نمل أبيض - يوسف الحسن - بوابة الشروق
الأربعاء 26 مارس 2025 7:31 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

نمل أبيض

نشر فى : الثلاثاء 25 مارس 2025 - 7:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 25 مارس 2025 - 7:35 م

 

مشاهد مفصلية ذات طبيعة عدمية عرفها العالم فى القرن الماضى، وأثبتت أن الكثير من الآمال البشرية هى آمال خاطئة.

يروى التاريخ أن غرق الباخرة المعجزة «تيتانيك» فى عام 1912، كشف مدى هشاشة التكنولوجيا فى ذلك الوقت، كما أظهرت الحربان العالميتان الأولى والثانية أن العلم يمكن تطبيقه لأغراض غير إنسانية وقاتلة، وأن حادثة فردية، تجسدت فى اغتيال ولى عهد النمسا فى يونيو 1914، أثناء زيارته إلى سراييفو، أدَّت، بعد شهر، إلى نشوب الحرب العالمية الأولى، التى زاد ضحاياها على عشرة ملايين شخص، وانهيار إمبراطوريات، من بينها الخلافة العثمانية. كما يروى التاريخ أن التعليم «العقلانى» والحداثة ومنتجات عصر النهضة فى الغرب الأوروبى لم تمنع تفجير القنبلة النووية الأولى، فوق هيروشيما وناجازاكى ولم تحرر الإنسانية من البربرية والاستعمار، ولم تعالج معضلات الفقر والخوف والرعب والعصاب لدى البشر، فضلًا عن العجز فى تحقيق التعايش مع الثقافات المغايرة.

فى منتصف القرن الماضى كتب جورج أورويل رسالة «نبوءية» فى روايته المسماة «1984»، وتحدث فيها عن معضلة الحداثة، ومخاطر الدولة «البوليسية» ونظم المراقبة السرية لحركة الناس، وتفكيرهم، إضافة إلى انتشار ثقافة «النفاق السياسى» وتغيير الحقائق التاريخية، واعتبار السلطة «غاية وليست وسيلة»، فضلًا عن غسل الأدمغة، والتصريحات الزائفة.. إلخ.

وفى ظل العولمة النيوليبرالية، فى القرن الحالى، انتعشت منافسات قائمة على التفوق الجيوسياسى فى النظام الدولى غير المستقر، والاستعداد للحروب، ونشر الفوضى، وتغذية الانقسام والتفكيك فى مجتمعات الدولة الوطنية، وإسقاط السيادات، وتمزيق نسيج الروابط الاجتماعية للشعوب.

وفى ظلها أيضًا تواطأ كثيرون فى «الإبادة البيئية» ومن غير المتوقع أن يعتبروا بدروس حرائق لوس أنجلوس الأخيرة، التى جعلت من «زينة» هذه المدينة رمادًا وحصيدًا «كأن لم تغن بالأمس».

الكوكب يزداد احترارًا، ويزداد الإنفاق العسكرى، ويكثر الشركاء الذين يقبضون على أزرار إشعال الحروب بأنواعها المختلفة، وعلى النمو التكنولوجى المتسارع، الذى قد يحمل فى أحشائه مخاطر الخروج عن السيطرة البشرية، مضافًا إليه انخفاض معدلات الخصوبة فى معظم دول العالم (بما فيها دول الخليج العربية) وتزايد معدلات الشيخوخة.

ملفات متشابكة فى عالم اليوم تثير القلق فى ظل اختلال موازين القوى، وشلل مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة، فضلًا عن مؤسسات النظام العربى القومى.

تتسع دائرة الإحباط حينما تنظر إلى أوروبا الأنوار والديمقراطية، وقد غابت فيها الحكمة والإرادة فى وقف الحرب الروسية - الأوكرانية، وحروب النزاعات فى الشرق الأوسط وغلبت فيها نظرية الكيل بمكيالين، واستفحلت الشعبوية، وتسيَّدت ثقافة الأمركة «الاستهلاكية»، إلى درجة أن الناس فى عالم اليوم أمسوا مقتنعين بأنهم يعيشون من أجل أن يستهلكوا.

قلق آخر تتسع دوائره فى عالم اليوم. إنه نمل أبيض يتحرك ويتكاثر بوحشية فى مؤسسات الديمقراطية الغربية وأحزابها، وفى الوعى العام لدى الأجيال الشابة، يتجسد فى صعود قيادات لا علاقة لها بالتدبير والسياسة الرشيدة لإدارة حكم قوى عظمى وأخرى كبرى، وإنما هى قادمة من قطاعات الأعمال والمال والتكنولوجيا المتقدمة، يتصدرون الحكومات والأحزاب والأعلام ويشترون أصوات الناخبين. وما عاد للحكمة والمتفرغين للعمل كرجال دولة أى دور، بعد أن أصبح الشأن العام فى إدارة الحكم يدار بطريقة «المقاولة» ما يترك مخاطر جمة على الحياة السياسية والمجتمعية، والسلطات والدولة والعلاقات الدولية.

إن التاريخ لن يرحم الجاهلين بنواميسه.

 

مفكر عربى من الإمارات

بالتزامن مع جريدة الخليج

يوسف الحسن  مفكر عربي من الإمارات
التعليقات