يدخل ملف قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان "اليونيفيل" مرحلة حاسمة، مع بدء مجلس الأمن الدولي، الإثنين الماضي، مناقشة مشروع قرار قدّمته فرنسا يقضي بتمديد مهمتها لعام إضافي وصولا إلى انسحابها التدريجي.
وبحسب تقارير إعلامية، يواجه المشروع اعتراضا من الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تعارضان التمديد للقوة المنتشرة منذ عام 1978 على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية.
وينص مشروع القرار على تمديد ولاية اليونيفيل حتى 31 أغسطس 2026، متضمنا فقرة يعرب فيها مجلس الأمن عن "عزمه على العمل من أجل انسحاب" القوة الأممية، بحيث تصبح الحكومة اللبنانية "الضامن الوحيد للأمن في جنوب لبنان".
ومن المقرر أن يصوّت المجلس على المشروع في 25 أغسطس الجاري، قبل انتهاء ولاية البعثة بنهاية الشهر.
الموقف اللبناني والإسرائيلي
الرئيس اللبناني جوزاف عون شدد خلال لقائه قائد اليونيفيل الجنرال ديوداتو أباغنارا، الثلاثاء، على "تمسك لبنان ببقاء قوات حفظ السلام الأممية في الجنوب بالمدة التي يتطلبها تنفيذ القرار 1701، واستكمال انتشار الجيش اللبناني حتى الحدود الدولية"، وذلك ردا على طلب إسرائيلي بإنهاء مهمة البعثة.
وفي السياق ذاته، كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية أن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر وجّه رسالة إلى نظيره الأمريكي، ماركو روبيو، طالب فيها بإنهاء عمل القوة الدولية، مدعيا أنها تقدم "صورة غير صحيحة عن الواقع" في تقاريرها لمجلس الأمن.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قالت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية إن تل أبيب وواشنطن اقترحتا إنهاء كاملا لعمل بعثة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل)، أو تمديدا محدودا لها يشمل انسحابا بالتنسيق مع الجيش اللبناني.
ورغم تمسك الحكومة اللبنانية باليونيفيل، فإن القوات الدولية تعرّضت في السنوات الماضية لاعتداءات متكررة من بعض أهالي بلدات جنوبية، بدعوى دخولها إلى أملاك خاصة دون تنسيق مع الجيش اللبناني.
ويبرر الأهالي اعتراضاتهم بأن "اليونيفيل تقوم بأعمال تتجاوز نطاق صلاحياتها"، مؤكدين أنه لا يحق لها تسيير دوريات إلا بمؤازرة الجيش.
تمديد بشروط أمريكية صارمة
المحلل السياسي يوسف دياب اعتبر في حديث مع الأناضول أن "التمديد لقوات اليونيفيل بات شبه محسوم، وبموافقة أمريكية، لكنه قد يكون لمرة أخيرة".
وأضاف أن "واشنطن وضعت هذه المرة شروطا واضحة للتمديد، أبرزها وقف الاعتداءات على عناصر اليونيفيل، وضمان حرية حركتها، وتمكينها من تنفيذ مهامها من دون عرقلة، إضافة إلى منحها حق الدفاع عن النفس في حال تعرضت لأي هجوم".
ولفت دياب إلى أن "هذه المرحلة ستكون تحت المراقبة الدقيقة، وفي حال حصول أي اعتداء أو منع لليونيفيل من ممارسة دورها، فإن الولايات المتحدة قد تعيد النظر في موقفها".
وشدد على أن "التمديد أصبح أمرا واقعا، لكنه جاء وفق شروط أمريكية صارمة، ذلك أن الدول المشاركة في اليونيفيل لا تستطيع تحمّل مسؤولية التمديد بمفردها من دون موافقة واشنطن".
وأوضح أن الولايات المتحدة "توفر الغطاء الأمني والسياسي لهذه القوة الدولية وتمنع تعرضها لأي اعتداء سواء من الجانب الإسرائيلي أو اللبناني".
وأضاف أن "العامل الثاني الحاسم يتمثل في كونها الممول الأكبر لليونيفيل، إذ تساهم بنحو نصف مليار دولار في ميزانيتها".
تعديل المهام أو الاعتراض
أما الخبير العسكري العميد المتقاعد هشام جابر، فأكد للأناضول أن "اليونيفيل يتم التمديد لها سنة بعد سنة، غير أنّ إسرائيل عند كل استحقاق تمديد تحاول فرض شروطها، فإما تعترض أو تتخذ موقفا سلبيا".
وأضاف أن "هدف إسرائيل من ذلك هو تعديل مهمات اليونيفيل بحيث تخدم مصالحها وتراقب الأراضي اللبنانية من الداخل عبر اليونيفيل، في حين أن لبنان يرفض بشكل دائم أي تعديل على هذه المهمات".
وعادة ما كانت إسرائيل تطالب بإدخال تعديلات على ولاية اليونيفيل بما يخدم مراقبة أدق للجانب اللبناني، أبرزها توسيع صلاحيات القوة الأممية بحيث لا تقتصر على مراقبة وقف الأعمال القتالية، بل تشمل تفتيش المناطق الداخلية في الجنوب اللبناني (وليس فقط على الحدود).
وكذلك منحها حرية حركة مطلقة دون الحاجة إلى تنسيق مسبق مع الجيش اللبناني، وإمكانية التدخل المباشر في حال الاشتباه بوجود أسلحة أو أنشطة لحزب الله، بدل الاكتفاء برفع تقارير لمجلس الأمن، فضلا عن تعزيز آليات المراقبة التكنولوجية لمتابعة التحركات داخل العمق اللبناني.
لبنان، بالمقابل، يرفض هذه التعديلات بشكل متكرر، ويتمسك بأن مهام اليونيفيل محصورة بما نص عليه القرار 1701: مراقبة وقف الأعمال القتالية ودعم الجيش اللبناني في بسط سلطته جنوب الليطاني، من دون أن تتحول اليونيفيل إلى قوة احتلال أو شرطة داخلية.
وأشار جابر إلى أن "واشنطن تستخدم اليوم ورقة اليونيفيل للضغط على لبنان، ضمن سلسلة من الضغوط الرامية إلى دفعه نحو الخضوع للإملاءات الأمريكية، وبالتالي الإسرائيلية، بما في ذلك نزع سلاح المقاومة وغيرها من الطلبات، وذلك مقابل الموافقة على التمديد".
وشدد على أن "الموقف اللبناني واضح وصريح، إذ يرحّب بالتمديد لليونيفيل لكنه يتمسك بأن يكون من دون أي تعديل في مهماتها".
ولفت إلى أنه "في نهاية المطاف سيتم التمديد لليونيفيل، لأن هناك دولاً أخرى تشارك فيها ولها رأيها المؤثر، ولا سيما فرنسا".
وأشار الى أن "لبنان يفصل بشكل تام بين الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية وبين مسألة التمديد".
قوة اليونيفيل
تأسست اليونيفيل عام 1978 عقب الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، ثم عززت مهامها بشكل كبير بعد حرب يوليو 2006 والقرار الأممي 1701، حيث انتشر أكثر من 10 آلاف جندي لمراقبة وقف الأعمال القتالية ودعم الجيش اللبناني في بسط سلطته جنوب نهر الليطاني.
وعلى مدى العقود الماضية، تعرضت القوة الأممية لسلسلة من الاعتداءات الدامية، أبرزها قصف إسرائيلي مباشر لمقرها في بلدة قانا عام 1996، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 100 مدني لجأوا إلى القاعدة.
كما قتل عدد من جنودها في هجمات متفرقة، بينها تفجيرات استهدفت دورياتها في أعوام 2007 و2011.
وفي السنوات الأخيرة، واجهت اليونيفيل توترات ميدانية مع بعض الأهالي في الجنوب، وصلت إلى حد الاعتداء على دورياتها ومنعها من التحرك، ما دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من تقويض مهمتها.
كما أن إسرائيل تتهمها بعدم "القدرة على منع تهريب السلاح" في المنطقة الحدودية، بينما يؤكد لبنان أن مهمتها تنحصر في المراقبة والدعم وليس التدخل المباشر.