أثار تداول اسم المترجم البريطاني رافائيل كوهين خلال الأيام الماضية جدلا واسعا في الأوساط الثقافية، بسبب بعض معارضة البعض تواجده ضمن لجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ لعام 2026، والتي تمنحها دار نشر الجامعة الأمريكية.
وبدأت موجة كبيرة من الهجوم على لجنة تحكيم الجائزة، وعلى الجامعة الأمريكية، وصل الأمر إلى وصف البعض المترجم المخرم عضو لجنة تحكيم جائزة بانيبال، بالصهيوني والجاسوس!
الرد الأول من لجنة تحكيم الجائزة
وجاء الرد الأول من لجنة التحكيم عبر أحد أعضائها وهو الكاتب الصحفي سيد محمود، حيث قال في تصريحات خاصة ل «الشروق» إن كل أعضاء لجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ علي وعي بالفارق بين اليهودي، والصهيوني.
كان هذا الدفاع الأول من لجنة التحكيم عن وجود كوهين في اللجنة، ولكن الأمر لم يهدأ حيث هبت عاصفة أكبر من الهجوم والانتقاد، وطالب العديد من الكتاب والمثقفين ببيان رسمي من الجامعة الأمريكية أو من لجنة التحكيم لتوضيح الموقف.
المطالبة ببيان توضيحي ودعوة لمقاطعة الجائزة
ممن طالبوا ببيان توضيحي من لجنة تحكيم الجائزة الكاتبة الدكتورة هالة فودة، التي قالت إنها لم تسمع به من قبل، وطالبت بإصدار بيان رسمي من إدارة الجائزة يوضح حيثيات اختياره وإسهاماته الفكرية والأدبية، وحقيقة ما تردد عن سابقة طرده من مصر، وكيف عاد إليها الآن.
وعبر حسابات بعض المثقفين نُشر مقال للشاعر أحمد الشهاوي بجريدة السفير اللبنانية عام 1996 يتهم فيه كوهين صراحة بالصهيونية، والتجسس، وكيف أنه خدع المثقفين المصريين، والذي تبعه آنذاك تحقيق للكاتب الصحفي وائل عبدالفتاح عبر "الحياة" اللندنية أكد فيها المثقفون أن كوهين معاد لدود للصهيونية، وأشادوا بإسهاماته في ترجمة أعمال أدبية وشعرية مميزة على رأسها قصائد لأمل دنقل بعد استئذان قرينته عبلة الرويني صاحبة المواقف المتشددة من الكيان الصهيوني، فضلا عن عمله لسنوات في الأهرام ويكلي.
بيان رسمي من الجامعة الأمريكية
عد موجة الجدل أصدرت دار نشر الجامعة الأمريكية المانحة للجائزة بيانا رسميا بشأن ما تداولته بعض المواقع الصحفية والصفحات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي حول أحد أعضاء لجنة التحكيم في جائزة نجيب محفوظ للأدب لعام 2026، على حد وصف البيان.
وأوضحت دار نشر الجامعة في بيانها أن رافائيل كوهين، عضو لجنة التحكيم، مواطن بريطاني لا يحمل أي جنسية أخرى، ويقيم في القاهرة منذ عام 2006.
وذكرت أنه ناشط في مجال السلام العالمي، وكان عضوًا في حركة التضامن العالمية (International Solidarity Movement) (ISM)، وهي منظمة سلمية تدعم القضية الفلسطينية.
شهادات وروايات تحسم الجدل
في مواجهة الهجوم والتشكيك دافع العديد من المثقفين والكتاب والأكاديميين عن رافائيل كوهين، وعن لجنة تحكيم الجائزة، مؤكدين أن الرجل ليس صهيونيا، وأنه داعم كبير للقضية الفلسطينية، وممنوع من دخول الأراضي المحتلة.
إيمان مرسال: عودة التخوين الثقافي
عبر صفحتها الشخصية حذرت الدكتورة إيمان مرسال من عودة التخوين الثقافي للمشهد، وذلك عبر صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قائلة:
"تصحو المواطنة من النوم لا بها ولا عليها، تلاقي الزمن رجع إلى سنة ٩٦ - ٩٧ حيث روزاليوسف تتهم الجميع بأنهم عملاء، والدستور تتهم الجميع بأنهم جهلاء."
وأكدت مرسال في منشورها أنه ما لو كان أحدا قرأ هذا التاريخ الأسود، كان من ممكن أن لا يكون هنالك قصة اليوم.
مختتمة حديثها: "ثقافة ماعندهاش ذاكرة، و للأسف، دائما ما نبدأ من نفس النقطة."
دينا سمك: سرد سيرة كوهين دفاعا عنه
فيما نشرت الكاتبة دينا سمك مقالا مطولا عبر صفحتها الشخصية على"فيسبوك" يوضح من هو رافائيل كوهين، مفندة الاتهامات التي وجهت له، مدافعة عنه، وموضحة كونه أحد الداعمين الكبار للقضية الفلسطينية، حيث كتبت:
"بأي معيار من معايير العقل أو العدالة، يجب أن تثير الحملة الأخيرة التي وصف فيها رافائيل كوهين بأنه "صهيوني" و"جاسوس" قلق كل من لا يزال يؤمن بأن للحقيقة معنى، وللتضامن وزن.
فما حدث ليس مجرد تشويه لرجل، بل هو تدليس بكل ما في الكلمة من معنى. قلب للنور إلى ظلمة، وللصديق إلى خصم، وللشجاعة إلى شبهة. الحقيقة ليست وجهة نظر والاكاذيب ليست رأيا نتعامل معه برفق."
وأكدت أن رافائيل كوهين ليس صهيونيا، بل هو واحد من القلة النادرة من الغربيين الذين وجهوا امتيازهم ضد الإمبراطورية نفسها فس وقت لم يكن ذلك سهلا أو ممكنا.
وسردت المزيد عن هوية كوهين: ولد في برايتون لأب يهودي من حيفا، وأم من شرق أوروبا، ونشأ بين لغات ثلاث وثقافات متداخلة: العبرية والعربية والألمانية، مع مسحةٍ فرنسية من قراءات أبيه، وأنه ومنذ بداياته، كان يرى في اللغة جسرا بين البشر لا سلاحا ضدهم.
وتابعت أنه درس الدراسات الشرقية في جامعة أكسفورد، ثم تخصص في الأدب العربي بجامعة شيكاغو بعد حصوله عن منحة دراسية هناك، بعدها استقر في القاهرة وعمل محررا ومترجما في الأهرام ويكلي التى كان يرأس تحريرها حسني الجندي ويديره هاني شكرالله.
وأكملت أنه في مطلع التسعينيات ترجم قصائد شعراء مصر الغاضبين مثل أمل دنقل، وأحمد طه الذين كتبوا ضد التطبيع وضد كل ما تمثله الصهيونية من إلغاء للعدالة والكرامة وصرخ معهم في وجه المطبعين: لا تصالح!
وشددت أنه وبعد الانتفاضة الثانية وقمعها وانهيار أي أمل في أي سلام حتى لو لم يكن عادلا، قرر راف - كما يعرفه اصدقاءه - أن يقف موقفا فعليا لا رمزيا، وانضم إلى حركة التضامن العالمية (ISM) — وهي حركة فلسطينية تقود مقاومة الاحتلال بوسائل سلمية مباشرة.
وأنه في عامي 2002 و2003 كان هناك، في الضفة الغربية ثم غزة، لا يتحدث عن المقاومة والتضامن من بعيد، بل يمارسهما ويعيشهما فعلا: يحمي المزارعين من اعتداءات الجنود، ويوثق الجرائم، ويواجه البنادق بجسده وروحه؛ حتى أبعد تماما، وصار ممنوعا من دخول الأراضي المحتلة إلى الأبد، مؤكدة أنه لا يتاجر بما يفعل.
وتساءلت دينا سمك في تعجب:"الآن، إذا كان هذا صهيونيا، فما تعريفكم للصهيونية إذن؟"
واختتمت دينا سمك منشورها قائلة إنه من المشروع تماما أن ننتقد سياسات الجامعة الأمريكية، أو أن نرفض نزعة العولمة الأدبية التي تفرغ الأدب العربي من سياقه المحلي لتجعله مقبولا في الغرب.
لكنها أكدت أنه من غير المنطقي أن يكون كوهين هو كبش الفداء، مشددة مرة أخرى أن رافائيل كوهين ليس صهيونيا، بل إنه مترجم، ومثقف، وناشط من أجل فلسطين الحرة.
شهادة دفاع عن كوهين من فلسطين
فيما كتب الصحفي الفلسطيني يوسف الشايب تعليقا على أحد المنشورات بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، يدلي فيه بشهادته حول كوهين قائلا:
"من فلسطين أوضح أن رفائيل كوهين هو ناشط وعضو في حركة التضامن الدولية (ISM)، وهي منظمة بارزة تكرس جهودها لدعم القضية الفلسطينية، وكان متواجدا مع الناشط البريطاني توم هورندال في رفح عندما أطلق عليه قناص إسرائيلي النار في أبريل 2003، وأدلى بشهادته حول الحادثة مؤكدا أن هورندال كان يحاول مساعدة أطفال فلسطينيين على الابتعاد عن مرمى النيران، وفي عام 2009."
وتابع الشايب في تعليقه أن كوهين ربح قضية تشهير ضد صحيفة "جويش كرونيكل" التي اتهمته زورا بـ"إيواء انتحاريين بريطانيين"، وتبرع بجزء من التعويض المالي الذي حصل عليه لصالح حركة التضامن الدولية.
وأكد أنه لطالما عبر كوهين عن دعمه لفلسطين وقضيتها، معتبرا أن "الاحتلال" هو "الوجود الصهيوني في فلسطين".
وأكمل الشايب في تعليقه أن السلطات الإسرائيلية ووسائل الإعلام الموالية لها تتهم حركة التضامن الدولية بأنها ليست منظمة سلام حقيقية، بل واجهة لدعم ما تسميه "الإرهاب" والتحريض ضد إسرائيل، وترى أن أنشطة الحركة، مثل التواجد في مناطق الاحتكاك، تعرقل عمليات الجيش وتشكل خطرا أمنيا.
بيان رسمي للجنة تحكيم الجائزة يشارك فيه كوهين
واليوم؛ أصدر أعضاء لجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ للأدب لعام 2026 بيانا رسميا، ردّا على الجدل الذي أثير خلال الأيام الماضية بشأن عضوية المترجم البريطاني رفائيل كوهين في اللجنة، بعد انتقادات طالت الجامعة الأمريكية بالقاهرة، الجهة الراعية للجائزة.
وقالت اللجنة في بيانها إنها تابعت ما أثير حول هوية رافائيل كوهين في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة تفهمها للاعتراضات والتساؤلات المطروحة، خاصة في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
وأوضح البيان أن أعضاء اللجنة يواصلون عملهم التطوعي في تحكيم الجائزة "حرصا على استمرارها ودعم دورها في تقديم الرواية العربية المعاصرة عبر الترجمة إلى الإنجليزية"، مشيرين إلى أن اختيار اللجنة يتم عبر قسم النشر بالجامعة الأمريكية، الراعي الرسمي للجائزة.
وأكد أعضاء اللجنة التزامهم بعدة مبادئ أساسية، من أبرزها دعم الحق الفلسطيني في الحياة ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ودعم حركة المقاطعة الفلسطينية، ورفض أي تعاون مع جهات أو أفراد من دولة الاحتلال ممن يؤيدون سياسات الإبادة والفصل العنصري التي تمارسها إسرائيل.
وأضاف البيان أن اللجنة تثمن المواقف المصرية والعربية الرافضة للتطبيع مع إسرائيل، وكذلك الحركات العالمية المناهضة للاحتلال والداعمة للحق الفلسطيني، مشددة على رفضها "ترديد خطاب الاحتلال الذي يخلط بين الديانة اليهودية والأيديولوجية الصهيونية العنصرية".
واختتم البيان بتوقيع أعضاء اللجنة: الدكتورة هدى الصدة (رئيسة اللجنة)، الدكتورة مي التلمساني، الكاتب سيد محمود، الروائي حمور زيادة، والمترجم رافائيل كوهين.
أزمة كوهين: أكثر من مجرد جدل
على خلفية ما سبق، تراجع عدد من المثقفين والكتاب والأكاديميين عن مواقفهم، وقدموا اعتذاراتهم للرجل وللجائزة ولأعضاء لجنة التحكيم، فيما ظل آخرون على موقفهم، متوعدين بكشف ما وصفوه بـ"السيرة المريبة" لكوهين.
كشفت الأزمة، في جوهرها، عن شرخ واضح في الأوساط الثقافية المصرية، وعن ميلٍ متكرر للتسرع في إطلاق الأحكام القطعية والتشكيك في الآخر، وأن الانقسامات الثقافية لم تعد استثناءً، بل واقعا يكشفه كل نقاش جديد خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.