ازدراء التاريخ - سمير كرم - بوابة الشروق
الجمعة 11 أبريل 2025 7:34 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

ازدراء التاريخ

نشر فى : الأربعاء 28 نوفمبر 2012 - 11:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 28 نوفمبر 2012 - 11:25 ص

لاح فى سماء الحضارة الإنسانية فى الحقبة الأخيرة خطران داهمان لم يسبق أن واجههما الإنسان معا فى ظروف سابقة. احدهما خطر ازدراء الأديان والثانى خطر ازدراء التاريخ.

 

ومن الواضح ان ازدراء التاريخ ظهر كمحاولة للرد على ازدراء الأديان. ومن الواضح ايضا أن ازدراء التاريخ إنما يظهر باعتباره الرد بطريقة انتقامية على ازدراء الأديان.

 

 

 

بعضهم كتب فى اوروبا عن الاسلام وعن رسوله العظيم محمد (صلى الله عليه وسلم) ما اعتبرته جماهير المسلمين ازدراء ليس فحسب لمحمد او للاسلام انما ازدراء للاديان. وعبرت كتابات اوروبية الثقافة ايضا ــ بما فى ذلك ما نشر فى امريكا ــ عن استياء ورفض عقلى وروحى لهذه الكتابات وازدراء لما ترمى اليه. وفى حدود الضرر الذى يمكن ان يكون قد نتج عن الكتابات «المسيئة للرسول» كان يمكن ان ينتهى الامر عند هذا الحد لأن شيئا مما رمى إليه المسيئون لم يتحقق ولا يمكن ان يتحقق. بل الواقع ان رد الفعل ازاء هذا الازدراء اظهر ثبات الايمان الاسلامى بدور النبى العظيم وشخصه فى تاريخ وحياة البشرية. طبعا عدا القلة الضئيلة التى كتبت مسيئة سواء كانت عامدة او غير متعمدة.

 

الا انه لم يلبث ان طفت على السطح كرد على هذه الكتابات المسيئة الدعوة الى هدم الاهرامات وابى الهول باعتبارهما رمزين للوثنية والخروج على تعاليم الاسلام، حتى وان كانا قد سبقا ظهور الاسلام بعدة مئات من القرون. ولا شك ان هذا ازدراء واضح للتاريخ، ولا يمكن ان يكون ذا صلة على الاطلاق بازدراء الاديان. مع ذلك فالامر جدير بالمناقشة.

 

واول ما يلفت الانتباه ان ازدراء الاديان كما بدا فى الكتابات المسيئة للرسول لم ينتج عنه اى رد فعل ملموس، بحيث يمكن التأكيد بأنها لم تنجح فى اخراج مظاهرة صغيرة واحدة فى اى مدينة اوروبية تنال من الاسلام او تنال من الرسول. بل انها لم تلفت انظار الاكاديميين المعنيين بدراسة الاسلام فى جامعات الغرب الا فى حدود الرد على الصفاقة التى رآها هؤلاء الاكاديميون فى تلك الكتابات. من الناحية الاخرى فإن الدعوة الى هدم الاهرامات وابى الهول ــ باعتبار ان لها سابقة فى نسف تماثيل للمفكر الدينى الآسيوى العظيم بوذا فى افغانستان قبل الغزو الامريكى ــ من شأنها ان تثير المخاوف ليس فقط فى مصر بل وفى عالم بأكمله يهتم بما هو التاريخ المصرى وآثاره. ذلك لان لها آثارها الحسية الملموسة التى تتمثل فى تحطيم او تدمير تلك الآثار التى حرص التاريخ الانسانى على الحفاظ عليها. لقد اصاب هذا التهديد سكان العالم بحالة من الذعر ولم يظهر مؤيد لهذا الفعل فى اى مكان فى الشرق او الغرب، فى شمال العالم أو جنوبه.

 

 

 

بدا التهديد بتحطيم الاهرامات وابى الهول تهديدا بالقيام بعمل ارهابى لا يريق دما بشريا ولكنه يريق دم التاريخ بالمعنى الثقافى او الفكرى للكلمة. بل لعل من الجدير بالملاحظة ان رد الفعل ازاء هذا التهديد الارهابى ضد التاريخ المصرى بدا خافتا فى مصر بالمقارنة برد الفعل كما بدا فى اوروبا وامريكا وفى آسيا وأفريقيا وفى العالم اجمع. وربما يرجع هذا الى ان المصرى يدرك يقينا ان اى ارهابى لا يملك الادوات او الوسائل التى يمكن ان تنفذ مثل هذا التهديد. ذلك ان هذين الاثرين يبدوان على درجة من الثبات والقدرة على البقاء تجعل الانسان المصرى يستخف بأى تهديد ضدهما. لقد عاصرت وجودهما اجيال متوالية من المصريين منذ ان بنيا. ولقد تعرضت مصر للغزو من جانب قوى اجنبية متتالية من الرومان الى الفرنسيين الى الانجليز، اظهرت كلها تبجيلا للآثار المصرية الفرعونية ــ والقبطية والاسلامية العربية ايضا ــ ولم تبد اى استعداد للنيل منها او حتى التقليل من شأنها كشواهد تاريخية تتسم بالعظمة كفن وقدرة على البناء والتخليد.

 

منذ ذلك الوقت لم تتعرض آثار مصر التاريخية ــ والاحرى ان نقول الحضارية ــ الا لقذيفة مدفع واحدة اراد بها احد القادة العسكريين للحملة الفرنسية التى قادها نابليون على مصر ان يثير فزع المصريين على ابى الهول فاصاب انف اعظم اثر تاريخى تملكه مصر، ونجح ذلك القائد فيما اراد فقد تغلب خوف المصريين على ابى الهول على خوفهم من توغل الغزاة الفرنسيين (...)

 

وربما يرجع السبب فى ان رد الفعل المحلى المصرى ازاء التهديد بهدم الاهرامات وابى الهول الى الظروف السياسية السائدة فى مصر حيث يبدو التيار الدينى متمتعا بهيمنة سياسية على السلطة غير مسبوقة منذ اعتنقت مصر الاسلام. ويبدو ان رد الفعل المصرى لم يضع فى اعتباره اخطر الاحتمالات التى يمكن ان ينتج عنها هذا التهديد لآثار مصر الفرعونية. فلم يصل رد الفعل الى النقطة التى يمكن ان تتعرض مصر فيها لخطر تهديد من قوة عسكرية كبرى ــ مثل الولايات المتحدة او حلف شمال الاطلسى ــ بغزو مصر واحتلالها اذا ما بدا خطر حقيقى على الآثار الحضارية المصرية. إن الولايات المتحدة سواء كانت تبحث عن سبب لاحتلال مصر او لا، وسواء كانت تخشى او لا تخشى من ردود الافعال المحتملة عالميا نتيجة لاقدامها على احتلال مصر بحجة الدفاع عن آثارها العظيمة، تستطيع ان تجد مؤيدين لهذه الخطوة فى انحاء العالم باعتبار ان هذه الآثار جزء من التاريخ الانسانى بل هى التاريخ الانسانى مجسدا. ومن يمكن ان يعارض الدفاع عن التاريخ الانسانى فى اى مكان كان. ولقد فعلت الولايات المتحدة ذلك فى افغانستان ففرضت حماية على تماثيل بوذا وباقى رموز الديانة البوذية. والبوذية ديانة دنيوية اذا جاز التعبير وليست سماوية. وبوذا لم ينسب نفسه او دعوته الى رسالة سماوية.

 

 

 

هكذا نتبين، او بالاحرى نخشى، احتمال ان يؤدى خطر ازدراء التاريخ الى خطوة او خطوات خطيرة تتذرع بالدفاع عن تراث الانسانية الاقدم والارسخ. فى حين انه لا خشية على رسالات السماء العظيمة من اى ازدراء بشرى مهما كان ضعف منطقه او قوة هذا المنطق.

 

ان السماء هى المسئول الاول والاخير عن الدفاع عن رسالاتها ورسلها وعن مضمونها وأهدافها ضد اى ازدراء يظهره البشر. اما الدفاع عن التاريخ الانسانى ضد الازدراء فهو مسئولية الانسانية نفسها ابتداء من اصحاب هذا التاريخ وصانعيه وورثته.      

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات