السياسة الدولية منذ القرن العشرين.. الثورة الصينية - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة الدولية منذ القرن العشرين.. الثورة الصينية

نشر فى : السبت 28 أغسطس 2021 - 7:20 م | آخر تحديث : السبت 28 أغسطس 2021 - 7:20 م

مع مطلع القرن العشرين، وكما شرحنا فى مقالة سابقة، فإن القوى الدولية لم تعد مقصورة على أوروبا، حيث أصبحت اليابان فى الشرق والولايات المتحدة فى الغرب قوتين لا يستهان بهما. لكن قوة أخرى خامدة كانت على موعد مع الظهور لتشكل الكثير من ملامح السياسة الدولية فى القرن العشرين وحتى اللحظة، ألا وهى الصين. لم تخرج الصين من القمقم بشكل مفاجئ ولكنه كان خروجا تدريجيا لم يشعر به العالم بشكل حقيقى إلا بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن وحتى منتصف القرن العشرين كيف كانت الصين وكيف أصبحت؟
•••
كانت الصين تُحكم بواسطة سلالة «الشينج» منذ عام ١٦٤٤ حينما تمكنت الأخيرة من إنهاء حكم «المينج»، وهو الحكم الذى مثل سلالة الـ«هان» التى ينتمى إليها معظم الشعب الصينى. كان حكم الشينج هو حكم الأقلية للأغلبية ولكن خضع الهان لهذا الحكم لما يزيد قليلا عن ٢٥٠ عاما قبل أن تقوم ثورة ١٩١١ لتنهى الحكم الإمبراطورى الصينى إلى الأبد وتشكل النسخة الأولى من الجمهورية الصينية التى نعرفها حاليا.
كانت بداية تخبط حكم الشينج هزيمتهم فى حربى الأفيون الأولى (١٨٤٢) والثانية (١٨٦٠) على يد القوات البريطانية وهو ما أدى إلى زيادة التغلغل الأجنبى فى الشأن الصينى الذى أخذ يحد بشكل تدريجى من سلطة البلاط الإمبراطورى، وهو ما أدى إلى قيام مجموعة من الانتفاضات الشعبية الصينية ضد حكم الشينج خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر، إلا أن هزيمة الصين فى حربها مع اليابان عام ١٨٩٤ كانت بداية العد التنازلى للحكم الإمبراطورى فى الصين.
أمام هذه التراجعات قرر الإمبراطور الصينى جوانجشو فى ١٨٩٨ اتخاذ مجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية مدفوعا بنجاح ثورة الإصلاح التى قادها الإمبراطور ميجى فى الجارة اليابانية قبل ثلاثة عقود تقريبا من الزمان والتى أدت فى رأى معظم التيار الإصلاحى فى الصين إلى انتصار اليابان عليهم فى ١٨٩٤! لكن الإمبراطورة تشيسى لم تكن سعيدة بتلك الإصلاحات فقادت فريقا من المحافظين فى القصر الإمبراطورى ووضعوا الإمبراطور تحت الإقامة الجبرية حتى توفى فى ١٩٠٨، بينما أخذت الإمبراطورة بقيادة الفريق المحافظ قيادة الدفة! لكن لم تهنأ تشيسى بهذا الحكم كثيرا حيث اتخذت مجموعة من القرارات الكارثية التى أدت إلى زيادة حدة وعدد الانتفاضات الصينية حتى قامت الثورة التى أطاحت بالبلاط الإمبراطورى كله فى ١٩١١!
كانت أهم هذه القرارات الكارثية بالإضافة إلى إلغاء البرنامج الإصلاحى ووضع الإمبراطور تحت الإقامة الجبرية هو تأييد الإمبراطورة لانتفاضة «البوكسر» وهى الانتفاضة التى قامت باستهداف مصالح الأجانب فى الصين ولا سيما البعثات التبشيرية بالإضافة إلى قتل الصينيين الذين تحولوا إلى المسيحية تحت دعوى أن الأخيرة كانت أداة الغرب للقضاء على الثقافة والحضارة الصينية!
لم تتخيل الإمبراطورة وفريقها المحافظ ردة الفعل الحادة للقوى الأجنبية، حيث تشكل تحالف ثمانى عسكرى من قوات مثلت دول روسيا واليابان والولايات المتحدة وبريطانيا والإمبراطورية النمساوية ــ المجرية بالإضافة إلى فرنسا وإيطاليا والهند وقام بغزو الصين لوضع حد لاستهداف المصالح الأجنبية ومن ثم تم إرغام الصين على توقيع اتفاق البوكسر والذى كلف الصين مبالغ فادحة كتعويضات عن هذا الاستهداف.
هنا كانت الصين على موعد مع مجموعة من الجماعات الثورية السرية التى عملت من داخل وخارج الصين وقادها فى النهاية السياسى الثورى «صان يات سن» حيث تمكن من توحيد هذه الجماعات داعيا للثورة على حكم الشينج الإمبراطورى وقيام الجمهورية الصينية. كان التوحيد تحت لواء جماعة «الإحياء المجتمعى الصينى» التى كانت قد تأسست قبل ذلك بسنوات وانضم للقوى الثورية لصان يات سن العديد من الصينيين وخصوصا من المثقفين والتجار بالإضافة قطعا لتأييد العديد من القوى الأجنبية وفى مقدمتها اليابان لهذه الثورة، والأهم كان انضمام العديد من قوات «الجيش الجديد» الذى كان قد أنشأه الإمبراطور وقام بتحديثه وتدريبه على أعلى المستويات لتجنب الهزائم الحربية أمام الأجانب. كان يرأس هذا الجيش القائد والسياسى يوان تشيكاى والذى كان يحظى بالدعم الإمبراطورى ولكن وبعد انضمام الكثير من عناصر هذا الجيش للثورة التى دعا إليها صان يات سن لم يجد تشيكاى بدا من التفاوض مع الثوار فى النهاية.
•••
كان صان يات سن سياسيا واسع الاطلاع عاش معظم حياته فى الخارج (الولايات المتحدة ثم اليابان ثم هونج كونج) وتأثر بالإصلاحات التحديثية فى تلك الدول والمقاطعات التى عاش فيها، تحول إلى المسيحية لاحقا وأجاد الكثير من اللغات واقتنع تماما أنه لا سبيل لخروج الصين من كبوتها إلا بالتخلص من الحكم الإمبراطورى. تمكن صان يات سن من التنسيق مع العديد من المثقفين ولاحقا العسكريين داخل وخارج الصين ونجح فى النهاية فى تحويل حكم الشينج إلى جحيم حيث كانت تقوم على الأقل انتفاضتان أو ثلاث كل عام فى مقاطعة من المقاطعات الصينية حتى كانت ثورة مدينة «ووهان» عام ١٩١١ والتى حسمت الأمور لصالح الثوار، حيث انتشرت الثورة فى جميع ربوع الصين بل امتدت أيضا للمقاطعات التابعة لها مثل التبت ومنغوليا وقامت بتعيين صان يات سن كأول رئيس انتقالى للجمهورية الصينية.
كانت الخطوة الأخيرة فى هذه الثورة هى إجبار الإمبراطور على التنحى مما دفع صان يات سن إلى تقديم عرض مغر إلى يوان تشيكاى المدعوم من القصر الإمبراطورى وتضمن العرض أن يتنازل صان يات سن عن الرئاسة الانتقالية إلى تشيكاى إذا ما ساعد الأخير الثوار على الإطاحة بالحكم الإمبراطورى وهو ما تحقق بالفعل وتم تنحية الإمبراطور «يو ى» الذى كان مجرد طفل وتولى تشيكاى الحكم بالفعل ليصبح ثانى رئيس انتقالى للجمهورية الصينية متخذا من بكين مقرا للحكم، كما أقيمت أول انتخابات تشريعية فى البلاد حيث تم الانتخاب على درجتين، فقام المواطنون الصينيون بانتخاب ٣٠ ألف مندوب قاموا بدورهم باختيار نحو ٦٠٠ عضو لمجلس النواب، و٢٠٠٠ عضو لمجالس المقاطعات واختار الأخيرون بدورهم ٢٧٤ لعضوية مجلس الشيوخ وتمكن الحزب القومى الصينى (الذى تم اعتباره ممثلا للثورة) الحصول على الأغلبية فى كلا المجلسين متفوقا على باقى الأحزاب التى شكلت لاحقا تحالفا وبدوره أنشأ هذا التحالف الحزب التقدمى ليكون المنافس الرئيسى للحزب القومى.
•••
لم تدم هذه التجربة الديموقراطية كثيرا، فرئيس الجمهورية تشيكاى لم يوف بوعده بتأييد الثورة وانقلب على الحزب القومى وعلى صان يات سن ذاته وفى هذه الأثناء تعرض سونج جيارون مؤسس الحزب القومى للاغتيال فاتهم القوميون تشيكاى بتدبير الاغتيال ومن ثم عاد صان يات سن ليقود ثورة ثانية ضد تشيكاى فى ١٩١٣ لكنه لم يفلح هذه المرة حيث تمكن تشيكاى من السيطرة على مقاليد الحكم وهزم الثورة الثانية وانفرد بحكم البلاد حيث قام بحل الحزب القومى ومن ثم فقد البرلمان شرعيته، فقام تشيكاى بحل البرلمان فى ١٩١٤!
ورغم قصر هذه التجربة البرلمانية التى نتجت عن الثورة الصينية إلا أنها أعادت الصين إلى واجهة السياسة العالمية وكانت مجرد بداية لطريق طويل انتهى بالصين الشيوعية التى نعرفها حاليا ولهذا حديث لاحق!

أستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر