إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة ومذكرات التوقيف بحق نتنياهو وجالانت رمزية
قضية الإبادة ضد إسرائيل تتقدم ببطء لكن بثبات نحو نتيجة ملموسة
إذا كان ما جرى في ميانمار إبادة وفق دول كالولايات المتحدة وألمانيا فمن المؤكد أن ما يحدث بغزة إبادة لكنها ازدواجية المعايير
قال أستاذ القانون الدولي في جامعة ميدلسكس البريطانية وليم شاباس، إن الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل تُعد أقوى دعوى إبادة جماعية تُقدَّم حتى اليوم أمام محكمة العدل الدولية.
ومنذ عقود تواصل إسرائيل احتلال الأراضي الفلسطينية في انتهاك صارخ للقانون الدولي، بينما أسفرت إبادتها الجماعية بغزة منذ 7 أكتوبر 2023، عن 64 ألفا و964 شهيدا و165 ألفا و312 مصابا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 428 فلسطينيا بينهم 146 طفلا.
ووفق خبراء القانون، فإن هذه الانتهاكات تمثل دلائل واضحة على نية الإبادة الجماعية، في وقت يواصل فيه المجتمع الدولي توثيق الشهادات والأدلة ضد تل أبيب.
وخلال مقابلة مع الأناضول، أوضح شاباس، أن الوجود الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وباقي المناطق هو "وجود غير شرعي".
وأكد أن حكومة إسرائيل تنفذ هجمات "غير متكافئة" ضد الفلسطينيين، وتستخدم الجوع "سلاحًا من أسلحة الحرب"، وترتكب جرائم إبادة جماعية إلى جانب انتهاكها الصارخ لحقوق الإنسان.
دعوى قوية
شدد شاباس على أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية تُحقق فيها عادةً المحكمة الجنائية الدولية على مستوى الأفراد، بينما تُحاكم إسرائيل كدولة أمام محكمة العدل الدولية بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.
وأوضح أن الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا في ديسمبر 2023 ضد إسرائيل تحظى بـ"أهمية بالغة"، لأنها أتاحت نقل ملف "جريمة الإبادة الجماعية" إلى أروقة محكمة العدل الدولية من زاوية مسئولية الدولة، معتبرًا أن هذه الخطوة تمثل "سابقة حاسمة" في القانون الدولي.
وقال إنه "منذ اعتماد اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية قبل 77 عامًا، لم تُرفع أمام المحكمة سوى نحو 20 دعوى فقط، أي ما يعادل 10% من مجمل القضايا. دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل هي الأقوى حتى الآن".
وأصدرت محكمة العدل الدولية في 28 مارس و26 يناير 2024، مجموعتين من التدابير المؤقتة طلبتها جنوب إفريقيا قي قضية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة.
وبين هذه التدابير ضرورة توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها دون عوائق، فضلا عن الإمدادات والرعاية الطبية للفلسطينيين في جميع أنحاء غزة.
قضايا سابقة
وتطرق شاباس إلى القضايا السابقة التي شكّلت مرجعيات لمحكمة العدل الدولية، مشيرًا إلى أن أبرزها كانت دعوى البوسنة والهرسك وكرواتيا ضد صربيا.
وأوضح أن المحكمة أقرت في حكمها عام 2007 بوقوع إبادة جماعية في سربرنيتسا، لكنها لم تُحمّل صربيا المسئولية المباشرة، واكتفت بالتأكيد على أنها أخفقت في منع الجريمة على الرغم من نفوذها الكبير على صرب البوسنة.
وفي المقابل، شدد شاباس على أن الوضع مختلف تمامًا في القضية المرفوعة ضد إسرائيل، موضحًا: "في حالة جنوب إفريقيا وإسرائيل، المسألة لا تتعلق بإخفاق إسرائيل في منع جريمة إبادة، بل باتهامها مباشرة بارتكاب الجريمة نفسها".
ازدواجية معايير
وقال شاباس إن اتفاقية منع جريمة الإبادة والمعاقبة عليها، تُحمّل الدول المسئولية ليس فقط عن ارتكاب الإبادة، بل أيضًا عن التواطؤ والمشاركة فيها.
وأشار إلى أن نيكاراجوا رفعت في مارس 2024 دعوى ضد ألمانيا أمام محكمة العدل الدولية بسبب دعمها العسكري لإسرائيل، مذكرًا بأن ألمانيا اعترفت باختصاص المحكمة، وبالتالي يمكن محاسبتها قانونيًا.
وانتقد شاباس الدول التي تقدم الدعم لإسرائيل قائلًا: "الولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى تقدم لإسرائيل دعمًا عسكريًا وماليًا وسياسيًا ودبلوماسيًا، ولا شك لدي أنها تدرك تمامًا ما تقوم به إسرائيل".
وأضاف أن هذه الدول "تغض الطرف" عن الحقائق الواضحة، رغم وجود دلائل متزايدة، مستشهدًا بتقرير نشرته أخيرا الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، وأكد وجود العديد من الأدلة التي تثبت وقوع إبادة جماعية في غزة.
ومطلع سبتمبر الجاري، أعلنت الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، أنها وافقت على قرار ينص على استيفاء المعايير القانونية لإثبات ارتكاب إسرائيل "إبادة جماعية" في قطاع غزة.
ولفت شاباس إلى أن دولًا مثل ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وهولندا والدنمارك أصرت سابقًا على أن ما جرى في ميانمار من اضطهاد للأطفال وتهجير قسري للسكان يمثل إبادة جماعية.
وتساءل: "إذا كان ما جرى في ميانمار إبادة جماعية، فمن المؤكد أن ما يحدث في غزة إبادة أيضًا، لكنهم ينكرون ذلك بسبب ازدواجية المعايير".
"تواطؤ أمريكي"
وفي سياق متصل، قال شاباس إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "يمكن أن يُتهم نظريًا بالتواطؤ في جرائم الحرب" في غزة لأنه "شجع هذه الجرائم، وبالتالي يمكن اتهامه بأنه شريك فيها".
وأشار إلى أن العقوبات التي فرضها ترامب على قضاة ومدّعي المحكمة الجنائية الدولية أظهرت بشكل غير مباشر أن واشنطن تأخذ المحكمة على محمل الجد.
وتابع: "إذا كان ترامب شعر بضرورة فرض هذه العقوبات، فهذا يعني أنه يعترف بسلطة المحكمة".
غير أن شاباس قلل أيضًا من شأن تلك العقوبات، معتبرًا أنها "ليست خطيرة بالقدر المتصوَّر".
وفي فبراير الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان،
بعد أيام من توقيع ترامب، أمرا تنفيذيا يقضي بمعاقبة المحكمة لإصدارها مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في نوفمبر 2024، لارتكابه جرائم حرب في قطاع غزة.
مذكرات رمزية
وأكد شاباس أن مذكرات التوقيف الأخيرة الصادرة بحق نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، إضافة إلى بعض المسؤولين الروس، تبقى "رمزية" إلى حد كبير، لأن "احتمال مثولهم فعليًا أمام المحكمة ضعيف جدًا".
وأوضح أن "الخطوة الأكثر تأثيرًا" ستكون فتح تحقيقات بحق قادة أو رجال أعمال غربيين متورطين في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية في غزة، مشيرًا إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تمتلك الصلاحية الكاملة لذلك.
وأضاف أن نتنياهو وغالانت يواجهان خطر الاعتقال في حال دخولهما أراضي الدول الـ125 الموقعة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهو "ما يجعلهم يختارون وجهات سفرهم بدقة".
وتابع: "منذ صدور مذكرات التوقيف، سافر نتنياهو إلى الولايات المتحدة أكثر من مرة، ورغم أن واشنطن ليست طرفًا في نظام روما، فإن رحلاته الجوية تتجنب المرور فوق بعض الدول، خشية أن يضطر للهبوط الاضطراري فيها، فيُعتقل ويُنقل إلى لاهاي".
سير الدعوى
وأشار شاباس، إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تتابع الملف الفلسطيني منذ نحو 15 عامًا، معتبرًا أن القضية "تتقدم ببطء لكن بثبات" نحو نتيجة ملموسة.
وفي سياق شخصي، كشف شاباس عن انتمائه إلى عائلة يهودية نجت من حملات حكومة ألمانيا النازية وبعض حلفائها أثناء الحرب العالمية الثانية (1939ـ 1945)، متسائلًا بمرارة: "كيف يمكن لأشخاص كانوا ضحايا لجرائم بهذه الفظاعة أن يتحولوا ليرتكبوا الجرائم نفسها بحق آخرين؟".
وأوضح أن الكثير من اليهود يشعرون بقلق عميق من الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، مشيرا إلى أن "كثيرين منا عارضوا الصهيونية ونحن لا نريد أن نكون جزءًا من مشروع يسرق الأرض، ويهجّر الناس من بيوتهم، والآن يقتلهم".