رغم بساطته ووجوده الدائم في كل مطبخ، يُعدّ الملح أكثر من مجرد مُحسّن نكهة؛ فهو عنصر حيوي يلعب دورًا أساسيًا في بقاء الإنسان على قيد الحياة. إذ لا غنى للجسم عن الصوديوم، المكوّن الأساسي للملح، لدعم وظائفه الحيوية، من نقل الإشارات العصبية إلى تنظيم توازن السوائل.
لكن، وعلى الرغم من هذه الأهمية، قد يتحوّل الملح من داعم للصحة إلى خطر صامت يهدد الجسم، إذا تجاوزنا الحدود الموصى بها، سواء بالإفراط أو التفريط. فبين الإفراط الذي يرهق القلب والشرايين، والنقص الذي يربك الجهاز العصبي ويضعف التركيز، يقف الملح على خيط دقيق يفصل بين الفائدة والضرر.
* أكثر من مجرد نكهة
بحسب تقارير CNN، يُعتبر الملح ضروريًا للحياة، لأنه يتكوّن بشكل أساسي من الصوديوم، الذي يُعد أساسيًا لعمل الخلايا النشطة كهربائيًا مثل الخلايا العصبية والعضلية؛ فبدونه لا يمكن للجهاز العصبي أن ينقل الإشارات، ولا يمكن للعضلات أن تنقبض أو ترتخي، كما يُشكّل عنصرًا مهمًا لبنية الجلد والعظام.
ويؤدي غياب الصوديوم إلى مضاعفات خطيرة تبدأ بالارتباك وضعف التركيز وردود الفعل، وقد تنتهي بالنوبات أو الغيبوبة؛ لذلك يُعتبر نقصه في الجسم حالة طبية طارئة تُعرف بـ"نقص صوديوم الدم".
* الكمية الموصى بها
توصي منظمة الصحة العالمية بتناول نحو 5 جرامات من الملح يوميًا، أي ما يعادل ملعقة صغيرة تقريبًا، تحتوي على جرامين من الصوديوم. لكن تكشف الأرقام مفارقة واضحة، بأن متوسط الاستهلاك العالمي يصل إلى 11 جرامًا يوميًا، أي أكثر من الضعف.
وتُشير المنظمة إلى أن 1.89 مليون شخص يفقدون حياتهم سنويًا بسبب الإفراط في استهلاك الملح، من خلال أمراض القلب، السكتات الدماغية، أو الفشل الكلوي.
لكن بعض الدراسات ربطت أيضًا بين قلة الملح وزيادة خطر الإصابة بمشكلات في القلب والأوعية الدموية، في مشهد يعقّد الصورة ويؤكد أن المسألة ليست مجرد تقليل أو زيادة، بل الوصول إلى الحد المعتدل.
* لماذا نستمتع بالطعام المضاف إليه الملح؟
بحسب BBC، عندما تذوب بلورات الملح في اللعاب، تدخل أيونات الصوديوم إلى براعم التذوق وتُحدث شرارة كهربائية صغيرة تُحفّز الخلايا العصبية. وهذا التفاعل لا يمنحنا فقط مذاقًا لذيذًا، بل يثير أجسادنا وعقولنا، وربما لهذا السبب يجد كثيرون صعوبة في التكيّف مع طعام خالٍ من الملح.
* ماذا يحدث عند الإفراط في الملح؟
تشير الدراسات إلى أن إضافة خمسة جرامات إضافية يوميًا من الملح قد تزيد خطر أمراض القلب بنسبة 17%، والسكتات بنسبة 23%. وعلى المدى الطويل، يُساهم الضغط المرتفع الناتج عن الملح في تلف الشرايين وتصلّبها.
وعند تناول كميات زائدة من الملح، يحتفظ الجسم بالسوائل لتخفيف تركيز الصوديوم، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم. وهذه الزيادة تضغط على الأوعية الدموية، فإذا كانت ضعيفة، قد تنفجر مسبّبة سكتة دماغية.
* ماذا عن نقص الملح؟
في المقابل، يُحذّر بعض العلماء من أن تقليل الملح لأقل من الحد الأدنى قد لا يقلّ خطورة. وبحسب CNN، وجدت دراسة على أكثر من 170 ألف شخص أن تناول أقل من 7.5 جرامًا يوميًا ارتبط بزيادة مشاكل القلب والوفاة، سواء لدى مرضى الضغط أو الأصحاء، مقارنة بمن تناولوا كميات معتدلة (نحو 12 جرامًا يوميًا).
* تجارب عالمية لتأثير الملح
وتُؤكد التجارب الواقعية أثر الملح على الصحة العامة. ففي اليابان، تراجع استهلاك الملح من 13.5 جرامًا في الستينيات إلى 12 جرامًا، وانخفضت وفيات السكتات بنسبة 80%.
أما في فنلندا، فقد انخفض استهلاك الفرد من 12 إلى 9 جرامات بين السبعينيات وبداية الألفية، ما أدى إلى تراجع أمراض القلب والدماغ بنسبة تصل إلى 80%.
وفي بريطانيا، ساعدت السياسات الحكومية التي أجبرت شركات الأغذية على خفض الملح في منتجاتها على تقليص متوسط الاستهلاك من 9.5 جرامًا إلى 8 جرامات، لكنه ما زال أعلى من الحد الموصى به.
* الاعتدال هو الحل
تتفق معظم الآراء الطبية على أن الحل يكمن في المستوى المعتدل من الملح؛ فالمشكلة ليست في الملح ذاته، بل في الكمية. والاعتدال وحده كفيل بأن يجعل هذا العنصر البسيط حليفًا للصحة لا عدوًا لها، بدون إفراط يُرهق القلب والكلى ويرفع ضغط الدم، ولا تفريط يُخلّ بتوازن السوائل ويؤثر على الدماغ والأعصاب.
ولتحقيق ذلك، ينصح الخبراء بالاعتماد على الأعشاب والتوابل لتعزيز النكهة بدلًا من الملح، والبحث عن المنتجات قليلة الصوديوم مثل الخبز والمكرونة، إضافة إلى متابعة محتوى الصوديوم على الملصقات الغذائية.
كما أن تناول أطعمة غنية بالبوتاسيوم كالفواكه والخضروات والمكسرات قد يساعد على تخفيف الأثر الضار للملح الزائد.