نشرت مؤسسة «Institute for Security Studies» مقالا للباحثين Peter Fabricius and Liesl LouwــVaudran يتناول تدخل فرنسا العسكرى فى تشاد بحجة مكافحة الإرهاب وهل هذا يعد تراجعا عن سياستها فى عدم التدخل فى الشئون الإفريقية الداخلية.
لطالما أصرت الحكومات الفرنسية على مدى عقود، على أن السياسة المشينة بالتدخل عسكريا لدعم القادة الأفارقة غير الديمقراطيين فى مواجهة شعوبهم هى شىء من الماضى. لقد كان الرئيس الحالى «إيمانويل ماكرون» يؤكد بشكل كبير على أن الأمور قد تغيرت. ولسنوات طويلة، كان هناك أدلة كثيرة على تعاون أكبر مع الدول الإفريقية من خلال مبادرات مثل .G5ــSahel
لكن فى الأسبوع الأول من فبراير الجارى، قامت مقاتلات فرنسية بمهاجمة قافلة من الشاحنات التى كانت تقل متمردين فى شمال شرق تشاد. وكانت المهمة هى وقف المتمردين فى العاصمة نجامينا الراغبون فى الإطاحة بالرئيس إدريس ديبى. وقد بدا هذا غير منسجم ومتناقض مع سياسة فرنسا فى أفريقيا والمتمثلة فى الحد من التدخل فى السياسة الداخلية دون وجود مشاورات واسعة. ودمر فى هذا الهجوم ما يقرب من 20 شاحنة وقتل العديد من المتمردين وتمكن الجيش التشادى من أسر ما يقرب من 250 مقاتلا من جماعة المتمردين التابعة لاتحاد قوى المقاومة.
***
والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هو لماذا أقدمت فرنسا على هذه الخطوة والتى تمثل تراجعا عن سياستها؟ لقد كان ذلك تناقضا واضحا مع نية فرنسا فى عدم الانخراط فى الصراعات الأفريقية الداخلية، إلا إذا كان ذلك يعزز الحرب ضد الإرهاب، والتى سوف تشارك فيها بقوة. حيث كانت آخر مرة تدخلت فيها فرنسا عسكريا جاءت للحيلولة دون سقوط أحد حلفائها الأفريقيين بسبب تهديد داخليــ ليس مرتبطا بالإرهاب فى حد ذاتهــ كانت أيضا فى تشاد فى عام 2008. حيث استخدمت فرنسا سلاحها الجوى لمهاجمة المتمردين الذين يتقدمون على العاصمة من معقلهم فى دارفور.
وفى عام 2011، لعبت القوات الفرنسية دورا نشطاــ بدعم من قوات الأمم المتحدة ــ فى مساعدة الحسن واتارا على هزيمة لوران غباغبو فى الحرب الأهلية التى اندلعت فى كوت ديفوار. وكانت تلك حملة مختلفة نوعا ما منذ أن أشعلت الحرب برفض غباغبو قبول هزيمته فى انتخابات ديسمبر 2010.
وفى عام 2013، تدخلت فرنسا عسكريا فى مالى، لكن هذا كان تدخلا متميزا حيث أنه أنقذ البلاد بوضوح من التعرض للقوات الجهادية والانفصالية. لذا كانت البلدان الأفريقية من بين أولئك الذين أشادوا بالتدخل الفرنسى.
وعلى الرغم من التناقضات الواضحة فى سياستها والتى ظهرت فى تشاد هذا الشهر، بدت حكومة ماكرون غير مكترثة بتلك التناقضات. وصرحت قائلة أن لديها اتفاقية دفاعية مع تشاد وأن ديبى هو الذى طلب منها ذلك التدخل لإنقاذه من الإطاحة الوشيكة به.
إلا أن الأدلة على أن انقلابا حقيقيا كان فى طور التكوين لم تكن واضحة بالشكل الكافى، حيث أن المتمردين كانوا لا يزالون فى شمال تشاد، بالقرب من الحدود الليبية التى كانوا يستخدمونها كقاعدة. ويشير المعلقون إلى أن المتمردين تم طردهم من ليبيا حيث يطاردهم الجنرال حفتر فى جنوب البلاد.
ويشير جيل يابى، مؤسس مركز WATHI البحثى، إلى أن فرنسا كانت موجودة عسكريا فى تشاد لعقود طويلة ولعبت دورا فى قدوم ديبى إلى السلطة بعد حسين حبرى، «ولم تتغير سياستها كثيرا منذ ذلك الحين» .ويضيف أن تشاد تظل مهمة بشكل استراتيجى بالنسبة لفرنسا لمراقبة مناطق الساحل والصحراء، وقد ساعد نظام ديبى العسكرى فى التدخلات الفرنسية فى مالى وأماكن أخرى.
***
وصرح زير الخارجية جان إيف لودريان، مشيرا إلى أن التدخل لم يكن فى ظل عملية برخان الفرنسية، مع وجود 4000 جندى فى تشاد. والتى تم تصميمها بشكل صريح لمحاربة الإرهاب فى منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد. ويضيف بعض المحللون أن فرنسا لديها اتفاقيات دفاعية مع العديد من الدول الأفريقية التى توفر أساسا قانونيا للتدخل العسكرى. ولكن ما جعل هذه الضربات الجوية فريدة من نوعها هو أن فرنسا استخدمت معدات «عملية بارخان» لخدمة طلب محلى يتعلق باتفاق ثنائى مع تشاد.
ويضيف الباحث فى معهد الدراسات الأمنية محمد دياتا أنه فى العام نفسه تدخلت فى مالى، ورفضت فرنسا تطبيق اتفاقها الدفاعى مع جمهورية أفريقيا الوسطى لمنع إسقاط الرئيس السابق فرانسوا بوزيزى، مما يوحى بأن فرنسا تستخدم وتطبق اتفاقاتها الدفاعية بشكل انتقائى.
كما علق المحللون الفرنسيون على ذلك. حيث أنه بعد الهجوم مباشرة، عندما لم يتضح بعد مَن كان الهدف، انتقدوا، حكومة ماكرون بسبب قيامها بالتصرف خارج ولاية عملية بارخان.
***
«من اللافت للنظر أن التدخل الفرنسى فى تشاد لم يثر الكثير من ردود الفعل فى قمة الاتحاد الأفريقى الأخيرة فى أديس أبابا، والتى جرت بعد بضعة أيام من الهجوم الفرنسى. قد يكون التفسير هو أن ديبى، الذى كان فى القمة، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى موسى فقى محمد، وزير خارجية تشاد السابق، كلاهما لاعبان قويان ومؤثران فى الاتحاد الأفريقى.
وحاول البعض تبرير الهجوم بأنه جاء بطريقة غير مباشرة، حيث أنه كان جزءا من مساهمة فرنسا فى مكافحة الإرهاب. وهذا لأن ديبى حليف حيوى فى تلك المعركة ــ أى معركة الحرب على الإرهابــ، ولذا فإن الإطاحة به كانت ستضعف الحملة..
لكن هذه الحجة تفترض أن قبضة ديبى على السلطة كانت مهددة فعلا من قبل المتمردين، وهو أمر غير واضح ولم يثبت بعد.. ولكن بالنظر إلى ذلك، يبدو هذا بمثابة تراجع إلى حقبة سابقة فى تاريخ فرنساــ ألا وهى سياسة فرنسا للتدخل المفتوح فى أفريقيا.
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسي
النص الأصلي