رغم إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، لا تزال مشاهد الدمار تفرض حضورها على الأرض، بينما تصر طهران على تسويق نهاية الحرب بوصفها "انتصارًا سياسيًا".
تكرار مشهد "كأس السم" يعيد إلى الأذهان كيف تُنهي إيران حروبها حين لا تُهزم عسكريًا، بل تُرهَق استراتيجيًا.
مشهد النهاية يتكرر: احتفال رغم الرماد
في مشهد يُذكر بنهايات الحروب السابقة، احتشد الآلاف في ساحة الثورة وسط طهران، عصر الثلاثاء، ملوّحين بالأعلام الإيرانية وصور المرشد الأعلى علي خامنئي، وشهداء الضربات الإسرائيلية، احتفالًا بانتهاء جولة دامت 12 يومًا من المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل.
ورُفعت لافتات كُتبت بخط اليد حملت شعارات مثل: "سنصمد حتى النهاية"، و"لا للسلام المفروض، نعم للسلام الدائم"، في محاولة لتكريس سردية الانتصار، رغم ما لحق بالمنشآت الإيرانية من دمار واسع بفعل القصف المتبادل.
دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لينهي أسبوعين من التصعيد الذي استهدف منشآت نووية وبنى تحتية استراتيجية للطرفين.
"كأس السم" مجددًا: سياق يُعيد التاريخ
يرى مراقبون أن إنهاء هذه الجولة من الحرب يُعيد إلى الأذهان قرار المرشد الإيراني الأول، آية الله الخميني، بوقف حرب إيران والعراق عام 1988، حين شبّه قراره بقبول وقف إطلاق النار بـ"تجرّع كأس السم".
هذا القرار التاريخي جاء بعد 8 سنوات من الحرب الطاحنة، وإرهاق إيراني سياسي واقتصادي وبشري، أجبر القيادة على قبول القرار الأممي 598، رغم رفضها السابق لأي تسوية لا تشمل إسقاط نظام صدام حسين ودفع تعويضات.
البداية المرتبكة: هشاشة الداخل وإغراء الهجوم
بدأت الحرب الإيرانية العراقية في ظل حالة تفكك داخلي أعقبت الثورة الإسلامية عام 1979، إذ قامت القيادة الجديدة بحل الجيش وأجهزة الأمن المرتبطة بالنظام السابق، ما شجع العراق على شنّ هجوم واسع في سبتمبر 1980، مستغلًا ضعف بنية الدولة.
ورغم احتلال العراق مدينة خرمشهر ومحاولته السيطرة على مصفاة عبدان، فإن إيران ردّت بموجات بشرية من المتطوعين غير المدربين، في ظل تفوق عراقي واضح في السلاح الجوي والأسلحة الكيميائية، ما أدى إلى كلفة بشرية عالية في صفوف الإيرانيين.
حرب المدن والإنهاك المتبادل: الطريق إلى التسوية
مع امتداد الحرب، انتقل الصراع إلى المدن، وتبادل الطرفان القصف على المناطق المدنية والمنشآت الحيوية، فيما عُرف بـ"حرب المدن"، وانهارت تدريجيًا القدرة الاقتصادية للطرفين.
وبحلول 1987، بات الإرهاق واضحًا، ما أفسح المجال لجهود وساطة أممية، تُوّجت بقبول إيران قرار وقف إطلاق النار في يوليو 1988. حينها، أعلن الخميني قراره برسالة مشحونة، قال فيها إنه يقبل القرار كما لو كان يتجرّع السم، في إقرار واضح بتغير موازين القوى والانقسام الداخلي.
دروس الحرب: عقيدة الردع الجديدة
شكلت نهاية الحرب الإيرانية العراقية نقطة تحوّل في العقيدة العسكرية الإيرانية، إذ أعيد هيكلة الحرس الثوري وتطورت أدوات الردع، وتم تبني أسلوب "الحروب غير المتماثلة" من خلال دعم الوكلاء الإقليميين بدلًا من المواجهة المباشرة، بحسب ما أورده موقع "وارفير هيستوري".
هذه العقيدة الجديدة تُفسّر إلى حد كبير كيف تتعامل طهران اليوم مع الحروب المعقدة، وكيف تنهيها حين لا تستطيع حسمها، تمامًا كما حدث هذه المرة في مواجهة إسرائيل.