التاريخ السياسى لإسرائيل.. خطة دالت والتطهير العرقى - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التاريخ السياسى لإسرائيل.. خطة دالت والتطهير العرقى

نشر فى : السبت 27 يوليه 2024 - 6:40 م | آخر تحديث : السبت 27 يوليه 2024 - 6:40 م

فور اعتماد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة للتقسيم (١٨١) فى ٢٩ نوفمبر عام ١٩٤٧، بدأت مرحلة جديدة فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، كان بداية العد التنازلى لإنشاء دولة إسرائيل وسط اعتراف أممى كلل جهود الحركة الصهيونية على مدار أكثر من نصف قرن من الزمان! وفى حين دبت الاحتفالات فى المجتمعات اليهودية فى فلسطين التاريخية احتفاء بهذا القرار، استقبلت المجتمعات العربية قرار التقسيم بحزن شديد، فالمعنى كان واضحا بالنسبة للعرب فى فلسطين وهو أن هناك حقيقة جديدة عليهم التعامل معها، دولة يهودية معترف بها دوليا على أراضيهم التاريخية! لذا، وفى اليوم الثانى لاعتماد القرار، اندلعت أحداث عنف بين العرب واليهود أدت فى العام التالى إلى حرب كاملة بين الجيوش العربية ونظيرتها الصهيونية انتهت بانتصار الأخيرة.


الحقيقة أن التوترات بدأت حتى قبل إصدار قرار الجمعية العامة وتحديدا فى ١١ نوفمبر من هذا العام عندما علمت قوات الشرطة الفلسطينية (وهو الاسم الرسمى لقوات الانتداب البريطانى فى فلسطين) بتدريبات سرية تقوم بها منظمة شتيرن الصهيونية لعدد من الشباب الصغير فى داخل إحدى بنايات قرية رعنانا، فقررت القوات البريطانية مهاجمة المبنى وانتهت العملية بقتل خمسة من اليهود منهم أربعة بين ١٥ و١٨ عاما ومدربهم الذى كان يبلغ من العمر ١٩ عاما! تضاربت الروايات حول طريقة القتل وظروفه، فوفقا للمنظمة الإرهابية تم تصفية اليهود دون تبادل لإطلاق النار مع القوات البريطانية، ووفقا لرواية الأخيرة فإن العملية تمت بعد تبادل لإطلاق النيران، ظلت القضية محل جدل بين بريطانيا وإسرائيل لحين نشرت الأولى نتائج التحقيقات النهائية فى عام ٢٠٢١ دون توضيح نهائى لحقيقة الأمر! لكن فى كل الأحوال فإن المنظمة الإرهابية المنشقة عن منظمة أرجون فى عام ١٩٤٠ والتى اعترف قادتها صراحة بقتل العرب والبريطانيين وقتل أى شخص يقف أمام طريق ما أسموه «تحرير إسرائيل»، قامت فى الأيام الثلاث التالية بقتل عدد من القوات البريطانية، ففى الفترة بين ١٢ و١٥ نوفمبر قتلت إجمالا ثلاثة جنود بريطانيين وجرحت نحو ٣٠ آخرين هاجمتهم فى القدس وحيفا!
لكن لم تقف شتيرن الإرهابية عند هذا الحد، فبشكل منفرد قامت بعمل تحقيق داخلى لمعرفة كيف عرفت القوات البريطانية بمكان تواجد التدريب يوم ١١ نوفمبر زاعمة أن نتائج التحقيق أدانت عائلة الشوبكى العربية التى كانت تسكن بالقرب من مقر التدريب فى رعنانا لتقوم المنظمة بقتل خمسة من أفراد هذه العائلة بدم بارد وبشكل عشوائى بل وقامت بعد هذه المذبحة بإصدار بيان تحذيرى لأى عربى سيقوم بالتعاون مع القوات البريطانية مستقبلا، مضيفة أنها ما زالت تستهدف قتل المزيد من أفراد عائلة الشوبكى المتورطين فى الإبلاغ عن أنشطة شتيرن!.
ردا على هذه المذبحة الصهيونية اندلعت أعمال العنف يوم الـ٣٠ من نوفمبر حيث قامت المجتمعات العربية بالرد على مذابح الصهاينة بمهاجمة وقتل عدد من اليهود بعد أن أوقعوا حافلاتهم فى كمائن مسلحة، فقامت منظمات أرجون وشتيرن وغيرهما بزرع عبوات ناسفة وسط مقاهى ومتاجر وحافلات العرب، وسط تخاذل بريطانى وعزم على عدم التدخل لمنع أى من هذه الاشتباكات، رغم مسئولية بريطانيا القانونية بحكم سلطة الانتداب!.
• • •
فى الشهور التالية (من ديسمبر ١٩٤٧ وحتى إبريل ١٩٤٨) كثف العرب بقيادة الشيخ، أمين الحسينى، الهجمات على المجتمعات اليهودية ورغم أن الأخيرين واصلوا هجماتهم المضادة، لكن كان هناك تفوق واضح للهجمات العربية سواء من حيث تكتيكات الحرب أو من حيث أعداد القتلى والمصابين فى الجانبين، وهنا قررت جولدا مائير ــ والتى كانت إحدى زعيمات حزب ماباى العمالى الصهيونى ــ فتح الباب للتبرعات الخارجية وخاصة فى الولايات المتحدة حيث عاشت وانضمت إلى الحركة الصهيونية فيها، وكذلك قامت المنظمة اليهودية بالأمر نفسه مما مكن الجماعات المسلحة اليهودية من رصد ميزانية وصلت إلى ٢٨ مليون دولار لشراء الأسلحة، فيما كانت ميزانية الجيش العربى لم تتخطَ ٢ وربع مليون دولار!.

حصلت المنظمة اليهودية والهاجاناه وغيرهما من الجماعات الصهيونية على الأسلحة من بعض الدول التى دخلت الحرب العالمية الثانية! كان شهر إبريل من عام ١٩٤٨ حاسما فى قلب الطاولة على العرب، حيث تم اعتماد خطة «دالت» العسكرية والتى جاءت كآخر مرحلة من مراحل إعلان الدولة العبرية! سبق هذه الخطة ثلاث خطط أخرى تم تطبيقها فى الفترة بين فبراير ١٩٤٥ ومارس ١٩٤٨ وهى خطط من أجل وضع حدود جديدة للدولة المنتظرة بالسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضى فى فلسطين التاريخية، فيما كانت خطة «دالت» هى الأخيرة فى هذا السياق وملخصها يتمثل فى السيطرة على أراض خارج نطاق تلك التى نص عليها قرار الجمعية العامة للتقسيم!.
تم رسم الخطوط العامة لخطة دالت بواسطة بن جوريون الذى كان فى هذا الوقت رئيس المنظمة اليهودية، ولكن تم ترك التنفيذ لعصابات الهاجاناه والتى كانت قد تحولت بحلول عام ١٩٤٨ إلى جيش شبه منظم وليس مجرد جماعات مسلحة كما كانت مسبقا! اشتملت الخطة على أربعة عناصر: الأول إعادة تنظيم الهاجاناه على غرار الجيوش المحترفة، الثانى تمثل فى جعل الخدمة العسكرية إجبارية لكل الرجال والنساء اليهود، والثالث تمثل فى جلب الأسلحة التى خلفتها الحرب العالمية الثانية وتحديدا بالتعاون مع تشيكوسلوفاكيا من خلال خطة «بالاك» لتهريب تلك الأسلحة إلى فلسطين، والعنصر الرابع والأخير هو أن يتم ضم أكبر مساحة ممكنة من الأراضى المخصصة للعرب وفقا لخطة التقسيم الأممية قبل انتهاء الانتداب البريطانى والتى أعلنته الأخيرة ليكون يوم ١٤ مايو ١٩٤٨!
• • •
رغم أن بعض المؤرخين الإسرائيليين وخاصة من ذوى العلاقات مع الدوائر الأكاديمية الغربية يحاولون دائما تصوير خطة «دالت» على أنها مجرد خطة دفاعية لحماية اليهود من العرب، إلا أن الحقيقة على خلاف ذلك تماما، فالخطة هجومية بشكل لا لبس فيه، وتهدف بوضوح ليس فقط إلى إنشاء دولة إسرائيل، ولكن تهدف أيضا إلى تهجير العرب من أراضيهم لخلق أكبر مساحة ممكنة من الأرض لهذه الدولة خاصة وأن المنظمة اليهودية كانت تدرك جيدا أنه فور إعلان الدولة فسيكون هناك رد فعل قوى للدول العربية وهو ما حدث بالضبط!.
كان من أوائل الهجمات التى تمت وفقا لخطة دالت هى مذبحة دير ياسين التى راح ضحيتها العشرات من الأطفال والنساء والرجال العرب المسالمين وكانت بداية النكبة العربية! وفى كتابه «التطهير العرقى لفلسطين» الصادر عام ٢٠٠٦ لدار النشر البريطانية «وان وورلد» يحلل المؤرخ والأكاديمى الإسرائيلى، إيلان بابيه، كيف أنه ورغم أن قرية دير ياسين قد وقعت معاهدة بعدم العدوان مع المنظمة اليهودية، إلا أن الأخيرة قامت بذبح أبناء القرية لأن ذلك كان ضمن خطة دالت التى هدفت بوضوح إلى التطهير العرقى!.
وفى ورقته البحثية المعنونة «خطة دالت: الخطة الرئيسية لاحتلال فلسطين» والمنشورة فى دورية الدراسات الفلسطينية التى تصدر عن دار نشر «تايلور اند فرانسيس» عام ١٩٨٨ يحلل المؤرخ، وليد الخالدى، هذه الخطة ضمن خطط أخرى تثبت أن المنظمة اليهودية هدفت بشكل متعمد إلى التطهير العرقى بحق الشعب الفلسطينى، وأن مذابح مثل دير ياسين لم تكن مذابح منفردة، ولكنها جزء من خطة متكاملة الأركان للقضاء على الشعب الفلسطينى سواء بالتهجير القسرى أو بالقتل!.
الحقيقة أنه بين إبريل ومايو من عام ١٩٤٨ تم تنفيذ ١٣ عملية قتل وتهجير ضد الفلسطينيين والفلسطينيات، نجحت على الأقل ٨ عمليات منهم حتى تم الإعلان عن دولة إسرائيل يوم ١٤ مايو من ذلك العام!.

أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر