لم تكن زيارات أم كلثوم لفلسطين مجرد حفلات غنائية عابرة، بل كانت جزءًا من حكاية أكبر تربط الفن بالهوية والصراع، قبل إعلان قيام دولة الاحتلال بعقدين، كانت حفلة الست ما زال أثرها باقيًا إلى الآن حتى بعد وفاتها بخمسين عامًا.
أم كلثوم فى فلسطين
زارت أم كلثوم فلسطين لأول مرة عام 1928، حيث غنَّت فى مسرح «عدن» بالقدس أمام جمهور غفير، ثم توالت زياراتها بين 1931 و1935، وأحيت حفلات فى فلسطين وصفتها الصحف الفلسطينية حينها بأنها «زيارة تاريخية» اجتذبت جمهورها من المدن والقرى المجاورة.
لكن حفل حيفا 1931، كان مميزا، حينها استُقبلت بحفاوة من رئيس البلدية حسن بك ووجهاء فلسطين، وكانت هذه الحفلات جزءًا من مشهد ثقافى نابض؛ حيث كانت المدينة مركزًا إبداعيًا يجمع بين المسرح والأدب والموسيقى. فى ذلك الوقت كان الانتداب البريطانى على فلسطين يقمع الحفلات الفنية نظرًا لكونها تُعتبر شكلاً من أشكال المقاومة الثقافية.
وعلى مسرح «الانشراح» فى حيفا، وقفت أم كلثوم تُغنى قصيدة «أفديه إن حفظ الهوى»، وبينما كانت تُطلق العنان لصوتها الجهورى، صعدت سيدة من الحضور تُدعى «أم فؤاد» إلى المسرح وهتفت بعفوية: «أنتِ كوكب الشرق»، وتناقلت الصحف حينها ذلك اللقب وظل مقترنًا بالست من حينها إلى الآن، وهو الأمر الذى أكده الكاتب اللبنانى سليم نسيب، فى كاتب سيرة أم كلثوم.
الغريب أن تلك المرأة المجهولة التى لم تجر الصحف معها لقاءات حول ذلك اللقب العفوى، لم يذكر عنها أى معلومات غير أنها أصبحت نازحة فى معسكرات اللجوء على الحدود الفلسطينية السورية فى أعقاب النكبة.
فى حين تذكر روايات أن ذلك اللقب الذى رافق أم كلثوم، أطلقه عليها المذيع محمد فتحى الشهير بكروان الإذاعة، الذى كان ينقل حفلاتها على الهواء مباشرة طوال فترة الأربعينيات، وكان يقصد بذلك تميزها عن غيرها من النجوم بأنها أكبر من نجوم الشرق، وهى المركز، وهم تابعون لها فكان اسمها «كوكبا» للشرق.
وظل أثر أم كلثوم صاحبة «أصبح عندى بندقية» فى فلسطين باقيًا بعد 48 عامًا من رحيها، ففى يوليو 2020 صدر قرارًا عن بلدية حيفا بإطلاق اسم «أم كلثوم» على أحد شوارع المدينة بالقرب من المسرح الذى صدحت فيه، وسط غضب إسرائيلى نظرًا لجهودها فى التبرع بسخاء لخدمة المجهود الحربى ضد الاحتلال.