يعانى الحزب الديمقراطى أزمة غير مسبوقة تعيق بروز أى قيادات سياسية جديدة أو قديمة تسهم فى توحيد الحزب استعدادا للمعارك القادمة والتى يبدو أن الديمقراطيين غير مؤهلين بعد لتحقيق الانتصار فيها، ويبدو أن السبب هو «هيلارى كلينتون».
فبعد هزيمتها الكبيرة فى انتخابات الرئاسية الأخيرة ضد دونالد ترامب، والتى صاحبها هزيمة حزبها فى انتخابات مجلسى الكونجرس النواب والشيوخ، لم تخرج كلينتون بخطاب أو بيان واضح يؤكد أنها لن تخوض انتخابات مستقبلية، وأعتقد أن ذلك يمكن أن يبرر حالة التخبط والفوضى التى يعانيها حزبها الديمقراطى. وخلال لقاءاتها العلنية القليلة التى تحدثت فيها كلينتون منذ هزيمتها فى نوفمبر الماضى، لم تصرح المرشحة الرئاسية السابقة ولم تؤكد بصورة لا تحتمل الشك أنها لن تسعى للترشح مرة أخرى لمنصب الرئيس. وعلى الرغم من أن سلوك وسياسات وأفعال دونالد ترامب توفر مادة خصبة للهجوم عليه والسخرية منه ومن أتباعه من الجمهوريين، إلا أن ذلك كله لا يوفر بديلا مقبولا لأغلبية الأمريكيين ممن سأموا تقليدية وجمود العملية السياسية. يظهر ذلك جليا فى فوز الحزب الجمهورى بكل الانتخابات التكميلية والخاصة التى شهدها الكونجرس منذ وصول ترامب للبيت الأبيض.
هيلارى كلينتون أمرأه سياسية قوية ومن طراز فريد، إلا أنه وبعد هزيمتها فى الانتخابات الرئاسية مرتين، الأولى تمهيدية داخل الحزب الديمقراطى أمام المرشح باراك أوباما عام 2008، والثانية العام الماضى أمام دونالد ترامب، عليها أن تمتلك الشجاعة لتعتزل العمل السياسى الرسمى. نعم تأخرت أمريكا عن الكثير من دول العالم فى إيصال امرأة لأهم منصب سياسى فى منظومة حكمها، وسبقتها عشرات الدول حيث قادت نساء دولهن فى مختلف قارات العالم، من مارجريت تاتشر فى بريطانيا، إلى أنديرا غاندى فى الهند، ومن بناظير بوتو فى باكستان إلى أنجيلا ميركل فى ألمانيا وعشرات غيرهن، إلا أن ذلك لا يجب أن يترك الحزب الديمقراطى رهينة لسيدة اسمها كلينتون. عندما انتصر أوباما على كلينتون، استطاع الوصول للبيت الأبيض متمردا على المؤسسة الديمقراطية، ونجح فى ازاحة إرث أحد أنجح رؤساء أمريكا المعاصرين والمتمثل فى زوجها بيل كلينتون، وحجم أوباما دور النخبة الحزبية فى اختيار مرشح الحزب. ثم عاد ترامب القادم من خارج عالم السياسة كى يظهر وكأنه مرشح التغيير، وأصبحت كلينتون مرشحة الجمود.
***
فاز الجمهوريون بانتخابات مجلس النواب لدائرة فى ولاية جورجيا فى شهر يونيو الماضى حين تخطت المرشحة كارين هاندل منافسها الديمقراطى جون أوسوف الذى كان وحزبه يأملون فى تسديد ضربة لرئاسة دونالد ترامب. وقبل ذلك فاز حزب ترامب أيضا فى انتخابات مماثلة جرت فى ولاية كارولاينا، وقبلها فى انتخابات جرت ولايتى تكساس ومونتانا، وجرت تلك الانتخابات الخاصة لملء دوائر انتخابية انضم ممثلوها لإدارة ترامب فى مناصب تنفيذية. وخسر الديموقراطيون انتخابات سابقة فى دوائر يسيطر عليها الجمهوريون فى ولايتى كنساس ومونتانا. وجاءت انتصارات الجمهوريين على العكس ما توقعته استطلاعات الرأى، ويعتبر ذلك مؤشرا واضحا إلى أن نسبة الغضب وعدم الرضاء عن سياسات ترامب ليست بالحجم الذى كان تصوره وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية، ولا بالمقدار الذى يتوقعه البعض نتيجة تحقيقات التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
تحدثت مؤخرا مع خبير فى الانتخابات الأمريكية الذى اتفقت معه على أن ترامب سيُعاد انتخابه إذا لم يتم ازاحته من البيت الابيض قبل نهاية العام القادم نتيجة التحقيقات الجارية.
وتوجه نتائج الانتخابات السابقة رسائل سلبية للحزب الديمقراطى الذى يعول على فضائح الرئيس ترامب بدلا من الانشغال فى البحث عن قيادات جديدة غير تقليدية بعيدا عن شبح هيلارى كلينتون. وتعكس نتائج هذه الانتخابات استفتاء شعبيا إيجابيا على سجل دونالد ترامب حتى الآن، وتعكس كذلك اتفاقا ورضاء القاعدة الشعبية لدونالد ترامب مع أجندته لاستبدال نظام الرعاية الصحة الذى تبناه الرئيس أوباما، وإصلاح نظام الضرائب الذى عفا عليه الزمن، سياساته الفاشية ضد المهاجرين واللاجئين والمسلمين، وتركيزه على الاستثمار فى البنى التحتية المتهالكة. ومن الواضح أن الديموقراطيين لم يتعلموا من درس الخسارة الكبيرة فى انتخابات الرئاسة والكونجرس الأخيرة، وعليهم الانتباه لذلك ومصارحة أنفسهم بوجود أزمة هيكلية كبيرة داخل الحزب وذلك قبل مواجهات المعركة الكبيرة القادمة للسيطرة على الكونجرس فى انتخابات الكونجرس الهامة فى نوفمبر 2018.
بدأت كلينتون الاهتمام بالمجال العام والتعبير عن رغبتها فى العمل السياسى منذ دراستها بكلية ويلزلى حيث شاركت بفاعلية شديدة فى إدارة الكلية وتخرجت مع مرتبة الشرف. وفى كلمة ألقتها هيلارى أثناء حفل تخرجها فى الكلية قالت إن «التحدى الآن هو ممارسة السياسة كفن تحويل ما يبدو مستحيلا إلى ممكن». واليوم تبلغ هيلارى كلينتون السبعين من العمر، أما غريمها الديمقراطى خلال الانتخابات الأخيرة السيناتور بيرنى ساندرز فيبلغ الخامسة والسبعين، وإذا لم يسرع الحزب الديمقراطى بضخ دماء شابة على رأس قمته السياسية، فقد نشهد بقاء الرئيس ترامب فى الحكم لفترة ثانية إذا ما لم يتم الإطاحة به بسبب قضية التدخل الروسى فى الانتخابات!.
***
لم تكترث كلينتون بالقاعدة الديمقراطية الشابة داخل حزبها التى فضلت المرشح ساندرز عليها وعلى ما تمثله. ولم تستطع كلينتون أن تجذب إليها ملايين الشباب ممن توقعوا أن تختار كلينتون ساندرز نائبا لها من أجل توحيد الحزب ضد دونالد ترامب، وفضلت بكل أنانية أن تختار نائبا لها لا يتذكر أحد اسمه.
نعم تبدد حلم هيلارى كلينتون بالرئاسة مرتين، وعلى الرغم من تشوق ملايين النساء حول العالم لوصول امرأه للمكتب البيضاوى وحكم الولايات المتحدة، وقيادة قواتها المسلحة كقائدة عليا لأقوى جيوش الأرض، إلا أن شخصنة الحلم، والتفكير الزائد فى الذات وكأنها مبعوث إلهى لا يضرها فقط، بل يضر ملايين النساء من حولها ومن بعدها.