أفكار تداولناها على هامش مرحلة فى تطور الشرق الأوسط - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 30 يناير 2025 7:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

أفكار تداولناها على هامش مرحلة فى تطور الشرق الأوسط

نشر فى : الأربعاء 29 يناير 2025 - 8:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 29 يناير 2025 - 8:10 م

أعلم عن ثقة أن قصور حكم وسياسة فى دول عربية غير قليلة عاشت حالات توتر وعدم يقين خلال الأيام الأخيرة تحت ضغط تطورات، أكثرها مغلف برقائق كثيفة من التهديد والوعيد ومصادره معلنة ربما إلى حد الابتزاز واستخدام لغة إرهاب صريحة، وبعضها من صنع ملايين من سكان الأزقة والشوارع العربية استنفرهم القلق والخوف وحب أوطانهم. أعترف أننى سمعت خلال أيام قليلة كلمات فى مناسبات عديدة كثيرا ما استبعدت من قواميس الكلام السياسى أو غابت عن الحضور فى وجود صغار السن وحديثى التجربة. سمعت لغة فى خطب رؤساء لم أسمعها من زمن، وقابلت سياسيين وإعلاميين يتفوهون بما لم تتعود أذناى التقاطه أثناء حوارات يجريها رجال ونساء من المنتمين لهذا الفريق أو ذاك. لن أطيل فى هذه المقدمة فأنا مطمئن، وإن كنت مثقلًا مثل كثيرين ببعض القلق وضعف اليقين والخوف على المصير مما نراه من حولنا وبين جنباتنا، مطمئن إلى أن هذا الشرق الأوسط الذى أحمل معه بعض همومه أنجب، وسوف يستمر فى إنجاب، عباقرة لكل زمان من أزمنته المتباينة ومن كل عرق من أعراقه المتعددة.

 


استفدت من فسحة فى قلق كان متعاظما ومن رغبة جامحة فى أن أخرج إلى أصدقاء وزملاء سابقين وحاليين وخبراء لامعين فى دراسة ومتابعة وفهم ما يفكر فيه المختصون والمسئولون لأسأل عن بعض ما قصرت خبراتى عن فهم كل أو بعض ما يدور فى أذهانهم، أسأل عن حصيلة ما سمعوا أو خلاصة ما توصلوا إليه بعد تمحيص وتعب. جمعت نتفًا من هنا وهناك، جمعتها وفى ظنى أنك إذا جمعتها كما فعلت أنا فسوف تشاركنى الرأى فى حالنا اليوم وفيما يجب فعله فى الفترة القادمة، للتخفيف من وقع زماننا علينا ورفع المعاناة عن شعوب هذا الإقليم ربما باستثناء شعب أو آخر قرر بحسم وحزم وإجماع أنه غير معنى بسلام غير سلام يفرضه هو بالقوة والغدر وإبادة أو تهجير أصحاب الأرض وغير مهتم بتحقيق رخاء لأحد غيره فى كل أنحاء الشرق الأوسط وربما فى العالم.
• • •
خلصت من الردود على استفساراتى وتحفيزاتى بالآتى:
أولًا: قد نختلف مع حكومة المملكة السعودية حول سياسة أو أخرى أو قضية أو أخرى أو فى ظرف أو آخر، لكننا وبالتأكيد لم نشعر بالرضا فى كل مرة سمعنا رئيس جمهورية الولايات المتحدة، وكانت فى يوم من الأيام دولة عظيمة كما يقول هو نفسه وكما يعلن السياسيون فى الحزب الجمهورى الأمريكى وكما تقول كتب السياسة، سمعناه يتحدث بلهجة ساخرة عن حكومة السعودية. كثيرون أو قليلون فى مصر وبلاد العرب والشرق الأوسط يختلفون مع حكومة المملكة حول بعض القضايا والتوجهات، لا أحد من هؤلاء تعاطف مع اللهجة الساخرة التى استخدمها الرئيس الأمريكى فى كل مرة تحدث فيها عن المملكة. قال أحدهم عن الرئيس الأمريكى، أخيرًا جاء من الخارج يوحدنا فى موقف من دولة شريكة لنا فى الشرق الأوسط.
• • •
ثانيًا: سألت سؤالًا له علاقة بالتطورات الإيجابية الأخيرة المتعلقة بنظام الحكم فى لبنان. أغلب الردود جاءت مرحبة وإن اعترفت هذه الأغلبية أنه ما كان يحدث هذا الاختراق لسنوات من الميوعة وتدهور الحال فى لبنان لولا تدخل قوى ومنسق من الخارج، شاركت فى تنسيقه وإخراجه وتنفيذه دول كبرى عديدة ودول عربية تتمتع بنفوذ فى لبنان والمنطقة. إلى هنا والردود لا تضيف جديدًا ولا ظنونًا أو شكوكًا. رد واحد أثار فى نفسى موجة عارمة من التوتر حين أضاف كلمات عديدة، من بينها ما معناه «لا يجوز أن نغفل عن وجود رابط غير واضح المعالم وربما غير مؤكد بين الجهد المشترك لإعادة الاستقرار فى لبنان وبين الضغط الذى فرض على رئيس محكمة العدل الدولية، ليغادر منصبه فى لحظة حرجة جدًا فى تاريخ المحكمة وانشغالها بدراسة ملف قضية الإبادة المتهمة فيها إسرائيل. لا شك أن ضغطًا أمريكيًا أو غربيًا هائلًا فرض وضعًا استثنائيًا تسبب فى الإبعاد المتعمد لرئيس المحكمة من دوره وقضيته، فهذا القاضى تحديدًا ما كان ليغادر من تلقاء نفسه لأى ظرف أو سبب. هل بينكم من ما زال يحلم بحكم عادل يصدر عن المنظمة فى يونيو المقبل؟».
• • •
ثالثًا: استنكرت كل الردود الدعوة الخبيثة والمتكررة منذ أيام النكبة من جانب دول الغرب الموجهة للدول العربية لاستقبال المهاجرين الفلسطينيين. ذهبت ردود إلى سرد معلومات تؤكد أن الضغوط على العرب فى هذا الشأن تعود إلى ما قبل قيام إسرائيل ونشوب الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، وجاء فى رد من الردود أن مشروعًا أحيل وقتها إلى مصر ودول أخرى يقضى بطلب الموافقة على الانضمام إلى صندوق كذلك الذى طرحته أمريكا لإنعاش أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وأطلق عليه مشروع مارشال، بشرط أن توافق الدول العربية وممثلو الفلسطينيين على تهجير الشعب الفلسطينى إلى مواقع فى دول عربية، منها مصر والأردن، حددها المشروع. رفضته الدول العربية وقتها وترفضه الآن. وفى كل مرة يتقرر تأجيل تنفيذه فى انتظار ظروف أفضل. يسود الظن الآن بأن الظروف الأفضل تحققت خاصة، وقد صار المتحكم فى أمريكا مجموعة مقاولى إنشاءات ومغامرى استثمارات فى مشروعات ترفيه ودعارة وفنادق للقمار، وصارت غزة ركامًا والإبادة فيها وفى بقية فلسطين لا تتوقف.
• • •
رابعًا: تقول الردود أن أكثر أصحابها فوجئوا بالمقاومة تخرج من جديد. تخرج هذه المرة من تحت الركام وفى شكل شعب هادر يتحرك كله فى وقت واحد، يرفض أوامر الاحتلال العسكرى والتهديد بالإبادة. حرق خيامه فلن يعود إليها فركام بيوته أفضل لسكنه وسكن أولاده. منظر غريب وفريد، منظر أمة تبعث من جديد لترد على حملة التهجير وعلى أصوات خائبة صادرة من قنوات تليفزيونية هشة، منظر أمة تبعث من جديد لتحيى المقاومة ليس فقط فى فلسطين، لكن فى عروق شعوب كثيرة. تكاد الردود تجمع على أنه لن يقوم هنا شرق أوسط جديد على ذوق ومزاج إسرائيل وأمريكا.
• • •
خامسًا: تسود فى الردود نبرة شك كبير فى قدرة ترامب على الاستمرار فى أدائه المسرحى وعلى تحقيق أهدافه الشعبوية. أمريكا بعد سنوات من الانحدار المتواصل باعترافه واعترافات غيره لن تتحمل طويلًا مغامرات الرئيس ترامب ونزعاته السلطوية وأساليبه «التحتية» خلقًا وأفعالًا. استطاع الرجل أن يثير الغضب ويحشد التوتر فى عالم منهك ومتعب نتيجة سنوات من التعامل فى نظام دولى تعمه الفوضى، ويفتقر إلى مؤسسات دولية فاعلة. أتى الرئيس ترامب ليؤكد نزعته المعادية للتنظيم الدولى فى كل أشكاله. لا منظمة صحة عالمية ولا أونروا ولا مؤتمرات مناخ ولا منظمة تجارة عالمية بل حروب تجارية عالمية وحرائق وموجات جفاف وفيضانات وعودة صريحة للاستعمار بكل أساليبه العتيقة والوحشية.
• • •
أخشى، كما عبر الكثيرون، أن نكون على أبواب عالم مجنون مجنون مجنون.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي