بالأمس سألتنى إن كنت سعيدة فى حياتى. نسيت فى سؤالك أن ترشدنى إلى المعايير التى تنصح بالاحتكام إليها فى الإجابة على سؤالك عن السعادة. أعرف من تجربتى الخاصة أنه ليس كل ما أسعد أمى وهى فى مثل سنى كان بالضرورة يسعدنى. أعرف أيضا أننى لم أحلم يوما بأن تتوافر لى الأسباب التى توافرت لصديقة عزيزة، تعرفها فهى أيضا من تلاميذك، فجلبت لها السعادة التى تقول عنها أنها ترفرف فوق بيتها وفى حياتها. وإن نسيت بعض أيام مراهقتى وأكثر حكايات شبابى فلن أنسى دفقات السعادة التى غمرتنى فى تلك المرحلة وصبغتها فى سجل حياتى بأحلى الألوان وأكثرها بهجة.
أظن، وفى هذا الظن بعض الحب، أن للسعادة فى تلك المرحلة من العمر صفات وقسمات لم تتكرر فى مراحل أخرى. تعرف، وأعرف أنك تعرف، لماذا لم ولن تتكرر؟. كيف تتكرر وقد تغيرت تفاصيل الجسد وأولويات رغباته. تغيرت طبيعته، من طبيعة وسلوكيات وثابة إلى طبيعة وقدرات متزنة ومتوازنة. تغيرت نظرتنا إلى الآخر، وأقصد الرجل طبعا.
كيف تتكرر والمكان ليس نفس المكان. الشاطئ ليس نفس الشاطئ وإن بقى فى موقعه. حتى الصيف ليس نفس الصيف وإن جاء فى موعده. الشارع الذى نشأت فى بيت عند طرف من طرفيه لم يعد نفس الشارع الذى احتوانى مراهقة ثم شابة ولا هو الشارع الذى يحتوينى الآن. أنا الناضجة عقلا وجسما لست أنا المراهقة. طلباتى من الحياة ومتعها ليست هى ما كنت أطلب أو أتمنى. متع العقل الناشئ ليست كمتع العقل الناضج، لكل منهما حلاوته ولذاته وترتيباته، بقى شيء من هذا فى ذاك ولكنهما لا يتبادلان المواقع فى حياتنا، حتى المحاولة لا تجوز.
• • •
حضرتك تتركنى أجيب على سؤالك مستخدمة معايير للسعادة أنا استنتجتها أو استخلصتها من تجربتى فى الحياة. فكيف بالله ستقارن بيننا إذا كان لكل منا فهمنا الخاص للسعادة، ولهذه السعادة عند كل واحدة فينا معايير ذاتيه جدا، أكثرها أثمرته تجارب شخصية جدا. وقد يأتى السؤال فى يوم شقاء عظيم فهل نكون من الخاسرين فنحسبه يوما لا يتكرر فى حياة كلها سعادة أم نكون من الجاحدين فنعممه على مسيرة الحياة برمتها؟.
سمعتك، أو لعلك كتبت، تقول إنك تعيش الآن أحلى أيام العمر. أصدقك حتى وإن لم أعش بعد تجربة العمر المديد. ولكنك بما قلت فتحت لى فرصة التهرب من الإجابة على سؤال السعادة. أنت اخترت من كتاب الحياة، فصلا حكمت عليه أنه الأحلى. لم تقل أنه الحلو الوحيد فى كتاب متعدد الفصول. قررت أو حكمت أنه أحد أحلى الفصول. طيب وماذا عن الفصول الأقل حلاوة؟ نفهم أنها لم تحمل لك السعادة التى كنت تبتغينها فى حياتك.
• • •
صديقى..
إليك إجابتى. أنا راضية عن حياتى. أسعد فى بعض أيامها وفى فصل أو آخر من فصول سنواتها، وأشقى ببعض آخر من أيامها وبمرحلة أو أخرى من مراحلها. لم أفكر طويلا ولا كثيرا فى الظروف والأسباب ولا فى تفصيلات الأيام والمراحل. إجابتى لا تأتـى تهربا من إجابة نهائية أو قاطعة على سؤالك. أنت نفسك اخترت فصلا من حياتك تعلم أنه آخر الفصول لتعلن رضاك عن نفسك وعن هذه الفسحة من الزمن ولم تستخدم السعادة فى وصفك له ولك. أنا مثلك راضية.
سمعتك أمس الأول تسأل صديقة مشتركة سؤالا أثار عندى الرغبة فى الإجابة رغم أن السؤال كان لغيرى. سألتها يا معلمى العزيز لو أنها لم تتزوج الرجل الذى هو زوجها الآن، وعلى ضوء مختلف تجارب حياتها، فما هى أهم الصفات التى كانت ستشترط وجودها فى الرجل الذى تبتغيه زوجا. أنا أجيبك بالآتى: أول الصفات وأهمها، وهو شرط غير قابل للمساومة أو الرفض، أن يتمتع الرجل المحظوظ بالجمع بين خاصيتين تتغافل أو غفلت عنهما نساء كثيرات فدفعن من سعادتهما الثمن باهظا. الخاصيتان هما الحنان والحماية.
الرجل الذى أحب لا يبخل بلمسات لها وقتها ولا بهمسات تخترق جدار الصمت، كلها تدغدغ أوتار قلب مدلل. هذا الرجل حصيف فى الحب كما فى غيره. يعرف أن المبالغة فى العطاء، فى الوقت كما فى الفعل، مفسدة للحب والمرأة معا. الرجل الذى أحب جسور عند الدفاع عن حبه وشريكته فى الحب. بنظرة يثنى المعتدى عن غيه وبكلمة يحيطنى بالأمان ويجدد عندى راحة البال وبحضن يعزز مناعتى وثقتى بنفسى.
معلمى..
أنا راضية. وأكون سعيدة لو أنك لقيت هذا الرجل وجئت به وقدمتنى له.