ترامب يندفع نحو روسيا.. الأولوية للمواجهة الاستراتيجية مع الصين - قضايا إستراتيجية - بوابة الشروق
الخميس 27 فبراير 2025 6:31 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

ترامب يندفع نحو روسيا.. الأولوية للمواجهة الاستراتيجية مع الصين

نشر فى : الأربعاء 26 فبراير 2025 - 8:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 26 فبراير 2025 - 8:30 م

نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب، يرى فيه أن من أسباب جنوح الرئيس الأمريكى ترامب للطرف الروسى لا الأوكرانى فى الحرب الدائرة بين الأخيرين، هو رغبته فى إبعاد روسيا عن غريمته التقليدية الصين... نعرض من المقال ما يلى:
قبل ثلاثة أعوام، ترتّب على اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، إعادة تشكيل المشهد العالمى برمته، وحدثت الكثير من الأشياء التى كانت غير متوقعة، من احتشاد الغرب على نحو غير مسبوق فى دعم أوكرانيا ومعاقبة روسيا بقوة، وعودة الولايات المتحدة لتنشيط حلف شمال الأطلسى «الناتو» الذى توسع نحو شمال أوروبا، بينما خابت آمال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى استعادة سريعة لأوكرانيا وتاليا الغرق فى مستنقع من الاستنزاف، الذى فرض عليه الارتماء كليا فى «شراكة بلا حدود» مع الصين.
حدث هذا قبل ثلاثة أعوام، غاب فيها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن البيت الأبيض، ولتتبدل مع عودته قبل شهر واحد فقط، الكثير من المعادلات التى أرستها رئاسة بايدن وتعهده دعم أوكرانيا «طالما استلزم الأمر»، لمصلحة سياسة «أمريكا أولاً» التى تضع وقف الحرب على رأس أجندة أولوياتها العالمية، والتوقف عن العطاء بالمجان، والمطالبة بثمن المساعدات التى كانت عاملاً أساسيا فى حفظ أوكرانيا.
تسببت الحرب فى زعزعة نظام الأمن الأوروبى وخلّفت انعكاسات عالمية، آخرها انهيار نظام بشار الأسد فى سوريا، حيث كانت روسيا أعجز عن خوض حرب على جبهتين، وإذا بإيران تجد نفسها فى مواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، هى الأكثر خطورة منذ ولادة الجمهورية الإسلامية.
الآن، هناك أثمان اقتصادية وسياسية ستُدفع نظير توقف الحرب. للمرة الأولى تجد أوروبا نفسها متروكة فى العراء. ويتساءل قادتها هل حانت لحظة سحب مظلة الحماية الأمنية والعسكرية التى توافرت للقارة منذ 1945. وبعضهم لا يصدق أنهم سيدخلون فى حقبة ما بعد أمريكا. أوروبا التى هالها كسر الجمود الدبلوماسى بين الولايات المتحدة وروسيا فى اجتماع الرياض بين وزيرى الخارجية الأمريكى ماركو روبيو ونظيره الروسى سيرغى لافروف فى 18 فبراير الجارى، حاولت أن تُبرز شخصية مستقلة عن واشنطن، بعقدها اجتماعا لقادة ثمانى دول أوروبية، انتهى بالخلاف على اقتراح فرنسى-بريطانى، بإرسال 30 ألف جندى لحفظ السلام فى أوكرانيا فى إطار أية تسوية سلمية.
ألمانيا وبولندا نأتا بنفسيهما عن الاقتراح واستبعدتا المشاركة فى مثل هذه القوة المقترحة. ذهب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى واشنطن الإثنين الماضى ويلحق به رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر، اليوم الخميس، فى مسعى لإقناع ترامب بتوفير ضمانات أمنية للقوة الأوروبية المقترحة.
• • •
زيلينسكى، وبالتزامن مع الاجتماع الأمريكى - الروسى فى الرياض، اختار زيارة أنقرة ولقاء الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، مُشعلاً بذلك تنافسا بين منصتى الرياض وأنقرة، كمرجعية للمفاوضات المستقبلية على السلام فى أوكرانيا. هل التوافق الأمريكى - الروسى على الرياض مكانا، يوحى أيضا بأن واشنطن وموسكو لا تريدان أن يتبوأ أردوغان، على حساب لاعبين آخرين، زعامة الإقليم بعد تمدده فى سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الماضى؟
قال زيلينسكى كلاما فى أنقرة استفز ترامب، عندما اعتبر أن بلاده غير معنية بما يصدر عن أى مفاوضات لا تشارك فيها. ردّ ترامب بتذكير زيلينسكى أنه كان قبل ثلاثة أعوام يفاوض روسيا فى بيلاروسيا وفى تركيا ومن دون أمريكا.
يشعر ترامب بالإهانة من تعامل زيلينسكى مع وزير الخزانة الأمريكى سكوت بيسنت الذى زار كييف الأسبوع الماضى، من أجل التوقيع على عقد توافق فيه أوكرانيا على أن تستثمر الولايات المتحدة بما يعادل نصف ثروة البلاد من «الأتربة النادرة»، التى تدخل فى صناعة المقاتلات من الجيل الخامس والبوارج والسيارات الكهربائية.
يروى نائب أمريكى لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، أن بيسنت دفع بورقة أمام زيلينسكى كى يُوقّع عليها وتتضمن تنازلاً عن نصف المعادن الأوكرانية الاستراتيجية، ثمنا للمساعدات الأمريكية التى قدمها بايدن لكييف. لكن زيلينسكى طوى الورقة فى جيبه بعدما تردّد فى التوقيع، مُعلّلاً ذلك بضرورة التشاور مع فريقه قبل اتخاذ قرار على هذا القدر من الخطورة، وصرح بعد اللقاء «لن أبيع بلادى».
لم يكن هذا الجواب النهائى لزيلينسكى، الذى يطالب بضمانات أمنية أمريكية تحمى بلاده من هجوم روسى مستقبلاً، قبل تلبية مطالب ترامب بالدخول فى حوار مع روسيا أو لجهة الموافقة على مشاركة أمريكا فى استثمار الثروة المعدنية الأوكرانية.. وهذا ما لم يحصل عليه حتى تاريخه.
عند هذه النقطة، اندلعت «الحرب الشخصية» بين ترامب وزيلينسكى. الأول اتهم الثانى بأنه «ديكتاتور» و«ممثل كوميدى متوسط النجاح»، و«بصرفه نصف المساعدات الأميركية فى غير وجهتها»، وبأنه هو من بدأ الحرب، وبأن أمريكا دفعت حتى الآن 350 مليار دولار على شكل مساعدات تسليحية واقتصادية لأوكرانيا، وبأن زيلينسكى بسياسته «يقود أوكرانيا إلى الزوال».
هنا تبدى ترامب لزيلينسكى على هيئة بوتين. فرد بأن الرئيس الأمريكى يعيش فى فقاعة «من التضليل الروسى» فى شأن الحرب، وبأن مجموع المساعدات الأمريكية هو مائة مليار فقط، وبأن الجيش الأوكرانى قادر على الصمود.
واقع الحال، يشير إلى أن زيلينسكى يخوض معركة خاسرة مع ترامب. ويعلم تمام العلم أنه إذا أقدم البيت الأبيض على خطوة أخرى فى اتجاه روسيا، فإنه يُعرّض أوكرانيا لخطر جدى. يكفى مثلاً أن يُلوّح الرئيس الأمريكى بوقف المساعدات العسكرية لكييف أو بقطع خدمة «ستار لينك» التى تستخدمها القوات الأوكرانية فى شبكة اتصالاتها، أو برفع العقوبات عن روسيا، حتى يحدث تغير استراتيجى على الجبهات، فى وقت، بحسب ما أوردت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، «تفتقر فيه الخطوط الأمامية للجبهة إلى الجنود، بينما بعض الخطوط تقاتل بثلث العدد المعتاد». ونقلت عن مقرب من زيلينسكى أن «ما من أحد مستعد ليقول للرئيس لا.. فى وقت يرتكب فيه الأخطاء». كما أن الكثير من الأوكرانيين بدأوا يتبرمون من زعيمهم. وبحسب استطلاع للمجلة، فإن زيلينسكى سيخسر أية انتخابات رئاسية فى مواجهة رئيس أركانه السابق فاليرى زالوجنى بنسبة 32 فى المائة فى مقابل 65 فى المائة. وفى آخر استطلاع، تدنت نسبة الثقة بزيلينسكى إلى 52 فى المائة من 90 فى المائة مع بداية الحرب. وعليه، لا يملك زيلينسكى الكثير من الأوراق ليشهرها فى وجه ترامب. ولهذا عاد ووافق على إبرام اتفاق المعادن مع واشنطن.
• • •
الانسحاب الأمريكى من أوروبا، سيرغم الدول الأوروبية على رفع إنفاقاتها الدفاعية إلى أكثر من خمسة فى المائة. وسيتحقق ذلك على حساب التقديمات الاجتماعية.
عموما، تطل أوروبا على واقع جيوسياسى جديد، نتيجة سياسة ترامب التى تنظر إلى ترميم العلاقات مع روسيا من زاوية أوسع من أوكرانيا، بل تشمل المواجهة الاستراتيجية الأوسع مع الصين.
هل وقف النزاع الأوكرانى ورفع العقوبات عن روسيا، من شأنه أن يُقنع بوتين بعدم تسليم كل أوراقه و«ثرواته المعدنية» للصين التى تُمعِن فى تحدى أمريكا اقتصاديا وربما عسكريا فى زمن لاحق؟
اتفاق أوكرانيا المحتمل وتداعياته على العلاقات بين ضفتى الأطلسى، ثمنٌ لا بد أن يدفعه ترامب لإبعاد روسيا عن الصين. فهل ينجح؟

النص الأصلى:

التعليقات