رباعية «حرب الثلاثين سنة».. محمد حسنين هيكل يرصد في ملفات السويس ثلاثة عقود من الحروب والتحولات بالمنطقة - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 6:18 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

رباعية «حرب الثلاثين سنة».. محمد حسنين هيكل يرصد في ملفات السويس ثلاثة عقود من الحروب والتحولات بالمنطقة

محمود عماد
نشر في: الإثنين 22 سبتمبر 2025 - 3:51 م | آخر تحديث: الإثنين 22 سبتمبر 2025 - 3:51 م

دائما ما تتميز تحليلات الأستاذ محمد حسنين هيكل بكونها فريدة من نوعها؛ فهي لا تكتفي بالتوثيق أو التأريخ، ولكنها تتجاوز ذلك إلى فضاء أوسع يسعى لتحليل والتوصيف؛ لتصل إلى ما هو أبعد من مجرد السرد التاريخي.

وفي ذكرى ميلاد الجورنالجي، والتي تحل غدا الثلاثاء، حيث ولد هيكل في 23 سبتمبر من عام 1923، ورحل عن عالمنا في 17 فبراير من عام 2016، عن عمر ناهز 92 عاما.

نعود لواحدة من أبرز كتابات هيكل التحليلية، والتي حملت بين طياتها التوثيق والتحليل في آن واحد، وهي رباعيته الشهيرة والمهمة «حرب الثلاثين سنة.. ملفات السويس».

وتضم الرباعية كتب: «ملفات السويس» عن حرب 1956، و«سنوات الغليان» الذي يمهد الطريق لما سيحدث في حرب 1967، و«الانفجار» عن حرب 1967 نفسها، و«أكتوبر السلاح والسياسة» عن حرب 1973، وما تلاها.

وتعد تلك الرباعية من أهم الشهادات الموثقة على مدى ثلاثة عقود من تاريخ مصر الحديث؛ فهي لا تكتفي بتسجيل الأحداث العسكرية والسياسية، بل تربطها بالسياق العالمي، وتحولات موازين القوى في المنطقة والعالم.

وبدأت حكاية تلك الرباعية في أوائل عام 1985، حين التقى هيكل ممثل مجموعة الناشرين الدوليين التي تملك حق نشر كتبه في العالم، أندريه دويتش، لبحث موضوع كتابه الجديد.

وطرح فكرة كتاب يتناول الصراع على الشرق الأوسط، وأثناء شرح فكرته، قاطعه دويتش قائلا: «العام المقبل 1986، ذكرى مرور 30 عاما على حرب السويس 1956، ودور النشر في لندن ونيويورك وباريس تستعد بكتب عنها لا يقل عددها عن 20 كتابا»، وسأل هيكل: «كيف تكون شاهد على حرب السويس من الناحية العربية وتتخلف عن المناسبة؟».

ووعده الجورنالجي بالتفكير في الموضوع، والتقيا مجددا وكان الأستاذ طور الفكرة، وقال لدويتش: «أرى أن حروب 1956، و1967، و1973 هي في حقيقة أمرها حرب واحدة مستمرة في الصراع على الشرق الأوسط وفيه، والحروب الثلاث بؤر ساخنة في هذه الحرب المستمرة التي امتدت ثلاثين عاما، وبعد حرب أكتوبر، بدا أن مرحلة بكاملها في الشرق الأوسط وصلت إلى نهايتها، لتبدأ مرحلة جديدة»

ويكتب هيكل في مقدمة هذه الأعمال مؤكدا إيمانه العميق بدور الكتاب المطبوع، فيقول:

«ربما هو تحيز لرجل لما ألف وعرف، أو أنه حكم في الموضوع بصرف النظر عن متغيرات العصور، لكني على شبه اقتناع بأن الكتاب المطبوع على الورق له العمر الطويل، وأنه الحاضر على الدوام مهما اشتد من حوله الزحام.

الكلمة المكتوبة على الورق بناء صلب: حجر أو معدن، أما الكلمة المسموعة عابرة، والمكتوبة على الكمبيوتر فوارة، مثل كل فوران متلاشية. وبالنسبة للكاتب على ورق وبالحبر، فإن كتابته هي بناء عمره.»

ملفات السويس.. قطع ذيل الأسد

يتضمن كتاب «ملفات السويس» خمسة أبواب تنقسم إلى 38 فصلا، إضافة إلى ملحق وثائق، وقد صدرت الطبعة الإنجليزية بعنوان: Suez: The Cutting of the Lion's Tail، وهو الوصف الذي استخدمه الزعيم السوفيتي خروتشوف، في إشارة إلى بريطانيا باعتبارها «الأسد».

يروي هيكل الأحداث معتمدا على تدفق المعلومات دون إصدار أحكام، فيبدأ من نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1945) حين تغيرت موازين القوى عالميا، وظهر قطبان جديدان: الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

يصف هيكل حركات المقاومة والتحرر بأنها «فيروسات تنفذ إلى أصح الأبدان فتأكلها بالعلل المستعصية على العلاج».

ويشير إلى أن الدور الأمريكي في الشرق الأوسط بدأ عمليا مع زيارة الرئيس الأمريكي روزفلت لمصر عام 1945، حين ساومت واشنطن بريطانيا على إعادة توزيع النفط العربي مقابل مساعدتها في الحرب.

ثم ينتقل إلى اضطرابات النظام السياسي في مصر، وصولا إلى ثورة يوليو 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، والتي وضعت المخططات البريطانية والأمريكية على المحك.

ويكشف هيكل كيف بحثت القوتان عن «الرجل القوي» وراء الثورة، وكيف انتهى اجتماع لعبد الناصر في السفارة الأمريكية بإصدار بيان تأييد للثورة.

ومع فشل مفاوضات تسليح مصر مع الغرب، يوافق الاتحاد السوفيتي على تزويدها بالسلاح، مما يثير قلق إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، خاصة مع ضغط ناصر لإجلاء القوات البريطانية عن القناة.

وتبلغ الأزمة ذروتها مع قرار ناصر بتأميم قناة السويس في يوليو 1956، ليبدأ العدوان الثلاثي في أكتوبر من نفس العام، حيث هاجمت بريطانيا وفرنسا منطقة القناة، بينما هاجمت إسرائيل سيناء.

ويختتم هيكل الكتاب بقوله: «انتهت حرب السويس، وحققت مصر كل طلباتها واستردت كل حقوقها، فيما عدا واحد، وهو منع إسرائيل من المرور في خليج العقبة».

سنوات الغليان.. الطريق إلى 1967

في كتاب «سنوات الغليان»، يصف هيكل أيام هذه كتابة كلمات هذا الكتاب؛ بأنها الأقسى في حياته، ويعتبر حرب 1967 «أكثر المعارك الثلاث غموضا وأشدها تعقيدا».

يتناول في 29 فصلا موزعة على ستة أبواب فترة ما قبل «معركة سيناء» كما يسميها، ويرى أنها ضرورية لفهم ما جرى في الحرب نفسها.

يؤكد هيكل أن حرب 1967 كانت «تضحيات مأساوية بلا جوائز»، فكل طرف حاول التنصل من المسؤولية وإلقائها على غيره، بينما جمال عبد الناصر وحده تحمل المسؤولية كاملة.

ويتناول الكتاب أحداثا محورية مثل: تكوين الوحدة بين مصر وسوريا، محاولات السعودية لإفشالها، دخول إسرائيل سباق التسلح النووي، وغيرها من التحولات التي مهّدت للهزيمة.

الانفجار 1967.. لم تنكسر الإرادة

أما في «الانفجار 1967»، فيؤكد هيكل أن الحرب «حطمت القوة المسلحة لمصر» لكنها «لم تحطم الإرادة المصرية».

ومن خلال 37 فصلا في ثمانية أبواب، يسرد تفاصيل حرب الأيام الستة، كاشفا كل الوثائق والتحركات السياسية والعسكرية المصاحبة لها.

ويرفض هيكل وصف ما جرى بـ«الهزيمة»، معتبرا أن الهزيمة تعني استسلام طرف بالكامل، بينما مصر لم تستسلم، بل بدأت مرحلة جديدة من المقاومة والإعداد للمعركة التالية.

أكتوبر السلاح والسياسة.. تفاصيل الانتصار والتحولات بعدها

يختتم هيكل رباعيته بكتاب «أكتوبر 73: السلاح والسياسة»، الذي يقسمه إلى ثلاثة أجزاء تضم 42 فصلا.

يروي الكتاب أحداث الحرب يوما بيوم، منذ السابع وحتى السادس والعشرين من أكتوبر 1973، معتمدا على الوثائق والمذكرات، بما في ذلك وثائق حصل عليها من الرئيس أنور السادات ومذكرات قادة إسرائيليين.

ثم يستمر السرد التاريخي لما جاء بعد حرب أكتوبر 1973، حتى الوصول إلى عام 1985؛ حيث ينتهي التوثيق والتحليل هنا؛ ليكون اكتمال العقود الثلاثة.

بهذه الرباعية، قدم هيكل تأريخا شاملا ودقيقا لثلاث حروب شكلت ملامح المنطقة والعالم العربي؛ حيث لم يقدم فقط التأريخ أو التوثيق عبر السرد، بل مزج بينه، وبين محاولة التحليل والفهم.

وذلك في محاولة لاستيعاب تاريخ هذه المنطقة المشتعلة، وهذا ما جعل الأستاذ ليس مجرد كاتب، بل وأيضا شاهد على واحدة من أعقد مراحل التاريخ الحديث.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك