نشرت مؤسسة The Chronicle Of Higher Education الأمريكية والمتخصصة بالقضايا التعليمية، مقالا لـ «ستيف كولويتش» الكاتب بالموقع حول الإخفاق الذى تسببت به المؤسسات الأمريكية التى تقوم باستطلاعات الرأى العام فيما يتعلق بنتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وإغفال الأكاديميين الذين أجروا مثل الاستطلاعات لمؤيدى ترامب، وما يقومون به الآن من تقييم لمعالجة ذلك الخلل الذى أصاب هذه الاستطلاعات والأساليب المتبعة بها وأعاقها من الوصول إلى توقعات دقيقة حول نتائج هذه الانتخابات.
يبدأ «كولويتش» بما أثارته الانتخابات الأمريكية الأخيرة من مفاجآت وصدمات للمجتمع الأمريكى بل وأرجاء مختلفة من العالم أجمع وذلك عقب فوز الجمهورى «دونالد ترامب»، حيث تركت هذه الانتخابات العديد من الأسئلة دون إجابات والتى من الممكن أن تظل هكذا دون قدرة على إيجاد الحلول لها لفترة غير معلومة. وفى ذلك الصدد يتساءل الكاتب: «لماذا كانت عملية الاقتراع ونتائجها خارج التوقعات؟ ومن يستحق أن نلقى عليه اللوم إزاء ما حدث؟ وما الخطأ الذى حدث؟ وكيف يمكن إصلاحه؟»
بداية فقد استيقظت مؤسسات استطلاعات الرأى العام على صدمة فوز السيد ترامب بسباق الرئاسة الأمريكية ولم يجدوا بعد هذه النتيجة غير المتوقعة إلا التبريرات وذلك عقب استطلاعاتهم طوال الحملة الانتخابية التى لم تتم بشكل دقيق، بما يعكس جميع الاتجاهات والأصوات، والتى نتج عنها صدمتهم بالحشود العارمة المؤيدة لترامب والتى قادته إلى ذلك الفوز التاريخى.
يعتقد البعض بأن هذه النتيجة الصادمة قد تؤدى إلى زعزعة استطلاعات الرأى الأكاديمية والصناعة المتعلقة بالتنبؤ بالانتخابات ككل؛ فمثلا هذه المؤسسات التى أجرت العديد من الاستطلاعات للرأى العام حول هذه الانتخابات، قد توقعت أن يتم خلال الاقتراع بولاية ويسكونسن الأمريكية تفوق هيلارى كلينتون على ترامب بفارق 4 نقاط أو 6 نقاط أو على الأقصى 8 نقاط، ولكن ما حدث هو فوز ترامب ولم تفز كلينتون بهذه الولاية من الأساس.
ويقول فى ذلك الصدد «باترك موراى» مدير إحدى المؤسسات المسئولة عن إجراء استطلاعات الرأى التابعة لجامعة مونموث الأمريكية، بأن ما حدث أكبر بكثير من قدرة هذه الاستطلاعات والمؤسسات التى تقوم عليها. واستطرد السيد «موراى» قائلا إن ما حدث يعد بالطبع من أسوء الضربات والهزات التى تعرضت لها استطلاعات الرأى وذلك منذ «ديوى يهزم ترومان» وهو العنوان الخاطئ الذى تصدر إحدى الصحف الأمريكية عام 1948 عقب فوز هارى ترومان على نظيره توماس ادموند ديوى، وليس كما كتبت إحدى هذه الصحف، وليس هذا فحسب بل سبقه خطأ منظمة جالوب الأمريكية لاستطلاعات الرأى حينما توقعت بأن «ديوى» سيفوز على «ترومان» بنحو 5 ــ 10 % نقاط، وذلك لم يحدث على الإطلاق.
ويستكمل «موراى» بأنهم ليسوا وحدهم من أخطأوا، بل صدرت تقارير من قبل الحملة الانتخابية لكل من كلينتون وترامب لم تتوقع أن يحظى ترامب بالدعم فى الولايات الرئيسية بالولايات المتحدة، ويعتقد بأنه قد حدث خطأ لا يعرفه تحديدا الآن وهو متعلق بالأساليب السائدة والمتبعة لإجراء استطلاعات الرأى لإعداد نموذج لنتائج الانتخابات قبل إجرائها.
***
بشكل عام بغض النظر عن هذه الانتخابات ونتائجها، فقد أدرك الذين يقومون على إجراء هذه الاستطلاعات بأن التطورات الكثيرة التى حدثت ومازالت تحدث «تكنولوجية بشكل خاص» قد أثرت بشكل كبير على العينات التى يتم سحبها وبناء عليها يتم إجراء الاستطلاعات والخروج بالنتائج. وقد أدركوا أيضا بأن معدلات الاستجابة لهذه الاستطلاعات تتناقص بشكل كبير منذ فترة طويلة، وكل ذلك يدعو للقلق عن كيفية أخذ عينة صحيحة تخرج بنتائج متوافقة مع الواقع حولها، فتكمن هنا المعضلة بالوصول للعينة السليمة فضلا عن شك ممن يجرى عليهم هذه الاستطلاعات من الأساس بجدوى وأهمية ودقة هذه الاستطلاعات، فيقول السيد «بيتر وولى»، أستاذ السياسة المقارنة بجامعة فيرلى ديكنسون الأمريكية، إن ذلك الشك لدى المواطنين يظهر بشكل كبير عند إجراء الاستطلاعات عبر المكالمات الهاتفية. وبشكل عام فقد تغيرت المظاهر الخارجية للمجتمع الأمريكى بدرجة كبيرة مما أدى إلى ضرورة تغيير الوسائل التقليدية المتبعة لإجراء مثل هذه الاستطلاعات، فضلا عن الطريقة التى يتعامل بها بعض القراء والصحفيين مع الاستطلاعات ونتائجها؛ حيث يعتبرونها كالنبؤات والتوقعات التى لن تخطئ على الإطلاق، وبالطبع هذا غير صحيح وما حدث أخيرا يؤكد أن هذه الاستطلاعات قد تخطئ وقد تصيب.
ويستطرد السيد «وولى» بأنه رغم ذلك قد تفاجأ كثيرا بنتائج هذه الانتخابات وأن ما آلت إليه الأمور يستحق التفكير والبحث والدراسة، فما حدث أننا تفاجئنا بأن هناك دولة هنا ودولة أخرى هناك تصرفت على نحو مختلف تماما وسلكت مسارا لم يكن متوقعا على الإطلاق. وهناك اتجاه يقول بأنه وفقا لاستطلاعات الرأى التى تم إجراؤها فور خروج الناخبين من عملية الاقتراع فإن الناخبين الذين كانت توقعاتهم عن كلا المرشحين منخفضة قد أعطى الأغلبية منهم أصواتهم لصالح السيد ترامب.
***
يتطرق الكاتب مجددا إلى السيد «موراى» والذى يشير إلى أن الأحداث الأخيرة والتى لا تتمثل فقط فى صدمة فوز ترامب بسباق الرئاسة الأمريكية، بل أيضا تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبى ورفض الكولومبيين اتفاق السلام مع المتمردين، كلها تدعو إلى ضرورة إعادة النظر وترتيب الأوراق مرة أخرى، بأن هناك جموعا من الأفراد أكبر بكثير من العينات التى يتم سحبها بل ومختلف عنها، ولهذا لابد من التطرق إليه ودراسته، وليس هناك أفضل من هذه الأحداث كدراسة حالة فى ذلك الصدد.
ومن جهة أخرى يعتقد «دون ليفى» مدير معهد الاستطلاعات بإحدى الجامعات الأمريكية، بأن استطلاعات الرأى التابعة للجامعات والقائمين عليها يتسمون بالشفافية ويقومون بتبادل البيانات من أجل الوصول إلى أدق النتائج، فهؤلاء لا يفعلون ذلك من أجل المال أو من أجل مرشح بعينه، وهم مستمرون إلى الآن بدراسة هذه العملية الانتخابية.
وخلال مقابلة مع السيد «لى م. ميرينجوف» مدير إحدى المؤسسات المسئولة عن إجراء استطلاعات الرأى العام الأمريكية، تناقش بحيادية كبيرة حول هذه المؤسسات، مؤكدا على فشل العديد من استطلاعات الرأى لتوقع نتيجة هذه الانتخابات، وأن هذه الاستطلاعات بها هوامش من الأخطاء وقد وقع كثيرون فى فخ نتائجها عقب إجراء الانتخابات، وقد نصح القراء بأن لا ينساقوا كثيرا ولا يصدقوا بشكل كلى نتائج هذه الاستطلاعات، والنصائح ليست فقط للقراء بل ومن يقومون على هذه الاستطلاعات عليهم تحرى الدقة فى البيانات والعينات المستخدمة من أجل الوصول إلى نتائج تقل بها نسبة الخطأ قدر الإمكان وتكون ومتوافقة مع الواقع حولها.
***
يختتم الكاتب بما يقوله السيد «ميرينجوف» حول استطلاعات الرأى وأهمية ما تقوم به؛ فيؤكد بأن رغم كل ما حدث فلا تزال هذه الاستطلاعات هامة وضرورية، ولكنها تقوم فقط بتقديم رؤية للحملة الانتخابية، ورغم ذلك النقد الموجه الآن إليها فمن دونها يضيع المواطنون.
النص الأصلى