارئ. تجاوزنا فى الحوار الظروف الطارئة بعد اعتراف سريع من أغلب الحاضرين بعدم الفهم. اجتهدنا كالعادة فى مثل هذه المواقف، وما أكثرها هذه الأيام، وانتقلنا إلى موضوعنا. طرحت أن نعيش للحظات متخيلين أن اجتماعنا هذا ينعقد فى العام 2049، وأننا اخترنا للحوار موضوعا عنوانه «العالم عام 2019». بررت اختيارى هذا العنوان مستندا إلى اقتناع من جانبى بأن فى هذا العام كاد «المخربون» أن ينتهوا من زرع الألغام الكافية لإزالة بقايا نظام عالمى قديم وكاد آخرون أن يشرعوا فى وضع علامات على الطريق نحو نظام جديد تمهيدا لإرساء أسس له.
***
قدمت لموضوع الحوار بكلام كثير خلاصته فى الآتى. أولا: على الصعيد الدولى يهمنا جدا ملاحظة ثم متابعة هذا الإصرار المثير من جانب كل الدول العظمى بدون استثناء على المساهمة فى جعل هبوط أمريكا آمنا وهادئا وسلميا ومتدرجا. قبل تلك المرحلة كان المفكرون قد توقفوا عن مناقشة احتمالات الهبوط الأمريكى. لا مجال للسؤال، يكون أو لا يكون بعد أن صار الهبوط حقيقة واقعة، سواء كان هذا الهبوط منسوبا إلى صعود الصين أو كان نتيجة حتمية لاجتماع عناصر إهمال فى صيانة البنى التحتية وفى تطوير أيديولوجية المجتمع الأمريكى والتغيرات النوعية فى تكوين النخب الحاكمة وسرعة انحدارها. لاحظنا فى الوقت نفسه أن الصين تجاوبت بسرعة وهدوء وعدم انفعال مع هذه التطورات. لاحظنا أيضا أنه تولى تسيير دفة الحكم شخص من خارج الدائرة الفاعلة فى النخبة الأمريكية ولكن باقتناعات قوية وإرادة متحررة من قيود كثيرة. نجح دونالد ترامب فى التعجيل بالهدم استعدادا لنهاية سريعة للنظام العالمى القديم والمتهالك. الصين أيضا نجحت فى وضع بعض أسس تنسجم مع تصورها لنظام عالمى جديد. لاحظنا كيف أن روسيا وُفّقِت فى رئيس أعاد لها بعضا من مكانة وسمح لها بأن تساهم فى ترطيب مسيرة الانتقال إلى نظام دولى جديد. الآن وبكل الثقة الممكنة نستطيع القول إن النظام الدولى الذى أفرزته الحرب العالمية الثانية لم يتبقَ من معالمه وعلاماته فى عام 2019 إلا القليل الضرورى لتسيير أمور عادية، وأن النظام الذى كانوا يستعدون لإقامته شيدت له أسس أكثرها جد مختلف، وظهرت له معالم بدت وقتها على البعد غير مألوفة. من هذه المعالم حال الانتباه الكلى والمتفاوت إلى علوم وتقنيات وأخلاقيات استخدام أسلحة الذكاء الاصطناعى ودبلوماسيته. الجهل به أو التخلف عنه كان بمثابة لبنة جوهرية فى بناء عالم ثالث جديد.
***
ثانيا: على الصعيد الإقليمى، هنا وقع التخريب فى صور شتى هزت استقرار جميع شعوب المنطقة وظهرت معالم واضحة وأسس لنظام جديد جرى فى ذلك العام رسم الكثير من تفاصيله. هناك وعلى امتداد سنوات سخيفة تابعنا سقوط النظام الإقليمى ذى الصفات والمعالم العربية. جرى التخريب لإسقاطه بأسلوبين متوازيين، أسلوب التخريب بالعنف والقمع وكبت طموحات التطور الطبيعى وتجميد أو شل مؤسسات العمل العربى المشترك الرسمية والتطوعية. أما الأسلوب الثانى فى التخريب فكان بالابتزاز ونهب الأموال وتبديد الثروة الإقليمية وتجفيف منابع الثقافة العربية ومطاردة فلول القوميين العرب ودعاة العمل التنويرى وإثارة أو تعميق الخلافات بين الدول العربية وداخلها وإجهاض كل نشاط جماهيرى لصالح التغيير والتطوير وتثبيت التفوق الإسرائيلى على كل ما عداه. هنا وفى العام 2019 سمحت إيران لنفسها وساعدتها قوى وظروف دولية على أن تحاول التصدى لهذا التفوق أو منافسته فى المستقبل.
هذا عن تخريب نظام إقليمى قائم، أما عن إرساء أسس لنظام إقليمى جديد فلم تكن هناك ثمة مفاجأة لأحد منا. تكرر النموذج الذى ألفه السياسيون فى الشرق الأوسط عبر مختلف العصور. شئوننا يقررها لاعبون أجانب ونستشار على الجانب إن دعت الحاجة. كان العام 2019 على هذا الصعيد عاما متميزا. كنا نسمع أو نشاهد أن روسيا دعت قادة من تركيا وإيران وعلى انفراد أو كمشروع جماعة إقليمية جديدة يمكن أن تجتمع فى إسرائيل للتشاور حول مستقبل شأن من شئون إقليم أو حدود أو مزارع يسكنها عرب أو هاجروا منها. الآن وبعد ثلاثين عاما نسمع جدلا مقيتا عن مسئولية النزوح. هل أُخرجت الملايين العربية من ديارها بالقوة فى عام 2019 أم نزحت من تلقاء نفسها؟
هناك فى سوتشى أو الأستانة أو موسكو أو فى القدس، بعد أن صارت عاصمة أبدية، قننوا تفاصيل لإقليم تحت الصنع والتشكيل تماما كما قننوا خلال مباحثات فرساى تفاصيل التقسيم وخلال مباحثات الحرب العالمية الثانية تفاصيل ما تطور بإرادتهم أو بدونها ليحمل عنوان النظام الإقليمى العربى. أسأل، هل ترامى إلى علم أحد منكم عنوان اختاره أهل أنقرة أو إيران أو موسكو للتعريف بنا أو تحديد مكان إقامتنا فى الحال والمستقبل ورفضناه على أى مستوى من مستويات مجالس العرب. تعرفون وأنتم الخبراء أن الوثائق والتسجيلات عن أنشطة العرب فى ذلك العام، عام 2019، لم تسجل رد فعل عربى على مستوى مجلس الجامعة العربية أو أى مجلس دون هذا المستوى.
***
ثالثا، مرة أخرى يسجل التاريخ للشرق الأوسط أنه يبقى بين كل أقاليم العالم الإقليم الأقل استقرارا والأشد عنفا وتطرفا فى كثير من أفكار ابتكرها وأعمال مارسها. لم يخرج الشرق الأوسط عن عادته فى ذلك العام أو العام الذى سبقه. أسوق لكم أمثلة. أذكر أننى والمساعدون والوثائق وجدنا صعوبة فى حصر دقيق لحروب الوكالة التى نشبت أو كانت ناشبة فى الشرق الأوسط فى ذلك العام. تأكدنا على كل حال أن نصيب العرب منها كان الأعلى والأفدح ثمنا ودماء وأرواحا ودينا وسمعة. لم يبز الحروب بالوكالة إلا حروب المرتزقة. قيل لى إننا نحن العرب أنفقنا على المرتزقة فى ذلك العام ما لم تنفقه عليها أكثر من خمسين دولة فى إفريقيا يتأهب فيها عدد منها لسنوات حزينة تخشى أن تشهد تمزقها بفعل حروب وكالة وحروب استعمار جديد وحروب أهلية وحروب مرتزقة بلا حصر. لمن السبق: أللشرق الأوسط الضارب فى تاريخ الصراعات القبلية والحروب الدينية والطائفية ونزاعات السياسة والمياه أم لإفريقيا محل الحلقة الثانية من الصراع الإمبريالى على ثرواتها ومواقع الأمطار فيها ومساحات تتمتع بالأجواء النظيفة؟
***
أوشك العام 2019 على النهاية وما زالوا يبحثون عن اسم جديد لنا.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي