دائما ما نقول إن مصر لديها الكثير من الناجحين خارجها وأنها من أكثر الدول التي لديها عدد كبير من الحاصلين على الدكتوراه ويعملون بالخارج، هذا لا يعني أن النجاح هو فقط الحصول على الدكتوراه أو أن الحصول على الدكتوراه في حد ذاته يعتبر نجاحا فقد تحصل على الدكتوراه من جامعة "وقيع" في الخارج!
نقول إن الكثيرين دائما ما يقولون تلك الجملة التي بدأنا بها مقالنا وتعتمد على من يقولها وعلى الموقف التي قيلت فيه فقد تؤخذ على أنها مدح أو ذم ولكن ليس هذا موضوعنا اليوم ولكن السؤال الذي نطرحه: متى أو في أية فترة من حياتهم يبدأ هؤلاء المغتربون الناجحون في المساهمة في تقدم بلادهم الأصلية أو طنهم الأصلي؟ ولا أتكلم عن المساهمة المالية هنا ولكن المساهمة العلمية والمعرفية.
عادة تبدأ رحلة الكفاح مع حصول الطالب في مصر على منحة للدراسات العليا في الخارج بعد مراسلة هذا الطالب للجامعات في الخارج أو عن طريق بعض المؤسسات التعليمية، ثم تبدأ صعوبات الغربة والدراسة والتأقلم مع مجتمع جديد، بعد الانتهاء من الدراسة يختار البعض استكمال الحياة في الخارج فتبدأ رحلة البحث عن عمل في شركة أو جامعة، هنا تبدأ الحياة العملية لهذا المغترب وتمضي السنة تلو الأخرى ويرتقي في عمله ويتقدم وينجح، ثم يحدث شيء من ثلاثة: أن يفوز هذا الشخص بجائزة عالمية فتتلقفه الصحف عندنا وكانت لا تعرف عنه شيئا ويبدأ في زيارة مصر عدة مرات في العام ليلقي محاضرات ويلبي دعوات عديدة من برامج تليفزيونية، الاحتمال الثاني أن يشعر بوجوب مساعدة الوطن فيزور مصر ويحاول مساعدة الطلبة أو الشركات، أما الاحتمال الثالث أن تأخذه الحياه في الغربة ولا يزور الوطن إلا كل عدة سنين.. أعتقد أن السيناريوهات الثلاثة سيئة وإن اختلفت في درجات السوء فالسيناريو الثالث أسوأها.. لماذا هي سيئة؟ لأن مساعدة الوطن لا يجب أن تنتظر حتى تستقر في عملك ويبقى لديك وقت تحاول به إرضاء ضميرك بمساعدة الأهل بل يجب أن تساهم من أول يوم في الغربة حتى وأنت "في وسط المعمعة".. كيف ذلك؟
من الحظ الحسن أننا الآن في عصر الإنترنت حيث يمكنك إيصال المعلومات التي تريدها للجميع بسهولة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي أو أي موقع إلكتروني أو حتى فيديو على اليوتيوب، إذا فالوسيلة موجودة، يبقى المحتوى ويبقى إيجاد الوقت، يمكنك في البداية كتابة بوستات على "فيسبوك" مثلا تشرح صعوبات الغربة وكيف تغلبت عليها وتشرح كيف حصلت على المنحة، لكل منا تجربته مع الغربة وكل تجربة لها مذاقها ولها دروسها.
يمكنك شرح ما تتعلمه أثناء دراستك وشرح ما تتعلمه من أفضل وسائل الدراسة حيث ستظهر لك ما ينقصك من معلومات ويمكنك أيضا شرح رحلتك في تعلم البحث العلمي فيوجد الكثير من الطلبة في بلدنا يحتاجون لتلك المعلومات، إذا أعطيت نصف ساعة في الأسبوع لذلك فسيكون لك تأثراً كبيراً ومساهمة قيمة.. لكن هناك شيء مهم.
لا تعتبر من تفعله وسيلة للشهرة والظهور في الفضائيات وتجميع عدد كبير من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي ولكن اعتبره مساهمة منك لبلدك وزكاة عن علمك، والتواصل مع الطلبة في مصر سيساعدك أيضا في دراستك أو عملك، كما ذكرنا إذا حاولت شرح ما تدرسه عن طريق فيديوهات قصيرة أو مقالات قصيرة فستعرف إن كنت فعلاً استوعبت المادة العلمية فكما قال الفيزيائي العظيم ريتشارد فاينمان لن تستطيع أن تقول أنك تفهم موضوع ما حتى تشرح لشخص عادي ويفهمه، وقد يصلك سؤال من أحد متابعيك يساعدك على التعمق أكثر في المادة العلمية أو يعطيك فكرة مبتكرة، وكما تشرح تجربتك فستقرأ تجارب الآخرين وتبادل الخبرات يساعد في صقل المواهب والتعامل مع مشاكل الحياة.. فلا تنتظر حتى تجد وقتا لتبدأ المساهمة.. وكما قلنا هناك وسائل عديدة للمساهمة: إذا كنت تحسن الكتابة فإكتب مقالات وإن كنت تحسن الكلام والتعبير ففيديوهات على مواقع مثل اليوتيوب قد تكون وسيلتك، وإن كان لا هذا ولا ذاك فبوستات قصيرة على فيسبوك أو توتير أو ما شابه قد تكفي لإيصال خبرتك وتعليقات الناس والتواصل معهم سيساعدك، وطبعا عندما تزور الوطن من الممكن أن تلقي محاضرات أو تجتمع بالطلاب وجها لوجه لتكلمهم أكثر عن ما تعلمته وعن تجاربك.. فلنبدأ المساهمة الآن.