نشر موقع 180 مقالاً للكاتب سميح صعب، تناول فيه رؤى الأطراف المنخرطة فى الحرب الروسية الأوكرانية لإنهائها، وكفة أي طرف تميل أكثر... نعرض من المقال ما يلى:
تأكد الرئيس الأمريكى العائد دونالد ترامب، من استحالة وقف الحرب الروسية - الأوكرانية «فى غضون 24 ساعة»، كما سبق ووعد، فسارع إلى وصف أخطر نزاع تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية بـ«الحرب السخيفة»، وأطلق سلسلة تهديدات ضد روسيا لأن الرئيس فلاديمير بوتين لا يريد إنهاء الحرب على عكس الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى.
اعتقد ترامب، المُؤيَّد بزخم اتفاق وقف النار فى غزة بين حركة حماس وإسرائيل، أن بوتين وزيلينسكى، لن يخذلاه ويعلنان وقفا فوريا للنار. أمام مشهد معقد للغاية، مال الرئيس الأمريكى إلى اعتماد نهج أكثر واقعية، ومنح مبعوثه لحل النزاع الجنرال المتقاعد كيث كيلوج، مهلة مائة يوم لاستكشاف السبل الآيلة إلى تحقيق وقف للنار فى الحرب التى تقترب من إنهاء عامها الثالث.
يُقارب ترامب الحرب الروسية ــ الأوكرانية، أولاً من زاوية المساعدات التى أنفقتها الولايات المتحدة تسليحًا وتمويلاً لكييف والبالغة نحو مائة مليار دولار. وهو يريد وقف الحرب فى المقام الأول كى يُوقف هدر الأموال الأمريكية فى غير موضعها، ولا يهتم كثيرا بتبريرات الحزب الديموقراطى القائمة على أن المساعدات هى استثمار فى الأمن القومى للولايات المتحدة ولحلفائها.
أما هل يملك ترامب خطة مفصلة لتسوية دبلوماسية للنزاع؟ فهذا غير مؤكد. وليس من الواضح ما إذا كان فريق ترامب يدعم خطة نشرها كيلوج العام الماضى، وتتضمن وقفا للنار تمهيدًا لإجراء مباحثات سلام، وتجميدا لخطوط الجبهة الحالية، ورفعا جزئيا للعقوبات عن روسيا، بينما يُرجأ الاقتراح المتضمن ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسى «الناتو»، على أن يعمد الغرب إلى تزويد كييف بمزيد من الأسلحة فى حال رفضت روسيا الدخول فى المفاوضات. كما أن الخطة نفسها تُهدّد بقطع المساعدات العسكرية عن كييف إذا لم تقبل التفاوض. لكن موسكو لم تبدِ أى ترحيب بالخطة.
• • •
فى المقابل، تطمح روسيا وأوكرانيا إلى حلول أخرى. مثلا ما يزال بوتين يتطلع إلى اعتراف أوكرانى وغربى بضم شبه جزيرة القرم التى سيطر عليها عام 2014، وكذلك الأراضى التى استولت عليها القوات الروسية بعد حرب 2022، وهى تُعادل خُمس الأراضى الأوكرانية، فضلاً عن المطالبة بإعلان حياد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى الناتو وخفض قواتها المسلحة.
تنقل صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية عن المتخصصة فى الشئون السياسية تاتيانا ستانوفايا المقيمة فى باريس ولها صلة مع أشخاص مقربين من الكرملين، أن بوتين يريد ترتيبات جيوسياسية شاملة ترقى إلى تلك التى توصل إليها قادة الاتحاد السوفيتى وأمريكا وبريطانيا مع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها فى يالطا، والتى أفضت إلى تقسيم أوروبا بين دوائر نفوذ سوفياتية وأخرى تابعة للغرب.
على الضفة الأخرى، يطالب زيلينسكى بضمانات أمنية تشمل انضمام كييف إلى الناتو، أو على الأقل نشر ما يصل إلى 200 ألف جندى من الحلف بينهم أمريكيون على الأراضى الأوكرانية، لردع روسيا عن محاولة شن حرب أخرى على أوكرانيا، فى وقت بدأ الرئيس الأوكرانى يُدرك استحالة استعادة معظم الأراضى التى سيطرت عليها روسيا.
• • •
بحسب تقويمات غربية، فإن الاقتصاد الروسى بدأ يظهر بعض الإرهاق فى وقت يكافح التضخم وإنفاق مليارات الدولارات على الصناعات الدفاعية، وعلى إقناع الروس بالتطوع فى الجيش والاستفادة من المنافع التى تعود على عائلات الجنود القتلى أو الجرحى. ويُقدّر مسئولون غربيون أن روسيا فقدت نحو 700 ألف جندى ما بين قتيل وجريح.
ومع ذلك، يقول محلّلون غربيون أيضا، إنه بينما تخسر روسيا الأموال والقوات، فإنها لا تزال تملك ما يكفى لمواصلة القتال وامتلاك اليد العليا. وتتقدم القوات الروسية غربا بما يُهدّد مدناً وبلدات تشكل مراكز لوجستية مهمة للجيش الأوكرانى.
يرى مراقبون أن تهديد ترامب بفرض عقوبات إضافية على روسيا، يعنى أنه أدرك أن التوصل إلى اتفاق سيستغرق بعض الوقت. وتركت النبرة الإنذارية التى تحدث بها ترامب عن روسيا بعد تنصيبه، امتعاضا كبيرا فى أوساط الكرملين.
كما أن ترامب بإقدامه على تهديد الصين والهند بالعقوبات بسبب تعاملهما مع روسيا، لا يجد عنصرا مُساعدا فى وقف الحرب، فى حين كان فى مستطاع واشنطن الاستعانة ببكين ونيودلهى للمساهمة فى تسوية ديبلوماسية بين موسكو وكييف.
عقب خطاب التنصيب الذى أعلن فيه ترامب عن أجندة أمريكية إمبريالية، سارع بوتين والرئيس الصينى شى جين بينج إلى إجراء محادثات عبر تقنية الفيديو، أكدا خلالها على تعزيز «الشراكة الاستراتيجية» بين روسيا والصين. ومن المؤكد أن بوتين وشى جين بينج وقادة آخرين فى العالم، كانوا يتتبعون بدقة وبنوع من الذهول إعلان ترامب عن أن أمريكا يجب أن تكون «أمة متنامية وأن تزداد ثروتها وأن تُوسّع أراضيها»، من خليج المكسيك إلى قناة بناما وجزيرة جرينلاند وكندا وصولا إلى رفع العلم الأمريكى على المريخ!
النص الأصلي