تمثل رواية «جوائز للأبطال» الصادرة عن دار المحروسة للنشر، للكاتب الشاب أحمد عونى واحدة من أجمل مفاجآت هذا العام على الصعيد الأدبى وأعتقد أنها ستضع اسم صاحبها على خريطة الأدب المصرى ككاتب مقتدر لديه ما يستطيع قوله وتقديم إضافة نوعية للمشهد الأدبى.
ويقينى أن الرواية ستحظى إلى جانب الاهتمام النقدى بالكثير من الجوائز لو أحسن الناشر رعايتها وتقديمها للمعنيين بالأدب الجديد.
وأقصد بالأدب الجديد هو تلك النصوص التى واكبت ثورة يناير 2011، ليس بوصفها احتفالية كرنفالية وإنما كنقطة تحول لامست وعى هذا الجيل الذى كان يقع بين العشرينيات والثلاثينيات ولم يكن نائما حين قامت الثورة وأراد أن يعبر عن حضورها صعودا وهبوطا.
ويمكن القول باطمئنان كبير إن الثورة التى رفعت راية الخيال، أحدثت تحولا لافتا فى مسارات السرد الروائى المصرى فيما قدمته من نصوص أظهرت فى انكسار مسارها مزاجا سوداويا جرى التعبير عنه فى روايات تعرف بنصوص «الديستوبيا» أو «أدب المكان الخبيث» الذى يقدم نفسه نقيضا لنصوص اليوتوبيا التى تبشر بالمدينة الفاضلة.
ولم يكن من قبيل المصادفة أن يغرى هذا النمط كتابا كثيرين وفى هذا السياق، يمكن للقارئ مراجعة ما نشره محمد ربيع، فى روايته «عطارد» (2015 )، أو عز الدين شكرى فى «باب الخروج» دار الشروق 2012، ثم «كل هذا الهراء (2016 دار الكرمة) ونائل الطوخى فى روايتيه «نساء الكارنتينا» 2013، والخروج من البلاعة (2018) وقبل هؤلاء جميعا فتح الراحل أحمد خالد توفيق الباب عبر رواية «يوتوبيا» دار ميريت 2009 ثم «فى ممر الفئران، دار الكرمة 2015)، ونشرت بسمة عبدالعزيز كذلك روايتها الطابور 2014،، وفى العام نفسه نشر عمر حاذق روايته «روائى المدينة الأول» عن الكتب خان، ونشر أحمد ناجى روايته «بمناسبة الحياة» (دار التنوير 2015).
وما تشير اليه هذه الأعمال الدالة فى تواريخها هو شيوع الديستوبيا وامتداد أثرها عبر الامتداد الجغرافى لانتفاضات الربيع العربى.
وعادة ما تقدم هذه النصوص تصورا مظلما جدا سيفقد البشر فيه الكثير، حريتهم، ومشاعرهم، ومواردهم، أو ربما على العكس، يسود الرخاء الظاهرى ــ يوتوبيا ــ لكن هناك انحطاطا كارثيا فى جانب من جوانب الحياة وتظهر حالة من الخواء التام، ومحو للفردانية، والتعاطف وأى مشاعر بشرية أخرى.
وأجمل ما فى رواية أحمد عونى «جوائز للأبطال» سعيها لمقاربة هذا العالم ولكن دون التورط فى غواية التنديد المجانى بموضوع القمع، اذ راهنت على السخرية كآلية فعالة لفضح بنية السلطة الأبوية على مستوى العائلة التى لا تختلف فى بنيتها عن السلطة التى تظهر بالتوازى مع عالم العائلة لتأكيد الفكرة المركزية فى النص والتى تقوم على خلخلة هذه البنية السلطوية.
والأجمل أن عونى أظهر أدواته كسارد محترف وبناء مسيطر على عالمه الذى يتوالد فى تدفق ناعم عبر لغة أدبية متقشفة تماما، لكنها غنية بإنسانيتها وفيها كل شروط البساطة التى تكثف الشعور بعالم يتخلق من التفاصيل البسيطة التى تجعل من الذاكرة الفردية للبطل معبرة عن ذاكرة جماعية منتهكة، يمكن استجلاء ظواهرها وتفاصيلها بسخرية لا تخلو من مرارة.
وإذا كان عونى قد كتب مجموعته القصصية الأولى «قلق مزمن» ونشرها فى توقيت ظلمها كثيرا لتزامنه مع أحداث الثورة فإن «جوائز للأبطال» تظهر أسباب هذا القلق وتعيد كاتبها للواجهة ككاتب يستحق أن نتوقف أمام عالمه الممتع بامتياز.