بين بيروت 1982 وحلب 2016 - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:43 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين بيروت 1982 وحلب 2016

نشر فى : الأربعاء 30 نوفمبر 2016 - 8:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 30 نوفمبر 2016 - 8:50 م
نشر مركز كارنيغى للشرق الأوسط وجريدة الحياة مقالا للكاتب يزيد صايغ حول مصير النزاع السورى عقب انتخاب الجمهورى دونالد ترامب ومقارنة وضع منظمة التحرير الفلسطينية ببيروت وقت الحصار الإسرائيلى عام 1982 بوضع حلب عام 2016، والوضع السورى الحالى بشكل عام.

يبدأ «صايغ» بالقول إن لحظة الانتظار قد تبددت لدى من علقوا الآمال أو المخاوف حيال المرحلة التالية من النزاع السورى، على حصيلة الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لكن مصير حلب لن ينتظر، بغض النظر عن المقاربة التى قد تنتهجها إدارة دونالد ترامب، حالما تُمسك بزمام السياسة الخارجية فى الشهور الأولى من العام 2017.

وفيما تُثابر المعارضة فى محاولاتها رفع الحصار عن الجزء الشرقى من حلب، يشير وصول التعزيزات الجوية والبحرية الروسية إلى شرق المتوسط وإطلاق القوات الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد حملة قصف شديدة، إلى تدشين مرحلة تصعيد عسكرى جديد.

لكن، وبدلا من أن تنشط روسيا لتمكين نظام الأسد من شق طريقه بالقوة إلى قلب الأحياء التى تسيطر عليها المعارضة، يبدو أن آمالها تنصب على محاولة تجنب الغرق فى لجج معركة مُكلفة وطويلة، عبر استخدام هراوة الضغط لحمل المعارضة على إخلاء المدينة.

هنا، يوفر الحصار الإسرائيلى لبيروت فى صيف 1982 مقارنة وثيقة ولافتة للخيارات التى تُواجه المحاصِرين والمحاصَرين فى حلب عام 2016؛ فقبل 34 عاما سعت إسرائيل إلى كسر ظهر الحركة الوطنية الفلسطينية فى الضفة الغربية وغزة المحتلتين، عبر إنزال هزيمة مجلجلة بمنظمة التحرير الفلسطينية التى كانت مطوقة فى بيروت. وبالمثل، تسعى روسيا الآن إلى كسر ظهر المعارضة السورية عموما، من خلال إلحاق الهزيمة بالجماعات المسلحة فى حلب. لكن، ثمة مشكلة هنا: فنظام الأسد يفتقد إلى العديد والمعنويات لتنفيذ المهمة الشاقة والمضنية المُتمثِلة فى تطهير الأحياء المعمَرة والآهلة بالسكان. وكما كان الأمر مع الجيش الإسرائيلى، الذى لم يشأ الغرق فى أتون حرب شوارع فى بيروت عام 1982، تستخدم روسيا مزيجا من القوة النارية المركَزة والإمساك بخناق إمدادات المواد الغذائية والماء والكهرباء، ومن العروض الدورية لتوفير ممرات آمنة للمدنيين والمقاتلين، بهدف حمل خصمها ــ المعارضة المسلحة السوريةــ على الإذعان وقبول إخلاء حلب بلا شروط.

يشير «صايغ» إلى أنه فى المقابل، تبدو المهام العسكرية المقبلة المُلقاة على عاتق المعارضة المسلحة مُهيبة، خاصة بعد أن أعلن المستشار الإنسانى فى الأمم المتحدة «جان إيغلاند» فى 18 نوفمبر، أن المساعدات الغذائية الدولية لنحو 275 ألف مواطن سورى قابعين تحت وطأة الحصار، قد نفدت. وهذا لن يفعل شيئا سوى مفاقمة التحدى السياسى الذى يواجه المعارضة. فماذا يمكنها أن تفعل؟ قد تختار إطالة المقاومة ضد صولات الهجوم الضارى، بأمل رفع منسوب الضغط الدولى على روسيا، سواء للتوصل إلى وقف طويل لإطلاق النار وتوفير تدفق المساعدات الإنسانية، أو لانتزاع مكاسب سياسية ملموسة فى مقابل الإخلاء. لكن، هل يمكن حقا أن يقوم على أرض الواقع ضغط دولى فعال فيما تتوالى مؤشرات لا تخطئ طيلة هذا العام أو أكثر عن تراجع الدعم الإقليمى للمعارضة السورية، وفيما تتزايد احتمالات التراجع الحاد فى مستوى الانخراط والدعم الأمريكيين؟ لا بل ثمة ما هو أهم: هل ستُساوى حتى أفضل المكاسب السياسية التى قد تقطفها المعارضة فى مقابل مغادرة حلب، التكلفة المادية والرمزية التى ستدفع؟

واجهت منظمة التحرير الفلسطينية معضلة مماثلة فى بيروت عام 1982، فهى أدركت منذ بداية الحصار الإسرائيلى أنه سيتعين عليها إخلاء العاصمة اللبنانية، لكنها قررت الصمود أملا فى حصد أفضل الشروط السياسية. بيد أن الدول العربية لم تُبدِ استعدادا لمواصلة خوض غمار الدبلوماسية لصالح المنظمة، بعد أن رفضت الولايات المتحدة مناقشة أى شىء عدا سيناريوهات إخلاء المدينة. وفى هذه الأثناء، كانت سوريا، تضع أولوياتها الخاصة: فهى وافقت بسرعة على وقف إطلاق النار مع الجيش الإسرائيلى، وأوقفت بعد ذلك مرور المتطوعين والأسلحة عبر أراضيها إلى منظمة التحرير. وحين أدرجت فرنسا مشروع قرار فى مجلس الأمن الدولى يدعو إلى انسحاب متبادل لإسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية مارست الولايات المتحدة حق الفيتو ضده. وقد وافقت واشنطن لاحقا على اقتراح مشترك فرنسى مصرى يربط حصار بيروت بتسوية المسألة الفلسطينية، لكنها سرعان ما أجهضته أيضا عبر طرح مبادرة دبلوماسية منافسة، ما لبثت أن تخلَت عنها فعليا أيضا. وهكذا، وبعد تبخُر احتمال حصد المكاسب الدبلوماسية، ومع تصاعد وتائر القصف الإسرائيلى قررت منظمة التحرير فى خاتمة المطاف مغادرة بيروت.

***

وفيما يتعلق بالمعارضة السورية، فعلى رغم تمتعها على مدى السنوات الأخيرة بدعم مالى ودبلوماسى سخى من الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبى، والدول الخليجية الرئيسية، إلا أنها الآن فى موقع يُشبه كثيرا ذلك الذى علقت منظمة التحرير بين براثنه. بالطبع هناك فروقات جلية بين الحالتين: فالمعارضة تقاتل كليا على أرضها، فيما واجهت منظمة التحرير الفلسطينية دعوات من معظم حلفائها اللبنانيين للمغادرة حالما أطبق الجيش الإسرائيلى على بيروت فى العام 1982. علاوة على ذلك، فى حين غادرت كل قوات منظمة التحرير لبنان بحلول نهاية العام 1983، سيكون فى مقدور مقاتلى المعارضة المنسحبين من حلب التجمُع ثانية فى مناطق محاذية فى سوريا، كريف حلب ومحافظة إدلب.

بيد أن مضاعفات إخلاء حلب ستكون أكثر خطورة بما لا يقاس على المعارضة السورية، من خطوة مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية لبنان، فهذه الأخيرة أعادت توجيه جهودها نحو بناء حركة قاعدية واسعة وفرت العمود الفقرى للانتفاضة الأولى التى نشبت فى الضفة الغربية وغزة العام 1987، والتى مهدت الطريق إلى إجراء أول حوار مباشر بين المنظمة والإدارة الأمريكية فى العام التالى. أما بالنسبة إلى المعارضة السورية، سيدفع سقوط حلب الداعمين الخارجين إلى الحد من مساعداتهم، فى الوقت الذى ستُطلَق يد قوات النظام وستتوافر لها منصات وثوب إلى ما تبقى من مناطق المعارضة.

***

فى ضوء كل هذه المعطيات، سيكون السؤال حول ما يتعين القيام به من بين أصعب التحديات التى ستُواجه المعارضة السورية، خاصة الجماعات الموجودة الآن فى حلب، فقرار مغادرة بيروت عام 1982 تم إقراره بالإجماع بين فصائل منظمة التحرير، ومع ذلك أدى إلى تمرد داخلى استنزافى، وإلى حرب أهلية دامت ستة أشهر وخلفت وراءها نحو 400 قتيل فى السنة التالية. المنظمة حافظت على بقائها، ولكن فقط عبر التخلى عن الخيار العسكرى والانخراط، ببطء فى خضم العمل الدبلوماسى. وبالمثل، قد يكون قرار مغادرة حلب أكثر مدعاة للانقسام فى صفوف المعارضة السورية، وقد يؤدى حتى إلى عنف طاحن، كما دلت حلقات الاقتتال الداخلى المتكررة داخل جيوب المعارضة المحاصرة ــ بما فيها حلب طيلة هذا العام.

المخاطر إذا أمام المعارضة ضخمة بالفعل، وقد يحدد القرار بشأنها مصير التمرد المسلح برمته. صحيح أن وضع المدنيين العالقين فى حلب قد يفرض نفسه على المعارضة، لكن النزاع السورى اتسم بحالات عديدة من الحصار المديد، وبالتالى فإن الإخلاء ليس مسألة حتمية، أو على الأقل ليس وشيكا، فقد تنحو حلب نحو المسار الذى سبقها إليه مخيم اليرموك الفلسطينى فى دمشق والبلدات الأربع مضايا والزبدانى والفوعة وكفريا، التى شملها وقف إطلاق النار واتفاقات الإخلاء فى سبتمبر 2015، لتدخل رغم ذلك فى حالة النزاع المعلق.

***

يختتم الكاتب بأنه مهما طال أمد صمود المعارضة فى حلب، سيكون الاحتمال ضعيفا للغاية أن يمد الداعمون الدوليون يد العون، خاصة بعد انتخاب ترامب. من الناحية الإيجابية، قد يدفع ذلك بروسيا إلى تخفيض وتيرة عملياتها القتالية فى حلب بتوقع أن إدارة ترامب لن تقاومها فى سوريا على أى حال، ما يسمح لها بتقليص التكلفة غير الضرورية والتركيز على أهداف ميدانية أخرى. ولكن من الناحية السلبية، ربما تستطيع المعارضة تأجيل بت مصير المدينة، لكن هذا يؤكد، بدل أن يحل، حقيقة افتقادها إلى استراتيجية بقاء قابلة للحياة، فضلا عن انعدام إمكان تحقيقها النصر.

النص الأصلى:
التعليقات