نشرت صحيفة «ذا واشنطن بوست» مقالا للكاتب Ishaan Tharoor، ركز فيه على مصطلح جديد ظهر على الساحة الفرنسية «اليسار ــ الإسلامى» الذى يقوم على دعم اليساريين للمتطرفين من المسلمين مما دفع وزيرة التعليم العالى إلى فتح تحقيق عن «اليسارــ الإسلامى» فى الجامعات، ذكر الكاتب أيضا ردود الفعل تجاه ما أقدمت عليه الوزيرة، بالإضافة إلى رد فعل ماكرون.. نعرض منه ما يلى.
هناك شبح جديد يطارد أوروبا، يمكن رؤيته ــ على الأقل ــ من باريس. ففى الأيام الأخيرة، كثفت الحكومة الفرنسية فى عهد الرئيس إيمانويل ماكرون هجومها السياسى والخطابى ضد ما يُعرف باسم «IslamoــGauchisme» أو «اليسارــ الإسلامى». هذا المفهوم، الذى انتشر لأول مرة بين اليمين المتطرف الفرنسى، يجمع صراحة بين المتطرفين الإسلاميين والمفكرين والناشطين ذوى الميول اليسارية. ويذهب المعنى الضمنى إلى أن المتطرفين من المسلمين يتم تمكينهم من خلال سياسات اليساريين فى فرنسا.
فى العام الماضى، شن الرئيس حربًا ضد «الانفصالية الإسلامية» داخل فرنسا بعد هجوم متطرف مروع على مدرس فرنسى. نتيجة لهذا الحادث، أقر مجلس النواب الفرنسى قبل أسبوع تقريبا مشروع قانون ضد الإسلاميين وهو تشريع يهدف إلى مواجهة الأيديولوجية المرتبطة بسلسلة من الهجمات الإرهابية الأخيرة، ولكن يخشى منتقدون أنه قد يضر بكل مجتمعات المسلمين فى البلاد.
إن مشكلة «اليساريةــ الإسلامية» المفترضة قد تم استدعاؤها الآن من قبل شخصيات فى قلب المؤسسة السياسية الفرنسية، بما فى ذلك بعض وزراء ماكرون. وبالنسبة لماكرون، الذى يبدو أنه يتحرك لليمين قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل، فإن التحدى أكبر وأوسع. ففى خطاب ألقاه فى أكتوبر الماضى، قال إن الاغتراب الذى يشعر به بعض المواطنين الفرنسيين من أصل عربى أو أفريقى كان ــ جزئيًا ــ نتيجة رؤية الكثيرين لـ«هويتهم من خلال خطاب ما بعد الاستعمار أو مناهض للاستعمار»، فى إشارة إلى النظريات الاجتماعية والثقافية الأكاديمية التى يدعى أنه تم استيرادها إلى فرنسا من الولايات المتحدة. هذه النظريات، كما يجادل ماكرون وبعض حلفائه السياسيين، قدمت رؤى «هوية» للمجتمع تعتبر غريبة ومدمرة على مجتمع فرنسا العلمانى الصارم.
قبل أسبوعين، أشعلت فريدريك فيدال، وزيرة التعليم العالى الفرنسى، النيران أكثر عندما أعلنت عن فتح تحقيق عن «اليسارــ الإسلامى» فى الجامعات الفرنسية. قالت فيدال على قناة CNews، وهى قناة تلفزيونية تحظى بشعبية الجناح اليمينى: «أعتقد أن اليسار ــ الإسلامى ينخر فى مجتمعنا ككل، والجامعات ليست محصنة وهى جزء من مجتمعنا»، متهمة زمرة من الأكاديميين الذين ينتمون للجناح اليسارى بأنهم «ينظرون دائمًا إلى كل شيء من خلال توجهاتهم ومعتقداتهم».
كانت ردود الفعل على تصريحات الوزيرة داخل فرنسا قاسية. حيث دعا حوالى 600 أستاذ جامعى إلى استقالة فيدال بسبب «التشهير بالمهنة الجامعية» والانغماس فى خطاب مألوف فى البلدان التى تشهد تراجعا فى الديمقراطية. كما أعلن بيان صادر عن منظمة تمثل رؤساء الجامعات الفرنسية أن «اليسارية ــ الإسلامية» ليست مفهومًا صحيحًا ولكنها فكرة زائفة يتم تقديمها عبثًا كتعريف علمى. لذلك يجب نبذ هذا المصطلح، ليس فقط من جانب مقدمى CNews، بل من جانب جناح اليمين الذى نشرها.
حتى المركز الوطنى الفرنسى للبحث العلمى، وهو المؤسسة العامة التى كلفتها فيدال بإجراء التحقيق، أصدر بيانًا يدين أى «محاولات لنزع الشرعية عن مجالات البحث المختلفة، مثل دراسات ما بعد الاستعمار، والدراسات المتقاطعة والأبحاث حول العرق». من جانبها، وصفت مقالة افتتاحية فى صحيفة لوموند استخدام مصطلح «اليسار ــ الإسلامى» بأنه «خطير» وانتقدت فيدال لأنها كانت تسعى إلى تشتيت الانتباه فى وقت أزمة الصحة العامة.
وأضافت الصحيفة: «ربما تحاول فيدال جعل الناس ينسون صمتها بشأن الأزمة الصحية الرهيبة التى تهز الجامعات وتجبر الطلاب على الوقوف فى طوابير أمام بنوك الطعام»، متسائلةً عن «قدرتها على تحمل مسئولياتها فى مواجهة القضية الرئيسية فى الوقت الراهن».
بدورهم، انتقد العلماء الفرنسيون التأثير المروع الذى يبدو للمصطلح، فضلا عن سوء توصيفه الفادح لمجالات البحث الأكاديمى. كان هذا واضحًا بالفعل فى خطاب فيدال المرتبك إلى حد ما ــ فى إحدى المقابلات، حيث بدا أن الوزيرة ربطت اقتحام مؤيدى ترامب مبنى الكابيتول الأمريكى بانتشار الدراسات الثقافية اليسارية فى الجامعات الأمريكية. وقالت أودرى سيليستين، محاضرة فى علم الاجتماع السياسى والدراسات الأمريكية فى جامعة ليل الفرنسية، للصحفية لوسى ديلابورت: «نحن نتعامل مع شكل من أشكال المكارثية». وأضافت: «أنا أؤيد المناقشة».
لكن مكتب ماكرون سعى إلى النأى بنفسه عن الجدل، حيث أصر المتحدث باسم الحكومة الفرنسية على «التزام الرئيس المطلق باستقلال الباحثين الأكاديميين». لكن ماكرون لا يزال مشاركًا رئيسيًا فى صراع أكبر بكثير.
على أى حال، يشير القتال حول نظريات العلوم الاجتماعية، والذى احتل الصفحة الأولى لثلاث من الصحف الفرنسية الكبرى على الأقل فى الأيام الأخيرة إلى حرب ثقافية كبرى فى فرنسا. إنها حرب ثقافية يتردد صداها فى أجزاء أخرى من العالم أيضًا. حيث استهدفت الحكومات القومية غير الليبرالية، من المجر وتركيا مرورا بالهند، بعض المؤسسات الأكاديمية، وفى بعض الحالات، فرضت أنظمة رقابة. أما فى الولايات المتحدة، فقد أمضى اليمين السياسى سنوات فى التذمر من اليسار المثقف.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الاصلى