الاعتداد بالرأى يثمر استخفافا بآراء الآخرين مهما يكن لها من وجاهة وموضوعية، فإذا ما أضيف لدى المعتد برأيه سلطة تمكنه من إنفاذ إرادته دون اعتبار لانتقاد مخالف أو مشورة مؤتمن، مضى فى طريقه أكثر ثقة واطمئنانا... وتتحول الثقة ويتطور الاطمئنان إلى «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد» فى حالة ازدياد أعداد المبررين والمفلسفين والمنتفعين.
وكما تعودنا أبدأ بالاعتراف أمام محاكم التفتيش بإخلاصى فى حب هذا الوطن، وأقسم بالأيمان المغلظة لكل قاض يشق عن صدرى ليحكم على نيتى، أُقسم لهم جميعا على رفضى لكل صور العنف والإرهاب والاغتيال... كما كنا مضطرين لنفس القسم ولأيمان أشد توكيدا أمام محاكم التفتيش على الدين واختبار الولاء للإسلام التى عقدها لنا آخرون... وبعد الاعتراف أسأل: كم من الجرائم ارتكبت فى حق المصريين على مدى أكثر من سبعين عاما متلفحة بغطاء الطوارئ والأمن القومى ومصلحة البلاد العليا و...و...؟ وهل كان اعتقال السياسيين والتنكيل بالإسلاميين قبل ٢٥ يناير ليتم دون مبرارت من نوع: «حفظ الأمن» ومواجهة «المؤامرات» و«تحقيق الاستقرار»؟
المشكلة ليست فى قانون التظاهر ذاته قدر ما هى مشكلة ٌفى طريقة التفكير وأسلوب صناعة القرار ثم المعالجة الإعلامية للقرار وردود الأفعال عليه..... فطريقة التفكير التى تحسب أن دفع تهمة «الأيدى المرتعشة» لا يكون إلا بالإعراض عن كل نصح ــ أو قل عن كل رأى مخالف ــ والمضى قدما دون تفكير فى العواقب لا يختلف كثيرا عن أسلوب حكم نظام د.مرسى، بل إنه يؤكد أن إقصاء ومصادرة آراء الآخرين لم يكن بدعة إخوانية قدر ما هو ثقافة فاشية متأصلة عند الكثيرين!
قلنا رأينا بوضوح وكررناه فى أكثر من مناسبة، الأصل أن تؤجل كل القوانين الحيوية إلى مجلس شعب منتخب يضطلع بمسئولية التشريع عن استحقاق لا نتيجة لظرف استثنائى.... فإذا ما اشتدت حاجتنا لقانون ــ كما هو الحال فى مسألة تنظيم التظاهر ــ فلا مفر من تحصيل قدر من التوافق السياسى بشأنه قبل فرضه على واقع مضطرب يموج بالتقلبات كالذى نحيا.
أما محاولات المساومة على الحرية فى مقابل الأمن، أو الابتزاز بالتشكيك فى الوطنية من طرف والتشكيك فى الديانة من طرف آخر، أو الشماتة فى وضع البلاد المزرى ومحاولة تعميق جراح أهله أكثر وأكثر.... كل ذلك مردود على أصحابه لا يقبله منهم مصرى حر عاقل!
كثير ٌمنا على اختلاف الانتماءات لا أخص أحدا بعينه، غير قادر على التمييز بين العناد والثبات، أو الفصل بين المرونة والبراجماتية... فيتصلب فى مواقف المرونة، ويسيل فى مواقف الثبات؛ ولا يجنى فى كل مرة إلا خسارا!