ليالٍ وموّال - يوسف الحسن - بوابة الشروق
الإثنين 31 مارس 2025 1:27 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

ليالٍ وموّال

نشر فى : الجمعة 28 مارس 2025 - 8:05 م | آخر تحديث : الجمعة 28 مارس 2025 - 8:05 م

فى ليلة العيد، يحضر المتنبى دوما، ربما منذ عقود طويلة، مُردّدين قوله:
«عيد بأية حالٍ عدت يا عيدُ .. بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديدُ»
الذى قاله فى مرحلة تصدع سياسى، واضطراب، وصراعات عاشها العرب والمسلمون.
• • •
تحضر أيضا فى ليلة العيد صور مماثلة فى هذا الزمن: صرخة طفل، بعد قصف «مُسيَّرة» فاشية منزله، وهو يدعو «يارب أمى تبقى عايشة»، وصور مئات الآلاف من عرب اليوم، تائهون فى العراء. مشاهد تراجيدية مخيفة فى أكثر من مكان، ضحايا اقتتال أهلى، أو احتلالات ووحشية، يهربون من مكان إلى آخر.
• • •
يتساءل «متنبى» آخر: هل عرفتم تلك البرودة الزمهرير فى الأيدى المتشنجات، التى تبحث عن شاهد قبر من القبور فى عتمة الليل، وفى مساءات يطير فيها السنونو على غير هدى.
وهل هاجمتكم ريح الإحباط فى لحظات انتظار ساعة الإفطار وتهيؤًا لقضاء سهرة تتدفئون فيها على جمرة (شيشة/ أركيلة)، ومسلسل تافه، وهرطقة أخلاقية تبث فحيحها فى بر الشام، وأرض السواد، وشوارع السودان، وأماكن أخرى، لا تخفى عن الأبصار؟
• • •
وتحضر ليلة القبض على عمر المختار فى 16 سبتمبر 1931، الذى قاد حركة تحرير ليبيا من الاستعمار، وهو يقول قبيل شنقه: «سوف تأتى أجيال من بعدى تقاتلكم، أما أنا فحياتى سوف تكون أطول من حياة شانقى». وكتب الجنرال الإيطالى غراتسيانى فى مذكراته: «عندما حضر المختار أمام مكتبى، تهيأ لى أننى أرى شخصية آلاف المرابطين الذين التقيتهم أثناء قيامى بالحروب الصحراوية، وخُيّل لى أنه رجل ليس كالرجال، له هيبته، رغم أنه يشعر بمرارة الأسر، ووقف أمامى، نسأله ويجيب، بصوت هادئ وواضح».
• • •
وتحضر ليلة من ليالى الرواية الملحمية التى كتبها إبراهيم نصر الله «زمن الخيول البيضاء»، وعلى لسان الفتاة «سمية»، وبصوتها القادم من بئر عتمتها وكانت تغنّى موالاً يقول:
«عمّى يا أبو الفانوس، نَوِّر لى عا العتمة، خوفى الطريق يطول يابا، ويطول معك همى».
• • •
تحضر ليلة مفجعة، هى ليلة استيلاء الفرنجة على بيت المقدس، يوم الجمعة 15 يوليو 1099، بعد حصار دام أربعين يوما. «رأى المقدسيون مقاتلين شقرا مدرّعين بخوذ، شاهرين سيوفهم، ذابحين الرجال والنساء والأطفال، ناهبين البيوت ومخربين المساجد، لم يبق مقدسى واحد داخل أسوار القدس، حمل الناس جثث ذويهم فوق ظهورهم، وكدّسوها فى قبور فى الأراضى البور، ثم يحرقونها، وهربت الطائفة اليهودية إلى «كنيس»، فقام الفرنجة بسد منافذه، وكدّسوا أكوام الحطب حوله، وأضرموا النار فيه، فاحترق الموجودون فى «الكنيس» وهم أحياء». (أمين معلوف: الحرب الصليبية كما رآها العرب، صفحة 15).
«لم يكن غزو بيت المقدس ليثير على الفور انتفاضة عند العرب والمسلمين، وكان لابد من الانتظار قرابة نصف قرن (نعم.. نصف قرن كما يقول أمين معلوف) قبل أن يتحرك الشرق العربى لمواجهة المجتاح».
• • •
تحضر ليلة من ليالى مسلسل عن سيرة البطل الشعبى الزير سالم. سيرة شعبية عاشت تارة بالرواية وأخرى بالغناء والإنشاد، ومادة أدبية إبداعية يرويها الأجداد والرواة عبر التاريخ. يحضر فى تلك الليلة حوار يعبر الماضى إلى الحاضر، بين الفارس الزير سالم وابن أخيه، حول صفقة من أجل الماء، وسلام بين المتحاربين مشروط بنزع سيوف جماعة الزير سالم والحجر على الخيول.
وفى الحوار، يقول: «إن الحرب انتهت، ونحن فى غنى عن حمل السيوف، طالما السلام قائم بيننا».
ويرد الزير سالم قائلاً: الحرب انتهت، ولكن هل انتهت مطامح الرجال؟ وهل وصلتم لحياة آمنة مطمئنة؟.. إن «سلام بلا خيول... هو ذُلُّ».
يحضر أيضا مشهد ليلة من ليالى قصة أبو زيد الهلالى، بطل التغريبة العربية القديمة فى القرن الخامس عشر الهجري، وصورة البطل الشعبي، وقوته الأسطورية التى تكمن فى العقل وليس فى الذراع (القوة) فقط.
ظلت السيرة الهلالية تُروى عبر القرون، وبقيت فى ذاكرة الكثيرين من أبناء الأمة العربية..
يحتاج الوعى فى هذا الزمن المكتنز بالفوضى إلى الحلم باعتبار أن الحلم قدرة نفسية دفاعية، لمواجهة الإحباط، ومن بين عناصر بناء الحلم استحضار هذه الملاحم الشعبية، كقصة أبو زيد الهلالى، صاحب الحق المهدور، بطل عادل يستطيع تحقيق أحلام أهله بإرساء العدل ونصرة المظلوم، وقصة الزير سالم فى السيرة الشعبية التى جسدت حرب الـ40 عاما فى الجزيرة العربية.
• • •
ومن مواويل الشاعر على عبدالله خليفة (البحرين) تحضر ليلة مكتنزة بالمحبة:
يا ليت الليالى تطاوعْنا على ما نَبى
ويكون عندى لها.. ما يْحِسِن الظن بى
يمكن يصير الفَرَح لب العمر جَانبى
يا ليت أكسب رضا، وأعْطى وَلا وَنّى
وامسحْ دموع تهلْ وافزَعْ لكلْ وَنّى
واعذرْ وأسامحْ بَشرْ ليمْن تهاوَنّى
يا ليت صَدْرى فَضَا، ويا ليت قَلْبى نبى
• • •
قال الراوى على لسان شاعر عربى متمرد:
«فُجعت زوجتى، ذات ليلة، حين رأتنى باسما، لطمت كفًّا بكف، واستجارت بالسماء والدعاء، قلت لها: لا تنزعجى، إنى بخير، لم أكن أقصد أن أبتسم، كنت أجرى لفمى بعض التمارين، احتياطا، ربما أفرح يوما.. ربما».
تتكسر الأسئلة كل ليلة، إذا ما اعترفت بضراوة الأجوبة.

مفكر عربى من الإمارات
بالتزامن مع جريدة الخليج

يوسف الحسن  مفكر عربي من الإمارات
التعليقات