- يمكن إصدار مذكرة اعتقال ضد بشار الأسد لأنه لم يعد رئيسا لسوريا
- قبول دعوى مواطن سوري لاعتقال ومحاكمة رئيس البنك المركزي السوري السابق
- العرف الدولي تطور عندما تشكل الوقائع المزعومة: إبادة جماعية أو جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية
- مساهمة في هذا التطور تقضي محكمة النقض الفرنسية لأول مرة بإمكانية مقاضاة مسئول بدولة أجنبية من قبل المحاكم الفرنسية
- الحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول ترتبط بسيادة الدول ولكنها غير مطلقة
- الحصانة الشخصية تسقط عن رئيس الدولة بعد مغادرة المنصب
ألغت محكمة النقض الفرنسية مذكرة التوقيف الصادرة بحق الرئيس السوري بشار الأسد، معتبرة أن رؤساء الدول الحاليين يتمتعون بحصانة وظيفية ولا يمكن محاكمتهم في فرنسا أثناء توليهم المنصب.
لكن، وفي سابقة قانونية مهمة، أقرت المحكمة لأول مرة بأن هذه الحصانة لا تنطبق على المسؤولين الآخرين في الدولة (مثل الوزراء أو الضباط) إذا ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، مما يفتح الباب أمام ملاحقتهم قضائيًا في فرنسا، رغم كونهم يمثلون دولًا أجنبية.
بمعني أن الأسد نفسه لم يكن من الممكن ملاحقته وهو رئيس لسوريا، لكن يمكن محاكمته حاليًا بعدما تم عزله، أما غيره من مسؤولي النظام السوري يمكن أن يخضعوا للمساءلة أمام القضاء الفرنسي، في حال ثبوت تورطهم في جرائم جسيمة سواء قبل أو بعد عزلهم.
قرار غير مسبوق من محكمة النقض الفرنسية
وفي قرار غير مسبوق، أقرت الجمعية العامة لمحكمة النقض الفرنسية، أعلى محكمة في البلاد، اليوم الجمعة، في قضيتي الطعن رقم 24-84.071 و24-84.393، بإمكانية ملاحقة وكلاء ومسؤولي الدول الأجنبية أمام القضاء الفرنسي في حال ارتكابهم جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، رغم تمتعهم بالحصانة الوظيفية، ويمتد هذا المبدأ ليشمل أيضًا رؤساء الدول السابقين.
الحصانة غير مطلقة
في المقابل، أكدت المحكمة أن رؤساء الدول الأجانب يتمتعون بالحصانة الشخصية الكاملة طيلة فترة توليهم لمهامهم، ولا يمكن ملاحقتهم أو إصدار مذكرات توقيف بحقهم، حتى لو تعلق الأمر بجرائم خطيرة مثل الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية. وترتبط هذه الحصانة بمبدأ سيادة الدول وعدم جواز التدخل في شؤونها.
ووفقا لبيان من محكمة النقض الفرنسية، اطلعت عليه "الشروق" فإنه لا يوجد استثناء يمكن أن يرفع حصانة رئيس دولة، لتلغي بذلك مذكرة توقيف أصدرها قضاة تحقيق في باريس بحق الرئيس السوري السابق بشار الأسد بتهمة شن هجمات كيميائية في العام 2013 خلال الحرب في سوريا.
وقائع القضيتين
وبحسب الوثيقة، فإنه في القضية الأولى، تقدم شخص يحمل الجنسية الفرنسية والسورية بشكوى لدى القضاء الفرنسي، أكد فيها تعرضه وعائلته لهجمات كيميائية في سوريا. وبناءً على هذه الشكوى، فتحت السلطات القضائية الفرنسية تحقيقًا بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس السوري حينها.
وطعن المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا في القرار، مستندًا إلى مبدأ الحصانة الشخصية لرؤساء الدول، لكن غرفة التحقيق ثبتت مذكرة التوقيف، ما دفع النائب العام لدى محكمة الاستئناف إلى الطعن أمام محكمة النقض.
في القضية الثانية، وجهت تهمة التواطؤ في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إلى مسؤول سابق في البنك المركزي السوري، بعد الاشتباه في سماحه بتعاون هذه المؤسسة مع شركة متورطة في إنتاج أسلحة كيميائية.
واعتبر المتهم أن الحصانة الوظيفية التي يتمتع بها بحكم منصبه السابق تمنع القضاء الفرنسي من ملاحقته. إلا أن غرفة التحقيق أيدت قرار الاتهام، فلجأ المعني إلى محكمة النقض.
خلاصة المبادئ الجديدة من محكمة النقض
فيما يخص الحصانة الوظيفية؛ اعتبرت المحكمة أن تطور العرف الدولي أفضى إلى إمكانية ملاحقة مسؤولي الدول الأجنبية أمام المحاكم الوطنية، في حال ارتكابهم جرائم دولية جسيمة كالإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، حتى وإن تمت هذه الأفعال أثناء تأديتهم لمهامهم الرسمية. وبناءً عليه، رفضت المحكمة الطعن المقدم من المسؤول السابق، واعتبرت توجيه الاتهام له إجراءً قانونيًا.
وفيما يخص الحصانة الشخصية؛ شددت المحكمة على أن رؤساء الدول الأجانب يتمتعون بالحصانة الشخصية الكاملة خلال فترة ولايتهم، ما يحول دون ملاحقتهم أو إصدار مذكرات توقيف بحقهم من قبل القضاء الفرنسي، حتى لو كانت الاتهامات تتعلق بجرائم دولية جسيمة.
كما أكدت أن هذه الحصانة تبقى سارية حتى لو قطعت فرنسا علاقاتها الدبلوماسية مع الدولة المعنية أو لم تعد تعترف بشرعية رئيسها.
يمكن ملاحقة بشار الأسد الآن
وبناءً على ذلك، قررت محكمة النقض نقض قرار محكمة الاستئناف وإلغاء مذكرة التوقيف التي صدرت ضد الرئيس السوري حين كان في منصبه. إلا أن المحكمة أوضحت أنه يمكن إصدار مذكرة توقيف جديدة بحقه الآن، نظرًا لانتهاء ولايته وزوال الحصانة الشخصية، مع بقائه مشمولًا فقط بالحصانة الوظيفية، والتي لم تعد تمنع الملاحقة في حال ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.