أكد الأستاذ الدكتور محمد الجندي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أن جيل اليوم يواجه ضغوطا غير مسبوقة في ظل تنافسية شديدة على الفرص، وتطلع واسع للرفاهيات، بجانب الحاجيات الأساسية، فضلا عن تحديات فكرية ومعرفية خطيرة قد تتسلل خفية لتشكل الهوية، وتحدد الطموحات، وتتحكم في الوجهة؛ حتى يجد الشاب نفسه يلاحق سرابا لا ينتهي.
جاء ذلك خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للملتقى الثقافي للشباب، الذي ينظمه المجمع بالتعاون مع مجلس الشباب المصري للتنمية، بمركز الأزهر للمؤتمرات، تحت عنوان: (الشباب وتحديات العصر).
ولفت الجندي إلى أن وقوفه أمام الشباب وقوف أب شفوق يرى في عيونهم آمال الغد، ويستشعر في همتهم قوة المستقبل، موضحا أن عنوان الملتقى يعبر عن واقع متشابك ومستقبل يتطلب إعدادا جادا ورؤى واضحة، وأنه يخاطب في الشباب العقل المستنير والضمير الحي والهمة الوثابة، وأن الأمة الإسلامية تجاوزت على مر العصور تحديات كثيرة بفضل الله ثم بفضل سواعد أبنائها وشبابها الذين تحركهم طاقات الإيمان والعلم والعمل، وأن التحديات الراهنة، رغم اختلافها في صورتها، تحتاج إلى الروح والعزيمة نفسها التي تحلى بها أسلافنا.
وبين أننا نعيش عصرا تتعدد فيه مصادر المعرفة، وتتنازع فيه الروايات، وتروج فيه الشبهات في قوالب براقة، مما يجعل التمييز بين الحق والباطل ضرورة لا رفاهية، خاصة أن الانحراف الفكري هو أول خطوة أسقطت كثيرا من المجتمعات في هاوية سحيقة.
ووجه الدكتور محمد الجندي عدة رسائل مباشرة إلى الشباب؛ دعاهم فيها إلى تحصين عقولهم بالعلم النافع والمعرفة المنهجية؛ بوصفها الدرع الواقية ضد التضليل والأفكار الدخيلة، وإلى امتلاك وعي نقدي لا يقبل الأفكار على علاتها بل يسأل: «لماذا؟» و«كيف؟» و«ما الدليل؟»، ويحكم على كل معلومة بالعقل والحجة.
وشدد على ضرورة التمسك بالهوية والثقافة والقيم الدينية والوطنية واللغة والتاريخ والتراث؛ بوصفهم السياج الذي يحمي الشباب من الذوبان في ثقافات التغريب والاستهلاك، مؤكدا أن الانفتاح لا يعني التنازل عن الثوابت، وأن الانغلاق لا يغني عن الحوار، كما حث الشباب -عند الاختلاف في الرأي- على التحلي بعقل متفتح، والسعي لأفكار توسع الآفاق وتثري الفهم، دون الانجراف إلى جدل عقيم يرهقهم، أو تعصب قد يرديهم، مبينا أن الشباب هم نبض الأمة وسر نهضتها؛ ففي سواعدهم قوة البناء، وفي عقولهم نور الإبداع، وفي قلوبهم حرارة الإيمان والعزيمة، وأنهم من يكتب تاريخا جديدا للوطن، ويحيي فيه روح الحضارة والتقدم.
كما دعا الشباب إلى عدم الالتفات إلى اليأس أو الانسياق وراء الإحباط، مؤكدا أنهم جيل خلق ليغير ويحمل الرسالة بعقل واع وقلب صادق، وحثهم على استثمار كل يوم في تحصيل علم نافع أو فكرة بناءة، وأن تكون رؤيتهم واسعة كالأفق، وهمتهم عالية كالجبال، وخطواتهم ثابتة أمام العثرات، خاصة في ظل التحديات الإقليمية.
وتابع موجها حديثه للشباب: "حافظوا على هويتكم في عالم تتعدد فيه النعرات والتيارات؛ فهويتكم هي سر قوتكم، طوروا من أنفسكم باستمرار، ولا تتوقفوا عن التعلم، فالعالم لا ينتظر المتأخرين، احذروا من الأفكار الهدامة والمتطرفة؛ فالعقل النقي لا يسمح للشر أن ينمو فيه، واجعلوا لكم أثرا طيبا في أسركم ومجتمعكم ووطنكم؛ فالنجاح الحقيقي أن ينفع الإنسان غيره، اصنعوا المستقبل بأيديكم ولا تنتظروا الظروف المثالية؛ بل اصنعوها بعزيمتكم وجهدكم الصادق، وكونوا قادة لا تابعين؛ ولا تنسوا أن القيادة الحقيقية تبدأ من الانضباط الذاتي والأخلاق العالية".
وشدد على أن الدين الإسلامي الحنيف دين عقل وفكر يدعو إلى النظر والتدبر، ويحترم كرامة الإنسان، ويحث على العمل والبناء، ويرفض الجمود والانغلاق، وأن الانتماء للإسلام لا يتعارض مع الإبداع والانفتاح، بل يوجهه ويهذبه لخدمة الإنسان والمجتمع.