هل «عودة الحديث عن القضية الفلسطينية» إنجاز كافٍ؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
الجمعة 20 ديسمبر 2024 7:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل «عودة الحديث عن القضية الفلسطينية» إنجاز كافٍ؟

نشر فى : الأربعاء 27 نوفمبر 2024 - 8:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 27 نوفمبر 2024 - 8:00 م

نشر موقع درج مقالا للكاتب السورى فراس دالاتى، يقول فيه إن قادة المقاومة خفضوا من أهداف ومكاسب عملية طوفان الأقصى ــ كلما اشتدت الوحشية الإسرائيلية ــ لتتوقف إنجازاتها عند عودة الحديث عن القضية الفلسطينية وحضورها على الساحة الدولية (وفقا لتصريح المستشار الإعلامى لحركة حماس طاهر النونو فى مقابلة مع موقع مصر تايمز)، ومع ذلك، ذكر الكاتب أن الاهتمام العالمى بالقضية لم يصل لمستويات وصلت لها أحداث سابقة فى القرن العشرين (المجاعة الإثيوبية 1984، الغزو الأمريكى للعراق 2003). اختتم الكاتب مقاله بسؤاله أنه ما الثمن الذى جنيناه من كثرة الحديث، إذا كان الفعل يقتصر على جرافات الجيش الإسرائيلى التى تغير الخرائط؟!... نعرض من المقال ما يلى:

 


بات من الملحوظ لدى قادة محور الممانعة وجماهيره بقديمهم وجديدهم، التغيير التدريجى لأهداف الحرب الجارية فى قطاع غزة وجبهة جنوب لبنان، كلما استعرت نار الإبادة الإسرائيلية، فالهزيمة لم تأت أبدا ولن تأتى، بل حدث هناك «بعض الأخطاء والتقديرات»، ووقع «بعض الخسائر التكتيكية» كما وصف رئيس حركة حماس فى الخارج خالد مشعل، خسارة ما يزيد على أربعين ألف روح وربع مليون منزل وسقوط خمس مدن.
غاب اليوم، ومنذ أشهر بالفعل، وبشكل شبه كلى، الحديث عن الأهداف الأولية التى انطلقت لأجلها شرارة الحرب، من وقف للاستيطان وانتهاك المقدّسات الدينية إلى تبييض السجون ورفع الحصار عن قطاع غزة، الذى كان لـ17 عاما أكبر سجن مفتوح فى العالم، قبل أن يصير ركاما، ووقف قطار التطبيع؛ الذى يبدو أنه ما زال قريبا من المحطة السعودية وما بعدها، وأوشك على الوصول إليها قبل 7 أكتوبر، وحلّ محل تلك الأهداف مجموعة أخرى من الأهداف، وهى أقرب إلى تعويذات يكررها مرددوها بشكل ثابت من دون أدنى تغيير، عن إظهار وحشية العدو الإسرائيلى على حقيقتها، والكثير من الحديث عن السرديات و«إعادة القضية الفلسطينية إلى الاهتمام الدولى».
أحدث الأمثلة على ذلك، ما قاله المستشار الإعلامى لحركة حماس طاهر النونو فى مقابلة مع موقع «مصر تايمز»، حول المكاسب الدولية والإقليمية الكبيرة التى جلبتها المعركة لصالح القضية الفلسطينية (أعادت حضور القضية وعودتها قضية عالمية، وأعلى سلم أولويات المنطقة والعالم كقضية سياسية تحدد معالم أمن المنطقة ولا مجال لتجاوزها وذلك بعد أن كانت طى النسيان والإهمال المتعمد، وتحويلها إلى قضية إنسانية لا غير، لشعب يمكن إسكاته بالمساعدات، وليس شعبا يبحث عن حقوقه فى أرضه ووطنه). إلى جانب تكرار اللواء الأردنى فايز الدويرى، وهو أحد أبرز وجوه المقاومة الإعلامية خلال الحرب (إعادة طوفان الأقصى القضية الفلسطينية إلى وجدان كل إنسان) ووضعها أعلى سلم الأولويات السياسية الدولية، فى حلقة «الاتجاه المعاكس» منذ أيام.
الواقع أن شرارة الاهتمام الدولى، التى من المفترض لدى تلك الأطراف المتحدثة بها، المقصود بها الغربى على وجه الخصوص، حفزتها وحشية آلة القتل الإسرائيلية التى لم تعد قابلةً للتفهّم، بعدما كان هناك إدانة شبه كاملة للعملية فى أيامها الأولى، فيما لم تتغير المواقف العربية كثيرا عما كانت عليه قبل الحرب شعبيا، فى حين زاد بعضها انكفاء وانعزالية رسميين، حتى على الصعيد الإعلامى كما فى حالتى سوريا والعراق.
إن الآمال المعقودة على «إعادة الاهتمام» وحديث العالم، كثير الحديث بطبعه، عن القضية الفلسطينية، برغم حُسن نية من يعتقد بها ويرددها، وتأزم موقف من يستثمر فيها لتغطية فشل سياسى أو لتثبيت خطاب إعلامى، قد تُصدم بحقيقة أن أيا مما يحدث اليوم على الصُعُد الإقليمية والعالمية والسياسية والافتراضية، ليس جديدا على ما عرفه العالم فى سنواته الأخيرة.
والحال أن الاهتمام الإعلامى وردّة الفعل العالمية التى ترافقه، على ضخامتهما منذ السابع من أكتوبر 2023، لم يصلا حتى إلى المستويات التى وصلا إليها فى أحداث سابقة من القرن العشرين والذى تلاه، ولم تحققا من ذاك الاهتمام ما هو مرجوّ اليوم. فمع بث هيئة الإذاعة العامة البريطانية (بى بى سى) تقريرها الذى صدم العالم فى أكتوبر 1984 عن المجاعة فى إثيوبيا، تحوّلت مُقل عيون العالم أجمع إلى الدولة الإفريقية المكلومة. اندلعت موجة عارمة من التعاطف العالمى، كان أبرز محطاتها تنظيم حفل «Live Aid» الشهير الذى أحيته فرقة الروك (كوين) وجمع 127 مليون دولار لمساعدة الضحايا (لم تتجاوز تبرعات مغنى الراب الأمريكى ماكليمور لغزة خلال الحرب الجارية المليون دولار، على سبيل المثال) كما سارعت الحكومات بإرسال المساعدات، وخصصت الولايات المتحدة وحدها 500 مليون دولار لدعم برامج الإغاثة. لكن تغييرا جذريا لم يقدر على تجاوز عتبات الفساد والاقتتال الداخليين، والأطفال الذين أنقذتهم أموال الحفل، لم ينجُ أطفالهم من مجاعة أخرى ضربت البلاد فى العقود التالية.
• • •
لا يختلف الحال كثيرا على صعيد المشهد السياسى العالمى، ففى مطلع العام 2003، وبينما كان الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الابن يضع اللمسات الأخيرة على طبخته الشرق أوسطية، كانت الحناجز تصدح بـ (أوقفوا الحرب)، فى شوارع أكثر من 600 مدينة حول العالم رفضًا للغزو الأمريكى للعراق، معتبرين أن الحرب ستجلب الدمار للشعب العراقى ولن تحقق مكسبًا للولايات المتحدة وحلفائها، الموقف الذى انعكس فى مجلس الأمن نفسه الذى شهد جلسات تاريخية، أبرزها تلك التى ألقى فيها وزير الخارجية الأمريكى آنذاك، كولين باول، خطابه الشهير عن أسلحة الدمار الشامل، والذى تجلى فيه الانقسام بالموقفين الفرنسى والألمانى الرافضين للحرب، وتصريح الأمين العام حينها كوفى آنان الذى اعتبر الغزو خارجًا عن إطار ميثاق الأمم المتحدة.
• • •
شىء لم يتغير، ولم تتسبب حرب العراق بانهيار المنظومة الدولية برغم أنها فرضت نفسها على سلّم أولويات الجلسات، كما تفعل قضية فلسطين اليوم، الصحيح أن الولايات المتحدة وبريطانيا شنتا الحرب من دون تفويض أممى، وسقط مئات الآلاف من الشعب العراقى، وتدمّرت بنية العراق كدولة، وتغيّرت معالم المنطقة بالفعل، لكن ما الثمن الذى جنيناه من كثرة الحديث والاهتمام؟!
فيما يتعلق بمحكمة العدل الدولية والتجاهل الدورى لقراراتها، فإنها شهدت أحكاما أكثر قسوة وحدَة من حثّها إسرائيل فى مارس الفائت، على الالتزام بمعاهدة منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، لاعتقادها بوجود أدلة على ذلك. ارتسمت صورة قاتمة فى مسألة دارفور، التى كانت مسرحًا لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية عام 2003، حيث قُتل أكثر من 300 ألف شخص، وشُرد الملايين. بينما أصدر مجلس الأمن قرارات نهائية عدة، منها القرار 1706 الذى دعا إلى نشر قوات حفظ السلام، وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السودانى عمر البشير بتهم الإبادة الجماعية التى ثبتت عليه، لم يُحاسب أحد أيضا. قوات حفظ السلام غادرت دارفور عام 2020 وسقط عمر البشير، لكن ساعده الذى اعتمد عليه فى إبادة عام 2003، اشتد عوده وعاد ليرتكبها اليوم بنفسه على رأس قوات الدعم السريع فى حرب باتت منسية.
ولعل المثال الأكثر مأساة هو القضية السورية، التى وُصفت، حتى وقت قريب، بـ «الحرب الأكثر توثيقًا فى التاريخ الحديث»، والتى عُقدت لأجلها القمم الطارئة وجلسات مجلس الأمن والمؤتمرات الدولية، وأرسلت إليها بعثات الإغاثة والتحقيق، وها هى اليوم ملف منسى قد يتذيل نشرة الأخبار إن اتّسعت. والواقع أن القضية الفلسطينية نفسها لم تغب يومًا عن أى من الساحتين السياسية أو الاجتماعية، حتى قبل هذه الحرب، فذهبت إسرائيل إلى المحكمة الدولية عام 2022، وعقد مجلس الأمن جلساته لأجلها بشكل شبه دورى، وقلب التضامن العالمى مع هبّة الشيخ جراح 2021 موازين منصات التواصل وضغط على مُلّاكها.
• • •
نحن بالفعل أمام الكثير من الحديث، فيما يقتصر الفعل اليوم على جرافات الجيش الإسرائيلى التى تغيّر الخرائط، ومقاتلاته التى تغطيها من أعلى. وبعد أكثر من 420 يوما من حرب الإبادة، ترى كبرى الفصائل الفلسطينية، حماس وفتح، تجتمعان فى القاهرة لبحث تقاسم الكعكة الغزّية فى اليوم التالى لانتهاء الحرب، بينما يغيب أى مشروع سياسى جامع يترك أملاً لترجمة صرخات اليوم الحالى ودويّها حول العالم، إلى هدف يضع الحياة الفلسطينية الكريمة أولاً، وأن لا تتلاشى مع صداها قبل أن ينتقل العالم إلى قضيته التالية.
النص الأصلى:
https://bitly.cx/Gohp

 

التعليقات