«التضليل الاستراتيجى» و«الحرب بالوكالة» قوة وضعف الكيان الإسرائيلي - محمد عبدالشفيع عيسى - بوابة الشروق
الثلاثاء 15 يوليه 2025 12:35 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

«التضليل الاستراتيجى» و«الحرب بالوكالة» قوة وضعف الكيان الإسرائيلي

نشر فى : الإثنين 14 يوليه 2025 - 8:00 م | آخر تحديث : الإثنين 14 يوليه 2025 - 8:00 م

ما لإسرائيل أن (تسرح وتمرح) هذه الأيام، وكأنه لا يوجد من قبلها أو من بعدها أحد؟ يظهر ذلك مثلًا فى انطلاقها الحر داخل الدولة اللبنانية، شمالًا وجنوبًا، وإلى الشرق. ودع عنك ما يجرى فى غزة، ولا ننسى ما جرى، نسبيًا، مع إيران.
فما حقيقة الذى جرى…؟
قد ظهرت قوة إسرائيل النسبية، بالمقارنة مع المحيط العربى المشرقى بالذات، فى مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم، حين احتلت الجنوب اللبنانى، بعد أن فعلت ما فعلت زمن الحرب الأهلية اللبنانية (1974–1982) وما بعدها.. ودخلت إلى تخوم بيروت، وحاصرت مقر رئيس منظمة التحرير الفلسطينية (ياسر عرفات). وما إن احتلت جنوب لبنان حتى أنشأت جيشًا عميلاً (أنطوان لحد)، وكأنه لا حسيب هناك ولا رقيب.
بيد أن قوة الضمير الوطنى القومى ظهرت فى أجلى صورها بشنّ حرب تحرير الجنوب، بقيادة «حزب الله»، حتى أُجبرت إسرائيل على الرحيل مهزومة ومذعورة عام 2000.
ظهر «حزب الله»، ومعه القوى الوطنية اللبنانية، بقدرة عالية على المناورة والقتال، حتى رأت إسرائيل أن تجرب قوتها مرة أخرى، فكانت حرب 2006، ولكنها خرجت مرة أخرى بغير نصر أمام «حزب الله» والقوى الوطنية اللبنانية.
ومن بعدها، يبدو أن إسرائيل عملت على تعلُّم الدرس، فأخذت تجرّب مصادر قوتها التى انحصرت فى جانبين:
• «الخداع الاستراتيجى العميق» – إن صحّ التعبير.
• «الحرب بالوكالة» (War by Proxy).
وقد كانت الحرب سجالًا بين إسرائيل وحزب الله ومع القوى الوطنية اللبنانية طوال عقدين تقريبًا (2006–… )، وبرهن حزب الله وحلفاؤه فى الداخل، وكذلك فى الخارج (إيران)، على قوة فائقة. ولكن إسرائيل كانت فيما يبدو قد تعلمت درسًا، بل دروسًا؛ فأخذت تعكف على نقطتى القوة البارزتين: الخداع الاستراتيجى العميق، والحرب بالوكالة.
• • •
ويبدو الآن أنها قد حصلت على ما أرادت من خداع أمام «حزب الله». ونقول إنه خداع عميق فى المضمون والمكان، وممتد فى الزمان.
وكان لإسرائيل، بعد «غزوة حماس» فى السابع من أكتوبر 2023، أن تجمع المعلومات الاستخبارية وتوظفها، فقامت بضرب قوة حزب الله الإلكترونية فى 2024 (أجهزة البيجرز وما يتصل بها)، ثم إنها استجمعت قوتها الخفية -معلوماتيًا وإلكترونيًا- حتى ضربت عمق تحصينات حزب الله فى الضاحية الجنوبية لبيروت، إلى أن (اغتيل) السيد حسن نصر الله. ثم إنها أخذت بعد ذلك تتمدّد فى لبنان جنوبًا وشمالًا وشرقًا، وخاصة لتأمين شمال الكيان الإسرائيلى من التدمير الماثل والمحتمل، فى مواجهة ما تبقى من «حزب الله»، الذى استجمع قواه مرة أخرى، وبدأ يوجه الضربات تلو الضربات، حتى أجبر إسرائيل على قبول اتفاق لوقف إطلاق النار، ثم ليتم تحجيم القوة الإسرائيلية نسبيًا، شمال وجنوب نهر الليطاني، وعلى طول خط الحدود مع الجنوب اللبنانى.
وقد بقى «العالم الصامت» على صمته المريب، تاركًا إسرائيل لتحاول، عبثًا، إعادة مسيرة عام 1982 بمحاولة احتلال شطر من الجنوب اللبنانى الصامد.
هكذا إذن، اتّضح فخ الخداع الاستراتيجى الممتد والعميق، فإذا بإسرائيل تحاول أن تقيم لها عصرًا ذهبيًا (موهومًا على كل حال) بعد تغيّر الأوضاع فى سوريا، بمباركة –على الأقل– من القوى الدولية المتنفذة، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
• • •
وهنا تأتى نقطة القوة الثانية للكيان الإسرائيلى، إذ أخذت تمارس الدور الذى مارسته طويلًا، من خلال استقبال الإمدادات التسليحية واللوجستية والاستخبارية من الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار أن هذه تحارب القوى الوطنية والقوى الإسلامية فى لبنان وسائر المنطقة العربية، عن طريق اليد الإسرائيلية الخشنة بالذات.
ولئن كانت إسرائيل تحارب إذن بالنيابة عن أمريكا، وبسلاحها وعتادها ومعلوماتها وما إليها، فإنها مع ذلك تواجه قوة مقابلة عنيدة، هى قوة (حركة المقاومة الإسلامية – حماس) فى غزة المناضلة.
تجيء هنا نقطة ضعف إسرائيل، وذلك فى عنصرها البشرى وفى جيشها بالذات، المعتمد على قوة نظامية محدودة، متآكلة الروح المعنوية، مع اعتماد زائد على قوات الاحتياط، وتنازع بين مختلف أطراف الكيان الإسرائيلى (حكومة ومعارضة – التيار المتدين والآخر العلمانى – عائلات وأهالى الأسرى لدى حركة حماس فى الأنفاق الحصينة، مقابل عناد الحاكم الإسرائيلى طليق اليد إلى حدّ كبير).
وتأتى نقطة قوة «حماس» التى لا تُبارى، من خلال اعتماد إستراتيجية وتكتيكات القتال بالمجموعات الصغيرة، وحرب المدن، والاشتباك وجهًا لوجه، و«اضرب واهرب».
• • •
أضف إلى ذلك، الروح المعنوية القتالية العالية لدى كتائب شهداء الأقصى لحماس، وسرايا القدس لدى تنظيم «الجهاد».
وما أن يُخيَّل للإسرائيليين أن قوة المقاومة فى غزة قد ذهبت ريحها، حتى تعود مرة أخرى، بعودٍ صلب، وعزيمةٍ من حديد، لتمارس حرب المجموعات الصغيرة، وتفخيخ المبانى، والتحصّن بالأنفاق العميقة، والتسلّح الذاتى وصناعة السلاح.
إسرائيل التى تمارس قوتها فى لبنان بالجيش النظامى المحدود، واستعملت فى مواجهة إيران أسلحة «حرب الوكالة» دون هوادة، بالطائرات والقاذفات المقاتلة و«المُسيّرات»، تواجه عدوّها العنيد فى غزة، لتستفيق على نقطة ضعفها القاتلة فى مواجهة المقاتلين المناضلين.
وما تزال إسرائيل، سادرة فى غيّها، وفى (غطرستها)، بينما يستعد حزب الله لاستعادة قوته النيرانية، بعد أن أعاد بناء قوته التنظيمية إلى حدّ كبير.
ولن تستطيع إسرائيل تحقيق «نصر استراتيجى» كما تأمل، بينما تظل غزة «شوكة فى حلقها»، ويظل جنوب لبنان أكثر من شوكة فى الحلق، ليتبدّد الوهم الإسرائيلى، برغم الخداع وحرب الوكالة.
ولسوف يذهب حلم اليمين الصهيونى المتطرف بددًا، بينما يزداد إصرار وعناد ذوى الحق حتى النصر، فى أمدٍ زمنى غير بعيد.

محمد عبدالشفيع عيسى أستاذ باحث في اقتصاديات التنمية والعلاقات الدولية
التعليقات