لا نستطيع أن ننكر أن السفر للخارج للدراسة أو للعمل تجربة ثرية، الدراسة في الدول المتقدمة في مجالك تساعدك على بناء قاعدة علمية قوية تكون سنداً لك في مشوارك البحثى أو العملى فيما بعد، ولكن الدراسة وحدها ليست المكسب الوحيد هناك مكاسب أخرى كثيرة وهناك ضريبة قاسية! فلنبدأ بالمكاسب.
أولاً أنت عندما تذهب إلى جامعة أجنبية في الخارج تتعامل مع أساتذة وطلاب من مختلف بلدان العالم أتوا لهذه الجامعة من أجل البحث والدراسة، التعامل مع ثقافات مختلفة تساعدك على بناء طريقة في التفكير أكثر شمولية وعمقا لأن كل ثقافة لها طريقة مختلفة في النظر إلى مشكلة ما والتفكير في حل لها، فعندما ترى طرق التفكير المختلفة هذه يتسع أفقك وتتعلم كيف تنظر إلى أي أمر بشمولية أكثر، لتجنى هذه الثمرة يجب عليك أولاً اختيار جامعة مشهورة بتعدد جنسيات من يدرسون بها ويجب عليك الانخراط معهم في مناقشات في مختلف المواضيع حتى وإن لم يكونوا في نفس فريقك البحثى أو مع نفس المشرف، وأخيرا يجب عليك أن تلاحظ طرق التفكير المختلفة وتحاول تقليدها عندما تجلس مع نفسك لتحل مشكلة ما وبذلك تكون قد تمرنت على طرق تفكير متعددة ستكون كنزاً لك في المستقبل.
ثانيا عندما تسافر للدراسة يكون تركيزك الأساسي في الدراسة والبحث العلمى وهذا يساعد على التعمق في ما تريد دراسته وهذا يختلف عندما تكون في وطنك الأم ووسط مسؤوليات عدة، ومن أهم المكاسب في هذه النقطة أنك تستطيع أن تدرس مواد مختلفة بالإضافة إلى مواد تخصصك وهذه فائدة كبيرة جدا.
ثالثا وأنت بعيد عن أرض الوطن وصعوبات الحياة اليومية والمسئوليات تستطيع أن ترى الصورة الكاملة للوطن وتحلل كيف تستطيع مساعدة وطنك، وعندك الوقت لتقرأ بعمق أكثر وفي موضوعات كثيرة تساعدك على التحليل.
لن نستفيض أكثر في ذكر الفوائد فقد قيل الكثير في فوائد السفر عامة وناقشنا هنا فوائد السفر للدراسة، ولكن هناك ضريبة كبيرة جدا يجب أن تدفعها: الغربة!
أقابل الكثير من الأصدقاء والطلاب الذين يرغبون في السفر بشدة ويحلمون بالأبحاث العلمية اللامعة والجوائز المرموقة (وإن كنت أعترض على فكرة العمل من أجل الجوائز ولكن هذا موضوع آخر) والحياة السهلة ولكنهم يغفلون أهم مشكلة: الغربة.
عندما سافرت إلى أمريكا من أجل دراسة الدكتوراه وفى الأيام الأولى في الجامعة هناك كان لزاما علينا أن نحضر عدة محاضرات تعريفية بالجامعة ونظام الدراسة.. إلخ، وفي هذه المحاضرات أخبرونا أن الشعور بالغربة عن الوطن يقل كثيرا أو ينتهى في غضون ستة أشهر، وأستطيع أن أقول وبكل ثقة أن هذا غير صحيح فأنا وبعد كل هذه السنوات مازلت أشعر بالغربة عن الوطن كلما سافرت من مصر!
قد يقول قائل أن هذه رومانسية زائدة لأن الكثيرين ينهمكون في دراساتهم أو عملهم في الخارج ولا يسافرون إلى أرض الوطن إلا كل عام أو عامين أو ربما أكثر، لمن يتشكك في هذه الرومانسية الوطنية الزائدة أقول: هناك من لا يستطيع ماديا زيارة الوطن عدة مرات في كل عام، و هناك من لا تسمح ظروف عمله بالذهاب إلى الوطن عدة مرات في العام أو حتى مرة كل عام نظراً لقلة أيام العطلات (خاصة في الشركات) أو عدم سماح الأستاذ المشرف بكم كبير من العطلات، لكن هذا لا يمنع أن كل هؤلاء لا يشعرون بالغربة بل هي ضريبة قاسية لا يعلمها من لم يسافر للخارج لمدة طويلة.
يوجد من الناس من تأخذه أبحاثه أو عمله ويغوص فيها بحيث لا يرغب في قطعها للسفر ويوجد أيضا من ليست له حياة اجتماعية في بلده فلا يحس بغربة شديدة في الخارج، لهؤلاء أقول لهم يجب أن تفكروا في طريقة لمساعدة الوطن (مثل إلقاء محاضرات، عقد ندوات، مساعدة طلاب... إلخ) وبذلك سترون أن لكم تأثير كبير في وطنكم مثل تأثير أبحاثكم في الخارج وهذه ستكون حياتكو الاجتماعية في أرض الوطن.
هذا المقال موجه لمن سافر للخارج من أجل الدراسة أو الأبحاث العلمية سواء في الجامعات أو الشركات أو معامل الأبحاث.
أقول لمن يتمنى السفر للخارج يجب أن تفكر في ضريبة الغربة مثلما تفكر في مكاسب السفر.