خرج على الشاشة متكبرا مغرورا كعادته.. شعر بأنه هزم البخارى وأمثاله.. وشوه سمعتهم فى حلقات كثيرة.. ولم يترك شيئا من كتب التراث إلا وأهال التراب عليها.. ولم يذكر لها حسنة.. أحس بالسعادة لأنه شوه تاريخ المسلمين كله فلم تستوقفه يوما فضيلة واحدة.
فلا قرأ يوما عن عدل عمر ولا حلم وحياء عثمان ولا علم وحكمة على.. ولا عبقرية أبى بكر السياسية.. ولا شجاعة خالد وعبقريته العسكرية.. ولا زهد ابن عمر ولا علم ابن عباس.. ولا دهاء معاوية وابن العاص السياسى.. ولا أمانة أبوعبيدة، أمين الأمة، ولا فقه معاذ ولا هزيمة ابن أبى وقاص وفتحه لأكبر إمبراطورية للفرس.. فكل هؤلاء وغيرهم من التابعين وتابعيهم ألقاهم فى سلة الزبالة والحثالة.
تنهد على الشاشة واستعد لبداية حلقة جديدة.. لم ير فى أى جيل من أجيال الإسلام خيرا وبرا يستحق التوقف عنده.. لكن البخارى بالذات يقف حجر عثرة فى طريق مجده.. آه.. لو هدمته لاقتربت من هدم الرسول.. حدث نفسه بهذه الأمنية الغالية.
نظر فى الاستوديو قبل انطلاق الهواء ففجع حيث رأى البخارى ماثلا أمامه بهيئته وهيبته يسخر منه ومن عقله الأرعن وقلبه الأسود.. قائلا له: إذا كنت أنت لا تعرف اسمى بالكامل.. فكيف تهاجمنى ليل نهار؟
أشاح بوجهه عن البخارى قائلا: «أريد تحطيمك بأى طريقة».
رد البخارى بهدوء: لن تستطيع فأنت أحقر من ذلك.. وأنا أتحداك وأنا فى قبرى أن يكون هناك كتاب دين لا يحوى شيئا من أحاديثى التى خرجتها.
غضب الشاب الإعلامى: أنت يا بخارى تعد العقبة أمام تقدم بلادنا: أنت سبب تأخر الزراعة والصناعة والتجارة.. وتخلفنا عن ركب الحضارة وهزيمتنا فى 1948 و1967.. وسوف أحطمك تحطيما؟
قال له البخارى: ولكنك لم تقرأ كتابى كاملا ولا مرة واحدة؟.. ولم تعرف منهجى وأدواتى العلمية فى فحص الأحاديث؟.. ولم تدرس فى علم الحديث شيئا ولا تعرف عنه شيئا؟
قال الجهبذ الإعلامى: كل ذلك ليس مطلوبا الآن فى الإعلام.. المهم الفهلوة «وشوية شتيمة وردح» ومراجعة كتب المستشرقين وأزلامهم العرب وحبة شطة وفلفل وبهارات.. وأهم شىء أنى جمعتك يا بخارى بداعش وأخواتها فى مركب واحد.. وهذه لن تفلت منها أبدا؟
قال البخارى: لكن هذا كله تدليس.. فأين العلم فى زمانكم؟.. لقد كنت أسافر شهرا بالإبل لأتحقق صدق أو كذب راو واحد.
ألا تعلم يا مغرور أننى رويت الأحاديث التى تنهى عن التكفير.. ورويت قصة حرب على بن أبى طالب للخوارج.
ألم تقرأ فى صحيحى هتاف النبى «إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين».. وهتافه «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ».
إنك حقا أجهل من دابة.. لأنك لم تكلف نفسك أن تقرأ شيئا من أعظم أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) التى رويتها والتى تدعو للعفو والحلم والرفق والرحمة والشفقة.. فهل بعد ذلك تنسبنى لداعش؟!
أردف صاحب أسوأ طلة إعلامية: «شوف يا بخارى أنت عدوى.. وسترى الآن على الشاشة كيف سأتخلص منك».
نادى المخرج ون تو ثرى.. إلخ.. أطل الشاب على جمهوره بوجه فيه كبر فرعون قائلا: صحيح البخارى بالذات سبب كل المصائب.. وأنا أطالب الحكومة بحرق كتبه فى ميدان عام.
قهقه البخارى ساخرا منه: أنا أكبر من كل الحكومات والحكام والخلفاء والسلاطين وأنا أعظم ذكرا منهم.. أنا يا غبى مع الرسول دائما.. ولن أموت أبدا.. مادام هناك مسلم واحد يهتف لسانه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. فأنا الذى شرفت بجمع أحاديثه عليه السلام.
أنا صحيح بشر ولست ملاكا أو معصوما.. ولكنى أفضل وأقوى منك ومن كل أهل الدنيا رغم وجودى فى القبر.
لقد كنت مخلصا للرسول (صلى الله عليه وسلم) ومخلصا فى جمع أحاديثه.. حتى لو أخطأت فى حديث أو اثنين أو عشرة فهو خطأ اجتهاد وليس خطأ هوى وعناد مثل أمثالك الذين كرهوا كل ما هو إسلامى.. ولا يرون فى الإسلام كله إلا ما هو شر.. أنا مرت علىّ قرون طويلة وكنت ومازلت ملء السمع والبصر.. وكل أهل الصلاح يحبوننى ولا يهمنى حب أمثالك.
ارتبك الشاب وانكمش فى نفسه خائفا.. تذكر حديث مسئول الثقافة الذى يطمئنه دائما: نحن معك حتى نجهز على البخارى وأمثاله.
قال له المخرج: مالك يا أستاذ.. الهواء هيبوظ.. مدير القناة يسألنا ماذا حدث.. هل هددتك داعش؟!.
قال فى أسى: ياريت كان يبقى أهون.. ده البخارى طلع من قبره ومعه قلمه وكتابه وأحاديثه.