فى محبة عراقى «فالح» - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:06 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى محبة عراقى «فالح»

نشر فى : الثلاثاء 27 فبراير 2018 - 10:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 27 فبراير 2018 - 10:25 م
قبل شهور جاءتنى رسالة من الناقدة العراقية الكبيرة فاطمة المحسن تسأل فيها عنى وعما أفعل؟ 

كانت رسالة رقيقة مثلها وهى التى تعرفت عليها أولا كقارئ عبر كتابها الجميل عن الشاعر العراقى سعدى يوسف ثم التقيت بها فى أحد مؤتمرات القاهرة الأدبية قبل أكثر من عشر سنوات وصرت صديقا لها بفضل دعم الكاتب الراحل الكبير محمد البساطى الذى كان يقول دائما «فاطمة أحسن من كتب عنى».

ظلت فاطمة تكتب لسنوات مقالاتها بانتظام فى صحيفة الرياض السعودية إلى جوار مقالات إبراهيم أصلان الذى كان يتحدث بحماس عن الأشياء التى يحبها ويجيد تقديمها لمن حوله وكانت مقالات المحسن واحدة من وصاياه التى كان ينهى بها مكالماته.

أحببت لغة فاطمة كثيرا لما فيها من نضارة، فضلا عن عمق نظرتها لما تريد بحثه وتأصيله والأهم البساطة التى تعبر بها وتكسر معها أسوار العزلة التى يعانى منها النقد العربى. 

أما كتابها عن تمثلات الحداثة فى ثقافة العراق فأحسبه أفضل وصفة لمن يريد أن يعرف أكثر عن ثقافة بلد قضى التاريخ كله فى صراعات .

وكنت كلما كتبت لها مبديا الاعجاب بما تكتب ننهى الحوار بسلام أرجو أن تحمله لزوجها الرائع د فالح عبدالجبار.

وأول أمس رحل فالح وصرت أسأل نفسى: ما الذى يمكن كتابته لفاطمة؟ أى عبارة يمكن أن تصلح للمواساة فى ظرف كهذا؟ 

هل أقول لها مثلا: إننى أحببت فالح منذ رأيته للمرة الأولى فى دمشق قبل 17 عاما وكان فى أفضل حالاته وهو بصحبة صديقه جبر علوان الرسام الذى أضعه فى مرتبة «الطفل الإلهى» ربما لأنه العراقى الوحيد الذى لا يحمل ضغينة ويكتفى بحمل الالوان والفرشاة. 

توقعت أن يرجع جبر المفتون بالشام إلى العراق عقب سقوط صدام لكنه لم يفعل لا هو ولا فالح وظلا فى انتظار أن يعود العراق؟ 

وفى الصيف الماضى اتصلت بجبر وأخبرته بأننى قرب بيته فى روما وأريد أن أراه فوجدته فى بيروت بصحبة فالح الذى رأيته قبلها بعامين بصحبة الشاعر محمد مظلوم وسألته عن اسمه هل جاء من الفلاحة أم من الفلاح؟ فرد ساخرا : «زى ما انت شايف، أنا لا فالح ولا حاجة». 

لم يعرف «فالح» أنه أفلح أكثر من أى فلاح فى حراثة الكثير من الاراضى، فبينما كان اليساريون العرب لعقود يتحدثون عن كتاب رأس المال دون قراءة نصف صفحاته تفرغ هو لترجمة الكتاب كاملا للعربية.

وعندما ظهرت «داعش» وكانت شبحا غير مرئى عكف على دراسة الظاهرة بأكملها فى كتاب عنوانه «دولة الخلافة»: التقدم إلى الماضى، وحمل النخب العلمانية بعض المسئولية وراء تنامى الافكار الجهادية على تنوعها وانتهى إلى أن الحركات اليسارية فى عالمنا العربى «منفصمة» عن الواقع، ومتعالية عليه، ولهذا لن تحقق أى مكسب انتخابى فى المستقبل المنظور. 

أفكار كثيرة طرحها فى رحلة عمل جرت عليه الكثير من المتاعب وعلى رأسها دعوته إلى تجاوز النموذج الإيرانى، والتركيز على الحالة العراقية حيث إن الحراك النضالى الشيعى فى العراق سابق على الثورة الإيرانية.

مات فالح عبدالجبار ونحن فى مصر لا نعرف الكثير عن أفكاره وعلى الاغلب لن تهتم وسائل إعلامنا بخبر موته لأنه ليس نجما سينمائيا شهيرا ولا مؤلفا من أصحاب «البيست سيلر» كما أن صحافتنا المنكوبة تغالب أوجاعها وتكتفى بالتقليب فى دفاتر همومنا التى لا تنتهى وشعارها «اللى فينا مكفينا» رغم أن مكافحة الارهاب الذى يضرب بلادنا تحتاج لنظرة فاحصة لكتب فالح عبدالجبار ومنها «فى الأحوال والأهوال: المنابع الاجتماعية والثقافية للعنف» و«التوتاليتارية» و«معالم العقلانية والخرافة فى الفكر السياسى العربى 1992 وفيها كلها وصفات للمواجهة والعلاج.