من «هولاكو» إلى «هتلر».. ومن «النظام الاستعمارى» إلى «اليمين الصهيونى المتطرف!» - محمد عبدالشفيع عيسى - بوابة الشروق
الجمعة 29 أغسطس 2025 12:29 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمبارة الأهلي وبيراميدز ؟

من «هولاكو» إلى «هتلر».. ومن «النظام الاستعمارى» إلى «اليمين الصهيونى المتطرف!»

نشر فى : الخميس 28 أغسطس 2025 - 8:15 م | آخر تحديث : الخميس 28 أغسطس 2025 - 8:15 م

قد ابتُليت «البشرية المعذَّبة» بمجموعة من «الرزايا الثقيلة» المتعاقبة طوال عصور التاريخ (مع استثناء «ما قبل التاريخ» لأسباب عديدة). وقد حدث ذلك على امتداد العصور القديمة، ثم العصور الوسطى، وفى التاريخ الحديث ثم المعاصر.
وقد اخترنا اليوم أربع علامات على هذه الظاهرة المخزية المحزنة فى آن معًا. هذه العلامات قد يمثلها طاغية فرد، ومثَّلنا له بـ«هولاكو» القائد التتارى المعروف بفظاظته وغلظته، وقد يمثلها طاغية فرد آخر، ومثَّلنا له بـ«هتلر» الزعيم الألمانى النازى المعروف أيضًا بدمويته وبانتهاجه نهج «الإبادة الجماعية» لعدد من الجماعات والأقليات، أبرزها الأقلية اليهودية فى أوروبا الشرقية وفى ألمانيا بالذات.
ثم قد تتمثل العلامات المخزية المحزنة فى آن معًا، فى منظومة متكاملة، واعتبرناها متمثلة فيما يسمّى فى الدراسات التاريخية المتخصصة «النظام الاستعمارى» Colonial System . كما قد تتمثل تلك العلامات فى منظومات أخرى، وتتبَّدى فى وقتنا الراهن مثلًا، فى ظاهرة «اليمين الصهيونى المتطرف» الذى يحكم إسرائيل الآن.
يجمع بين هذه العلامات (المخزية والمحزنة فى آن معًا) أمران أساسيان: أولهما «الطغيان» بمعناه الواسع، الذى قد يُعبَّر عنه – تجاوزًا – بالديكتاتورية الشاملة، وثانيهما «الفساد» بالمعنى «الكونى» الواسع أيضًا، وليس بالمعنى الجزئى الدارج هنا أو هناك مما قد يسمى بالفساد الإدارى أو الوظيفى، أو الفساد الاقتصادى، أو الاجتماعى، وربما غير ذلك.
هذا الفساد «الكونى» بمعناه الواسع، تنضوى تحت ظلاله ظواهر متنوعة نابعة من أسباب شتىّ، مثل «التمييز العنصرى» أو «العِرْقى»، والعنف المجسَّد وغير المجسَّد المصاحب لذلك التمييز، بما فى ذلك انتهاج طريق «الإبادة الجماعية» (Genocide) فى مواجهة من يُعتبرون من قبيل الأعداء لدى منتهجى هذا السبيل المروِّع، للقضاء الجسدى - الفيزيقى والمعنوى والثقافى أو الحضارى على أولئك «الأعداء».
ونجد من الناحية التاريخية مثالًا على ذلك، يتعلق بتطبيقات ذلك «النظام الاستعمارى المبكِّر» فى أواخر العصر الوسيط ومطالع العصر الحديث. وأبرز نماذجه ما جرى للقارة الإفريقية وأبنائها، على أيدى المستعمرين الأوروبيين البيض الذين نقلوا ملايين الأفارقة على السفن المهدَّدة بالغرق عبر المحيط إلى الأمريكتين الشمالية والجنوبية، وخاصة الشمالية، فأُزهقت من أرواحهم نحو ستة ملايين أثناء ذلك النقل (المُخزى والمُحزن فى آن معًا)، وخاصة فى القرنين السابع عشر والثامن عشر، ثم ليتحوَّلوا إلى «عبيد» فى مزارع قصب السكر والقمح المملوكة للمستوطنين البيض. واستُكملت أعمال الإبادة فى أمريكا الشمالية فى مواجهة الشعب المالك للأرض والعِرض آنذاك، شعب ما أسموه –بهتانًا– «الهنود الحمر».
كذلك برزت ظاهرة الاستيطان الاستعمارى الأوروبى الأبيض فى كلٍّ من آسيا وإفريقيا، وما صاحبها من تقتيل وتنكيل، وبقيت ذيولها شاخصة فى الشرق الأقصى، وكذا فى جزائرنا العربية التى أُزهقت من أرواحها على مذبح التمييز الاستيطانى زهاء مليونين ونصف المليون من أبناء الشعب الجزائرى المجاهد، أثناء حرب التحرير التى استمرت زهاء ثمانى سنوات (1954-1962).
وعطفًا على ما سبق، نشير إلى كلٍّ من هولاكو وهتلر، حيث قام القائد المغولى «الهمجى» الكبير – هولاكو – (رائد) ما قد يُسمى فى الأكاديميا «بالعنف الاعتباطى الموسَّع Coercive Violence »، فهدم عاصمة الدولة الإسلامية –بغداد – عام 1258، وقتل منها ومن حولها الآلاف، دون أدنى بارقة من الرأفة (لا نقول الرحمة). وأُسقطت عاصمة الدولة العباسية الكبرى، ليفتتح فصلا جديدا من التاريخ الإسلامى والعربى والعالمى. وقد وصل القتل اليدوى المباشر إلى قصر الخليفة العباسى، حيث نادى الخليفة على القائد التترى بأن يترك نساء القصر أو يُخلى سبيلهن، قائلًا: (إلا النساء يا مولاى)، ولكن ما من سميع أو مجيب. وجرت عملية «الإبادة» دون انتظار.
أما أدولف هتلر الذى تسلَّق سلّم السلطة فى ثلاثينيات القرن العشرين، فهو من هو فى غطرسته العنصرية البغيضة، إذ قُتل على أيدى جيشه النازى عدة ملايين قبيل وأثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945). وقد حدث صمود أسطورى من «الشعوب الضحية»، بما فى ذلك الشعب الروسى الذى بلغ عدد القتلى منه نحو عشرين مليونًا فى بضع سنين. ودع عنك ما قام به هتلر من احتلال فرنسا وتعيين (حكومة فيشى)، عدا عن الغارات الليلية بالطيران على مدينة لندن، وغير ذلك كثير. ذلك حتى أطلق هتلر على نفسه الرصاص انتحارًا داخل قصره فى نهاية الحرب، وكذلك فعل مع عشيقته المغدورة إيفا براون.
وكما أباد هتلر من أباد من اليهود وغيرهم، فكذلك انبثق «التيار الصهيونى المتطرف» ليفعل فى الفلسطينيين، وخاصة فى أبناء غزة، ما فعله هتلر بهم. ومن قبل ذلك نُصبت المذابح من قِبل العصابات الصهيونية المسلحة (مثل الهاجاناه) فى غمار (نكبة فلسطين) عام 1948، ضد العرب الفلسطينيين أصحاب الأرض والوطن، دون جريرة. ونرى كذلك محاولة ما يسمى برئيس (حكومة) إسرائيل الحالية إعادة احتلال غزة، مع محاولة التهجير القسرى لأهلها المجاهدين، أو القضاء عليهم فى عملية الإبادة الجماعية المنظَّمة، وذلك من بعد (طوفان الأقصى) فى السابع من أكتوبر 2023.
ولن ينجح نهج الإبادة الجماعية الذى ينفذه ذلك اليمين الصهيونى المتطرف حاليًا، ولسوف يذهب إلى ما يُطلَق عليه (مزبلة التاريخ)، بينما ستعيش فلسطين عربية حرة، وجزءًا من وطن عربى كبير ومتّحد فى المستقبل القريب إن شاء الله.

محمد عبدالشفيع عيسى أستاذ باحث في اقتصاديات التنمية والعلاقات الدولية
التعليقات