في خطوة نحو إثراء المشهد الثقافي وتطوير مهارات الكتابة لدى الجيل الجديد، أعلن الكاتب عمر طاهر عن إطلاق ورشة عمل متخصصة، يهدف من خلالها إلى مشاركة خبراته التي جمعها على مدار أكثر من عقدين في مجال الكتابة. ومنذ عام 1998، اكتسب طاهر رؤى عميقة وخبرات عملية في مختلف أشكال الكتابة، من الشعر إلى المقال والنصوص الإبداعية، مؤكداً أن الهدف الأساسي من هذه الورشة هو "توفير الوقت والجهد" على الكتّاب الطموحين، من خلال تقديم خلاصة ما تعلمه وتجنّب الأخطاء الشائعة.
لم تكن هذه الورشة مجرد مجموعة من القواعد النظرية، بل هي رحلة شخصية يشارك فيها طاهر وجهة نظره الخاصة، وهو ما أكد عليه مراراً خلال محتوى الورشة. يرى طاهر أن الكتابة، على الرغم من كونها فناً له قواعده، فإن قيمتها الحقيقية تكمن في القدرة على كسر هذه القواعد والخروج عن المألوف لإنتاج عمل فريد ومبتكر، مشبهاً هذه العملية بلعبة القفز بالزانة، حيث لا يمكن تجاوز القواعد إلا بعد إتقانها تماماً.
تتجاوز الورشة الجانب التقني للكتابة لتغوص في الفلسفة الكامنة وراءها، حيث يشدد طاهر على أن الكتابة هي أداة لنقل الأفكار والاكتشافات عبر سرد القصص، بغض النظر عن نوع المحتوى. سواء كان كاتباً لرواية، أو مقالاً، أو حتى محتوى رقمياً، فإن الأصل واحد: القدرة على صياغة حكاية تلامس القارئ. وقد وصفها بالعجينة التي يمكن تشكيلها في أشكال لا حصر لها. هذه النظرة الشاملة تجعل من الورشة وجهة مثالية لكل من يرغب في فهم الكتابة بعمق، لا مجرد تعلمها سطحياً. وبذلك، يقدم طاهر ليس فقط مجموعة من النصائح، بل خريطة طريق كاملة تمكّن الكاتب من بناء مساره الإبداعي الخاص.
عمر طاهر يفند الأسطورة: القراءة لم تختفِ بل تحوّلت أدواتها
في لقاء حواري أثار جدلاً واسعاً، فند الكاتب المصري عمر طاهر أحد أبرز المفاهيم المغلوطة السائدة في الأوساط الثقافية، وهو أن "الناس ما بقتش تقرأ". ووفقاً لطاهر، فإن هذا الحكم لم يعد دقيقاً في العصر الرقمي، مؤكداً أن القراءة لم تنقرض أو تتراجع، بل تغيرت أدواتها وشكلها جذرياً. فبينما كانت القراءة في السابق مقتصرة بشكل كبير على الكتاب الورقي، أصبحت اليوم تتم عبر شاشات الهواتف والأجهزة اللوحية والحواسيب.
يشير طاهر إلى أن الأفراد أصبحوا يستهلكون كميات هائلة من المحتوى المقروء يومياً، سواء كان ذلك عبر تصفح منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، أو قراءة المقالات الإخبارية على المواقع الإلكترونية، أو حتى الاطلاع على الكتب الإلكترونية. هذه الظاهرة، حسب وجهة نظره، لا تعني تراجعاً في اهتمام الناس بالقراءة، بل على العكس تماماً، هي دليل على تكيف القراءة مع إيقاع الحياة السريع وتوافر التكنولوجيا. هذه الرؤية تعد بمثابة دعوة للمبدعين والكتاب للتحرر من النمط التقليدي للتفكير، والانفتاح على الفرص التي يتيحها العصر الرقمي.
وفي هذا السياق، يشدد طاهر على أن التحدي الحقيقي للكاتب لم يعد في جذب القارئ إلى عالم الكتابة، بل في صياغة محتوى قادر على المنافسة في هذا الفضاء الرقمي المزدحم. وهو ما يتطلب من الكاتب فهم طبيعة الوسيط الجديد، والعمل على تقديم محتوى جذاب، موجز، وذو قيمة، يمكن استهلاكه بسهولة على الأجهزة المحمولة. هذه النظرة المتفائلة والواقعية تشجع الكتاب على استكشاف أشكال جديدة من السرد، وتؤكد أن الإبداع لا حدود له، وأن القارئ موجود دائماً، لكنه يحتاج إلى من يصله بذكاء.
الكتابة مزيج من الموهبة والعمل: عمر طاهر يوضح كيف يمكن تطوير الجزء المكتسب
في نقاش عميق حول جوهر الكتابة، قدم الكاتب عمر طاهر رؤية تحليلية تفكك العملية الإبداعية إلى جزأين أساسيين: الموهبة والعمل. أكد طاهر أن الموهبة هي الجزء الفطري الذي يولد مع الإنسان، وهو ما يميز كاتباً عن آخر. ومع ذلك، شدد على أن الموهبة وحدها لا تكفي لصناعة كاتب حقيقي، وأن الجزء الأكثر أهمية وقابلاً للتطوير هو "العمل".
العمل، في نظر طاهر، يشمل الجهد، والتعلم المستمر، والانضباط. وهو الجزء الذي يمكن لأي شخص أن يكتسبه ويصقله من خلال الممارسة اليومية. وفي هذا السياق، قدم طاهر نصيحة عملية للراغبين في تحويل الكتابة إلى عادة، وهي تخصيص ساعة يومياً للكتابة لمدة 21 يوماً متواصلة. يرى أن هذا الالتزام يساعد على تجاوز عقبة "انتظار الإلهام" أو "المزاج المناسب"، وهي مفاهيم خاطئة يقع فيها الكثيرون. ووفقاً لطاهر، فإن الإلهام لا يأتي بالانتظار، بل هو نتيجة مباشرة للعمل. فالكتابة نفسها هي التي تعدل المزاج وتطلق العنان للأفكار.
كما تناول طاهر في الورشة مسألة إيجاد الوقت، مؤكداً أن الوقت موجود ولكنه يضيع في أمور غير مجدية. هذا الطرح يضع مسؤولية التقدم على عاتق الكاتب نفسه، ويشجعه على أن يكون استباقياً في سعيه لتطوير مهاراته. وبذلك، يرسل طاهر رسالة قوية إلى كل من يطمح في أن يصبح كاتباً: لا تنتظر الفرصة، بل اصنعها بنفسك. الكتابة هي مهنة تتطلب انضباطاً ومرونة، أكثر من مجرد انتظار شرارة الموهبة.
في زمن الرقمنة: عمر طاهر يعيد الاعتبار للكتابة بالورقة والقلم
في ظل هيمنة الأجهزة الرقمية على حياتنا، قدم الكاتب عمر طاهر وجهة نظر مثيرة للاهتمام، حيث أعاد الاعتبار إلى الطريقة التقليدية للكتابة باستخدام الورقة والقلم. وعلى الرغم من أن أجهزة الحاسوب واللوحية توفر سرعة وسهولة في التحرير والنشر، يرى طاهر أن الكتابة اليدوية تحمل فوائد فريدة لا يمكن للحاسوب أن يضاهيها.
أحد أبرز الأسباب التي ذكرها طاهر هو أن الكتابة بالورقة والقلم تعزز التركيز وتدفق الأفكار، بعيداً عن إغراءات الإنترنت والتنبيهات المستمرة التي تصدرها الأجهزة الرقمية. في هذا الفضاء الهادئ، يمكن للكاتب أن يتأمل في أفكاره ومشاعره دون تشتيت، مما يسمح له بالتعمق في المحتوى الذي يكتبه. وعلاوة على ذلك، يرى طاهر أن الورقة والقلم يمنحان الأفكار نوعاً من الثبات والديمومة؛ فمن السهل حذف فقرة كاملة من شاشة الحاسوب، بينما تظل الكلمات المكتوبة على الورقة شاهداً على رحلة الكاتب وتطور أفكاره، مما يقلل من الميل إلى الحذف المفرط أو التردد.
كما أن هذا الأسلوب يمنح الكاتب شعوراً ملموساً بالإنجاز. فمشاهدة الصفحات وهي تمتلئ بالأفكار المكتوبة بخط اليد يمنح إحساساً بالتقدم والجهد المبذول، وهو شعور قد يغيب عند الكتابة على لوحة المفاتيح. وبهذا، لا تكون الكتابة بالورقة والقلم مجرد طريقة بديلة، بل هي وسيلة لإعادة التواصل مع الذات وعملية الإبداع بشكل أكثر حميمية. يوجه طاهر رسالة إلى كل كاتب بأن يعود إلى هذا الأسلوب بين الحين والآخر، ليجد فيه مساحة من الهدوء والتأمل في رحلة كتابية أعمق وأكثر إثراء.