انتهت المشاركة المصرية فى مونديال روسيا 2018 بخسارة المباريات الثلاث كلها، والخروج من الدور الأول خروجًا مهينًا ومحبطًا، ولا يتناسب أبدا أبدا مع الدعاية الهائلة والحشد الإعلامى المرعب الذى سبق هذه المشاركة، وبصورة رفعت سقف الآمال وسط الجماهير إلى درجة لا تصدق!
كان الأداء سيئا للغاية (باستثناء المباراة الأولى أمام الأوروجواى) وحدثت تحولات دراماتيكية قبل وأثناء المباريات (تحديدا قبل مباراة روسيا.. وبعدها) أدت فى النهاية إلى أن يحتل منتخبنا الوطنى المركز قبل الأخير فى ترتيب الفرق الـ 32 المشاركة فى منافسات كأس العالم 2018! ولولا هزيمة بنما الثقيلة أمام منتخب إنجلترا بنصف دستة أهداف لكنا تربعنا على عرش المركز الأخير دون منازع!
وقع الهزيمة الثقيلة والنتائج المخيبة للآمال والخروج المهين كان كاسحا وعنيفا وصاحبه ردود أفعال عنيفة أيضا ومتطرفة من جانب جماهير مصدومة ومحزونة ومحبطة!
تابعت المباريات الثلاث شأنى شأن الملايين من المحبين لكرة القدم والمشجعين بجنون لمنتخب بلدهم، مع الوعى دائما بحدود إمكاناتنا وقدراتنا؛ ورحم الله من أدرك حاله وعدّ غنمه وطمح إلى ما يتناسب مع قدراته الواقعية وليس أحلامه المفرطة أو أوهامه الخيالية! العقل والمنطق يقول إن منتخبنا لم يكن بتلك الدرجة من السوء وقلة الخبرة وضعف الإمكانات التى تصل به إلى هذا الخروج المهين (راجع مباراة الأوروجواى!)؛ لا على مستوى ومهارات اللاعبين الفردية، ولا حتى بما يتناسب مع نتائج المنتخب فى سنواته الأخيرة! أقصد أنه ليس المنتخب الذى يخسر ثلاث مباريات دفعة واحدة، هكذا! أبدا!
لا أدعى أبدًا أننى ناقد رياضى متخصص أو محلل كروى متفرغ؛ إنما فقط محب ومشجع ومتذوق للعبة جماعية جميلة تقوم على تضافر عناصر عدة أولها احترام المجهود والبذل فى الملعب، وثانيها أنها تعطيك بقدر ما تحترمها وبقدر التعب الذى تقدمه! لكنى أحاول فقط أن أفهم وأفسر أسباب هذا الخروج المهين؛ بعيدًا عن العواطف والمشاعر والانفعالات السيالة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع!
فقط مجرد ملاحظات أو هوامش على ما جرى؛ أوجزها فيما يلى:
أولا: ضعف الإعداد الفنى والبدنى والنفسى للاعبين، ولم ينتبه أحد إلى نتائج المباريات الودية التى قلل الخبراء منها واعتبروها غير ذات مؤشر ولا دلالة على أدائنا فيما بعد!
ثانيا: انشغل القائمون على كرة القدم فى مصر (اتحادًا وإدارة منتخب) بحصد غنائم المشاركة فى كأس العالم على حساب وجودنا ذاته فى المونديال الكبير! هلل وصفق الجميع لوصولنا لكأس العالم بعد غياب 28 عامًا، وبدلا من التركيز والإعداد الجيد والتخطيط السليم انشغل «المتطلعون» بالدعاية والبرامج والإعلانات وحملات الرعاية، ومناكفة لاعبنا السوبر الوحيد محمد صلاح، وافتعال أزمات لا لزوم لها ولا أول ولا آخر مع اللاعب الذى كان ذنبه الوحيد أنه «محترف بحق وحقيقى»، وليس لاعبا هاويا على ما تُفرج!..
بدا أن الجميع يهرول للحصول على أكبر نصيب من كعكة الغنائم (لا أستثنى أحدًا، مسئولين وإداريين وأعضاء اتحاد الكرة، والمدرب، واللاعبين الذين انشغل أكثر من نصفهم بالإعلانات والدعاية!!).
ثالثا: كل من تابع المباراة الأولى مع الأوروجواى ونصف المباراة الثانية مع روسيا يدرك أن لحظة التحول الدراماتيكية فى كل ما جرى كانت فى الدقيقة التى أحرز فيها أحمد فتحى الهدف الأول بالخطأ فى مرمانا. وكأن مبنى شاهقا قد تداعى من جذوره! وظهر للجميع أن هذا الانهيار المرعب سببه الأساسى غياب الإعداد والتأهيل النفسى من بابه!
رابعا: ترتب على ما سبق، مع عوامل وتفاصيل أخرى معلومة للجميع، أن أدى اللاعبون المباراة الأخيرة أمام السعودية بغياب أى دافع للانتصار أو الفوز أو حتى اللعب بشكل جيد؛ وبغض النظر عن خسارة المباراة بهدفين لهدف كان الأداء سيئا بصورة مرعبة، لم يكن أبدا أداء منتخب ولاعبين يدافعون عن كرامتهم الكروية المهدرة!
وأخيرًا آن وقت الحساب.. لا بد من فتح الملفات كلها؛ كلها، ومحاسبة اتحاد الكرة وأعضائه ويجب ألا ننصرف عن الأمر ونهمله لمجرد أن رئيسه الموقر قد ظهر فى مؤتمر صحفى يواجه فيه النتائج الكارثية بتحد صارخ للرأى العام وتصريحات غير مقنعة ويدخل على الخط أحد أعضاء الاتحاد الذى يتلذذ بعداوة الرأى العام فى مصر وإهانته!
لا بد من محاسبة إدارة المنتخب الهزيلة الكسيحة؛ لا بد من كشف أخطاء وتخاذل بعض اللاعبين؛ ويجب أن يخرج منهم من يريد أن يحافظ على كرامته وتاريخه ومصداقيته ويتحدثون بصراحة عما جرى من مهازل وخطايا فى الكواليس، وأن يكشف للرأى العام ما تردد على انخراط لاعبين فى ممارسة أنشطة إعلامية وإعلانية فى غرف الإقامة مقابل مبالغ مالية!
لا بد من ذلك كله.. ولو من باب الأمنيات والتنفيس!
كلمتين وبس:
فى كتابه «جنون المستديرة» (صدرت ترجمته العربية عن دار العربى للنشر والتوزيع وبتوقيع محمد عثمان خليفة)، يرى الكاتب والصحفى المكسيكى «خوان بيورو» أن الرياضة صورة راقية من صور الشغف، وتفريغ للشحنات العاطفية الوجدانية فى مجتمعاتنا المعاصرة، وهو يخرج كل طاقاته فى أنماط التشجيع؛ الأولتراس، العنف، الهتافات، وبقية أشكال تفريغ الطاقات المكبوتة فوق كراسى المدرجات.
ويقول الكاتب الروائى الجنوب إفريقى جون كوتزى «هل الرياضة ببساطة هى كالخطيئة: يستهجنها المرء لكنه يتوق إليها بدافع من ضعفه البشرى؟». يبدو أن الإجابة هى نعم.. فنحن بشر!