طُرح مؤخرا في دور العرض السينمائي فيلم "فيها إيه يعني" بطولة ماجد الكدواني وغادة عادل وأسماء جلال ومصطفى غريب وميمي جمال، ومن تأليف وليد المغازي ومصطفى عباس ومحمد أشرف، وإخراج عمر رشدي حامد.
تدور أحداث الفيلم في إطار اجتماعي كوميدي، حول المهندس صلاح، رجل خمسيني متقاعد، يعيش حياة هادئة مع ابنته وزوجها وحفيدته المراهقة، ولكن تظهر شخصية تحرك المياه الراكدة وتغير مسار حياة صلاح، حيث يستعيد ذكريات شبابه ويتمنى أن يصلح الخطأ الذي ارتكبه في الماضي، ولكن يقع بين خيارين في غاية الصعوبة.
يقدم صناع الفيلم قصة رومانسية وأسرية تبتعد عن المبالغة في الأداء أو الأحداث، ويتسم العمل بالهدوء والميل نحو تقديم جماليات بصرية نابعة من المكان، عبر الاستعانة بمنطقة مثل مصر الجديدة لتكون مقر الأحداث الرئيسي، وصوتية، عبر اختيار مقطتفات من أغاني كلاسيكية شهيرة لتعبر عن الحالة النفسية للشخصيات، مثل: أهواك لعبد الحليم حافظ، وبحلم معاك لنجاة، بالإضافة إلى أغنية صنعت خصيصا للفيلم، لكي تعبر عن أجواء الفيلم وحالة الحنين للماضي التي يعيشها البطل، بعنوان "نسرح في زمان"، كلمات سارة سعيد وألحان هيثم نبيل، والوايلي، وغناء حميد الشاعري.
واختيار حميد الشاعري، كصوت في الفيلم، جزء لا يتجزأ من الاختيار الجيد لكاست العمل ككل، حيث يمثل الشاعري بصوته حالة من الحنين لفترة زمنية معينة، مثل حالة الأبطال الشعورية في العمل.
يغوص الفيلم في أعماق العلاقات الأسرية والخيارات الصعبة التي تفرضها الحياة في منتصف العمر، وإن كان بسيطًا في طرحه، لكن يحمل بين طيّاته أسئلة ثقيلة حول الحب، الندم، والواجب، ويفعل ذلك بروح خفيفة مبتعدا عن التكلف أو العمق الزائف.
والقصة تسير بخط واضح، و توظف ذكريات الماضي كمرآة تعكس واقع الشخصية الرئيسي، وتُظهر مدى هشاشة الإنسان حين يُجبر على الموازنة بين مشاعر لا تموت، ومسئوليات لا يمكن التخلّي عنها، حيث يختار صلاح بين كونه حبيب يحتاج إلى زرع الثقة في قلب حبيبته القديمة وبين مسئولية الأبوة.
وأداء بطل الفيلم يُحسب له ضبط إيقاع الشخصية بين الهدوء الظاهري والعاصفة الداخلية، تمكن من إيصال الصراع النفسي دون مبالغة أو تصنع، بينما كانت شخصية الابنة محورًا قويًا أضاف عمقًا دراميًا للفيلم، خاصة في تعاملها مع أثر فقدان والدتها، وتجسّد "تروما" الفقد بذكاء عاطفي، جعل من مشاهدها مساحة حقيقية للتعاطف.
وعلى الرغم من أن العمل يبدو شديد الرومانسية، وبه موضوعات معقدة مثل الخوف من الفقد، إلا أن نغمته الكوميدية لم تغب، بفضل اختيار مصطفى غريب لتقديم شخصية زوج الابنة، والإخراج لعب دورًا حاسمًا في توجيه نبرة الفيلم بين الكوميديا والدراما، دون أن يفقد أحد الجانبين توازنه، وأيضا على مستوى آخر، التنقل بين المشاهد اليومية الهادئة ولحظات المواجهة العاطفية.
"فيها إيه يعني" ليس فيلمًا يسعى لقلب المفاهيم أو تغيير قواعد السينما، لكنه فيلم يعرف تمامًا ما يريد أن يقوله، ويقوله بلغة صادقة، إنسانية، وسهلة، عبر حبكة كُتبت بتسلسل درامي منطقي، يطرح أسئلة قد لا تكون إجابتها سهلة، لكنه يُذكّرك بأن الحياة لا تُعاش بقرار واحد، بل بسلسلة من الخيارات، كلّها تقريبًا مؤلمة لطرف ما، لكن ضرورية.
كل هذه الأمور تجعل الفيلم مناسب للجمهور العام بمختلف أفراد الأسرة، لأنه يناقش أكثر من موضوع، الحب، والعلاقة الأبوية، والحنين للماضي، وأهمية الطب النفسي لتصحيح المسار، ووجود الحفيدة وعلاقتها بالجد، تجعله مناسب أيضا للأجيال الصغيرة.