رواية شباك المنور لفاطمة الشرنوبي.. الغياب يروي مأساة فتاة - بوابة الشروق
السبت 20 سبتمبر 2025 4:59 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

رواية شباك المنور لفاطمة الشرنوبي.. الغياب يروي مأساة فتاة

محمود عماد
نشر في: الجمعة 19 سبتمبر 2025 - 7:42 م | آخر تحديث: الجمعة 19 سبتمبر 2025 - 7:42 م

 

المأساة ليست بالضرورة صرخة مدوية أو حدثًا جللا؛ أحيانًا تولد من تفاصيل يومية عادية، من صمت ثقيل أو غياب ممتد. هذا ما تبرع الكاتبة فاطمة الشرنوبى فى تجسيده بروايتها «شباك المنور»، الصادرة عن دار الشروق مطلع هذا العام، والتى فازت بجائزة خيرى شلبى للعمل الروائى الأول فى دورتها الخامسة.

الرواية تحكى قصة «رقية»، فتاة تبدو حياتها شبيهة بالكثيرين ممن نعرفهم أو نعاصرهم، لكن مع التوغل فى الحكاية يتضح أن ما يبدو عاديًا يخفى وراءه تراجيديا عميقة.

تتشكل مأساة رقية فى بيت يملؤه الغياب: أب مسافر، وأم حاضرة بجسدها لكنها أشد غيابًا من الأب، وإخوة يتحولون إلى مجرد ظلال يشار إليهم بأحرف مقتضبة. بيت بلا حنان، بلا دفء، تحكمه العزلة والصمت. فى هذا الفراغ، يصبح الأب المسافر هو الأكثر حضورًا فى حياة رقية، إذ تعيش على ذكراه وتستحضر طيفه فى كل لحظة، بينما تتحول علاقتها بأمها إلى جدار من القسوة والانفصال الروحى.

ومن هنا تفتح الرواية نافذة على عالم عادى ظاهريًا، لكنه يحمل فى طياته أسئلة وجودية عن الغياب، العزلة، والبحث عن معنى فى حياة تتفتت بين حضور متباعد وروح مثقلة.

فى «شباك المنور» تكتب فاطمة الشرنوبى بلغة ذات نفس شعرى واضح، تملؤها الصور والمجازات، فتمنح النص ثقلهُ وفرادته. هذه اللغة تجعل السرد فى كثير من اللحظات أقرب إلى قصيدة نثرية طويلة، يتداخل فيها الشعرى مع الحكائى ليضفى عليها طابعًا إنسانيًا عميقًا يتجاوز حدود الحكاية.

وبهذا المزج، لا تكتفى «الشرنوبى» بسرد مأساة أو تصوير عزلة، بل تنجح فى تحويل التجربة إلى كتابة تمس جوهر الإنسان، وتكشف ما يكمن خلف التفاصيل العادية من دلالات وجودية، إنها لغة قادرة على أن تمنح الرواية حضورًا خاصًا، يؤكد موهبة كاتبة تملك أدواتها باقتدار.

الرواية التى تأتى فى سلاسة وسرد غير متكلف، تفتح جروحًا كثيرة تتعلق بحياة المرأة العربية فى أغلب المجتمعات الشرقية، فنجدها تتناول قضايا كبرى وقديمة لكنها ما زالت تسكن مجتمعاتنا ومنها: الختان والاغتصاب، ومحاولات قمع الجسد وإخماد الروح، لتغدو حياة البطلة شاهدًا على واقع من الانتهاكات التى تُمارَس ضد النساء. وبهذا المعنى، يحمل النص بعدًا نسويًا واضحًا، يضىء مناطق الألم المسكوت عنها.

يتنوع السرد فى «شباك المنور» بين ضمير الراوى العليم والراوى المباشر «رقية» فى شكل أقرب إلى المذكرات، بصياغة تحمل بوحا ذاتيا يفيض من روح مثقلة بالخذلان. فيما يأتى البناء الزمنى، فيتشظى بين الماضى والحاضر بلا ترتيب تقليدى، فى تعبير رمزى عن تفتت حياة البطلة.

فى الرواية تحضر الأحلام كعنصر أساسى فى البناء السردى، تتقاطع مع الواقع وتمنحه مسحة من الغموض واللايقين. هذا التداخل بين الحلم والواقع لا يضيف فقط بعدًا خياليًا للنص، بل يكشف هشاشة التجربة الإنسانية وتصدعها. وبينما تنفتح الرواية على فضاء الأحلام بوصفه ملاذًا للبطلة، يظل حضور الأب فى شكل طيفى رمزًا لعزاء موهوم، أشبه بخيط ضعيف تتشبث به فى مواجهة فراغ الحياة.

فبهذا الاستخدام الذكى للأحلام، تخلق الشرنوبى طبقة سردية إضافية تثرى النص وتجعله أكثر عمقًا، حيث يتحول الحلم إلى أداة لفهم الواقع، لا مجرد مهرب منه.

وفى النهاية يمكن القول إن الشرنوبى رسمت رواية «شباك المنور»، كلوحة أدبية تضع القارئ أمام سؤال مؤرق: كيف يمكن للغياب أن يصنع مأساة كبرى حتى من تفاصيل الحياة اليومية البسيطة؟ مستخدمة فى ذلك مزيجًا بين السرد والشعر والرمزية.

فى روايتها «شباك المنور» استطاعت فاطمة الشرنوبى بناء عالم روائى متشعب على بساطته الظاهرية، وصنعت من شخصية البطلة التى تبدو كفتاة بسيطة مهمشة تراجيديا مأساوية كبرى تحول البسيط إلى فلسفى، وتنتصر للغياب على حساب أى شىء غيره.

«شباك المنور» عمل أول يعلن عن صوت أدبى واعد، قادر على استخدام أدواته بوعى وحرفية، وعلى تحويل العادى إلى نص يمس جوهر الإنسان.

وفقا لحيثيات لجنة تحكيم جائزة خيرى شلبى «إنها رواية تراهن على كرنفالية السرد، ولم تكن الكرنفالية هى اللعبة السردية الوحيدة، فالتشظى السردى والخروج على كلاسيكية البناء واللعب بالزمن والتأمل الواعى لفلسفة هذا الزمن مكّن الكاتبة من بناء درامى مفارق للسرد النمطى مع متعة التشكيل اللغوى وبلاغته المميزة أسهما فى إضفاء متعة كبيرة على الفضاء السردى».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك