الهوس الأيديولوجى والكراهية - قضايا إستراتيجية - بوابة الشروق
الثلاثاء 25 مارس 2025 7:06 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الهوس الأيديولوجى والكراهية

نشر فى : الأحد 23 مارس 2025 - 7:20 م | آخر تحديث : الأحد 23 مارس 2025 - 7:20 م

 نشرت جريدة المغرب التونسية مقالًا للكاتب مسعود الرمضانى، تناول فيه أزمة الأيديولوجيا فى بعض دول العالم العربى ودورها فى عرقلة بناء مجتمعات قائمة على المواطنة والحرية والتطور. يوضح الكاتب كيف تتحول الأيديولوجيات، سواء كانت دينية أو قومية أو يسارية، إلى عقائد جامدة تمنع النقد والتطور، وتعزز الانقسامات بدلًا من حلّها.. نعرض من المقال ما يلي:

يسأل المفكر والشاعر السورى، أدونيس، «لماذا لم ننجح، نحن العرب، فى بناء مجتمعات تكون فيه المواطنة هى الأساس؟».

وأجابته أننا لسنا مجتمعات متناسقة، بل تجمعات متناثرة ومتناقضة ومتعادية، تعيش داخل جزر ذهنية منغلقة، رغم أننا نتقاسم فضاءات واحدة تسمى «أوطان»، لكنها فضاءات يتصارع داخلها أناس متسلطون.

ورغم أن أدونيس يرى أن مشكلتنا الأساسية والأزلية هى «تسييس الدين وتديين السياسة» فإن الأمر، فى تقديرى، يتجاوز توظيف الخطاب الدينى فى الشأن العام ليطرح قضية علاقتنا بالأيديولوجيا، يسارية كانت أم يمينية، دينية أم قومية شوفينية، وتبنيها كعقيدة ثابتة، فالأيديولوجيا، التى لا يرى صاحبها الواقع إلا من خلال زاوية تفكيره الخاص، تتحول، هى أيضًا، إلى مقدس وعقيدة ثابتة، ترفض بعناد أى تنسيب، وتسجن أصحابها داخل مجموعات مطبقة، تمامًا مثل سجناء كهف أفلاطون، الذين لا يرون الواقع إلا عبر عتمة يقينياتهم المظللة.

الحقيقة المطلقة

وعقدة الأيديولوجيا أنها تتحول -أحيانا- من وجهة نظر وقراءة للواقع إلى فكرة سرمدية راسخة حتى وإن تعارضت مع هذا الواقع وسفهتها التجربة ودحضها العلم، قال جاليلى (Galilée)، حين رفض الناس اكتشافه المدعم بالحقائق العلمية حول دوران الأرض وتمسكوا برأى أرسطو -الذى تبنته الكنيسة- حول ثباتها: «حتى وإن رأى الناس فى الطبيعة ما يناقض رأى أرسطو، فإنهم يكذبون الطبيعة ولا يكذبون أرسطو»، ومع كهنوت الأيديولوجيا المعاصرة، يمكنك أن تعوض أرسطو بأى مرجعية «مقدسة» أخرى، يمينية أو وسطية أو يسارية.

الهوس الأيديولوجى

فى الحقيقة، مشكلة الأيديولوجيا ليست فقط فى أفكارها المطلقة ولا فى حقيقتها السرمدية التى تتعالى بعناد على كل الحقائق الأخرى، مهما كانت تجربتها واشتباكها مع الواقع، بل فى خطورة تحولها إلى هوس مدمّر لتفكير الشخص والتفاعل مع من حوله، يقول جوسلين بيلونحى، وهو أستاذ علم النفس الاجتماعى، أن مشكلة الأيديولوجيا أنها تتحول، مع الزمن، إلى هوس وبذلك تفقد التنظيم الأخلاقى الذاتى وتسمح بممارسات غير خاضعة لإدانة أخلاقية ذاتية، ثم أن هؤلاء المتعصبين يرفضون كل نقد ويعتبرونه تهديدا لوجودهم وكثيرًا ما يحيل هوسهم إلى الكراهية، ويغلق الباب أمام كل تواصل مع الآخر، المختلف.

تنكر الأيديولوجية لأصولها الفكرية:

لكن تعالى الأيديولوجيا عن الواقع لا يمنع من أنها ولدت من التراكمات الفكرية لهذا الواقع بمختلف مكوناته، الفلسفية والدينية والاجتماعية، خذ مثلًا الماركسية ما كانت لتتشكل كأيديولوجية «علمية» لولا التطورات الفكرية التى عرفها كارل ماركس عبر تاريخه الفلسفى، فهو قد استقى أفكاره من أستاذه هيغل، حين كان يناقش ضمن حلقات «الشباب الهيغلى»، وهيغل، بدوره، غرف من الديانة المسيحية، التى كان يعتبرها «الديانة المطلقة»، حيث تربط فلسفته بين ثلاثة أركان: «الحرية والعقل والروح». والخلاصة أن الفكر، كما المعرفة، مبنى على التطور والتواصل والتفاعل مع كل المعطيات الثقافية والدينية والاجتماعية.

إن المسار الأيديولوجى يأتى دائمًا بعد تطور فكرى وعملية بحث تراكمية، إلا أن مشكلته الأساسية تظل أنه وصل إلى حالة من الانقطاع الذهنى عن التفكير والتحصن بـ«الحتمية»، وحينها تسجن الأيديولوجيا مريديها داخل شرنقة حقيقتها المطلقة، وتبدأ فى اجترار وتطبيق مسلماتها وتغيب مساحة الحرية التى هى أساس الإبداع الإنسانى ومحرّك رقيّه وتطوّره.

 

النص الأصلى:

 

التعليقات