نقلت قناة "الإخبارية السورية" الرسمية عن مصدر دبلوماسي سوري، السبت، أن دمشق حمّلت تل أبيب مسؤولية التصعيد في محافظة السويداء جنوبي البلاد، خلال اجتماع عُقد في العاصمة الفرنسية باريس. ولم تكشف القناة عن هوية المصدر، كما لم تُحدّد أسماء المسؤولين الذين حضروا اللقاء، الذي يُعد الأول من نوعه منذ ربع قرن. في المقابل، ذكرت القناة "13" العبرية الخاصة أن الاجتماع جرى يوم الجمعة بمشاركة وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وبحضور المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس باراك.
كان آخر اجتماع رفيع المستوى بين الطرفين قد عُقد عام 2000، عندما استضاف الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك، ووزير الخارجية السوري آنذاك فاروق الشرع، ضمن جهود التوصل إلى اتفاق سلام بين الجانبين.
قال المصدر الدبلوماسي السوري إن الحوار جرى بوساطة أمريكية، وجمع وفدًا من وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات العامة السوري مع الجانب الإسرائيلي، وتمحور حول التطورات الأمنية الأخيرة ومحاولات احتواء التصعيد في الجنوب السوري. وأوضح أن اللقاء لم يسفر عن أي اتفاقات نهائية، بل اقتصر على مشاورات أولية تهدف إلى خفض التوتر وإعادة فتح قنوات التواصل، في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر منذ أوائل ديسمبر الماضي.
وشدّد الوفد السوري على أن وحدة وسلامة وسيادة الأراضي السورية مبدأ غير قابل للتفاوض، مؤكدًا أن السويداء وأهلها جزء أصيل من الدولة السورية لا يمكن المساس بمكانتهم أو عزلهم تحت أي ذريعة. كما تم التأكيد على أن الشعب السوري، ومعه مؤسسات الدولة، يسعون جديًا إلى إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وأن السوريين، بعد سنوات من الصراع، يتطلعون إلى الأمن ويرفضون الانجرار نحو مشاريع مشبوهة تهدد وحدة البلاد.
وأضاف المصدر أن الوفد السوري رفض بشكل قاطع أي وجود أجنبي غير شرعي على الأراضي السورية، وأي محاولة لاستغلال فئات من المجتمع السوري في مشاريع التقسيم أو خلق كيانات موازية تُفتّت الدولة وتُغذي الفتنة الطائفية. وأكد أن أي محاولات لجرّ البلاد نحو الفوضى أو العنف الداخلي مرفوضة بالكامل، محذرًا من مخططات تستهدف النسيج الوطني السوري، وداعيًا المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته في منع الانزلاق نحو مزيد من التصعيد.
وحمل الوفد السوري الجانب الإسرائيلي مسؤولية التصعيد الأخير خلال أحداث السويداء، مشددًا على أن استمرار السياسات العدوانية يهدد أمن المنطقة بالكامل، وأن سوريا لن تقبل بفرض وقائع جديدة على الأرض.
ومنذ اندلاع اشتباكات السويداء بين الدروز وعشائر بدوية في 13 يوليو، صعّدت إسرائيل من عملياتها وقصفت أربع محافظات سورية في الجنوب، هي دمشق وريف دمشق ودرعا والسويداء، مستهدفة مواقع حيوية بينها مبنى رئاسة الأركان التابعة للجيش في العاصمة. وأسفر التصعيد عن قتلى وجرحى، بذريعة حماية الدروز، فيما أكدت دمشق مرارًا أن الطائفة جزء من النسيج السوري، وحمايتها من مسؤولية الدولة.
وأوضح المصدر أن اللقاء تطرق إلى إمكانية إعادة تفعيل اتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974 بضمانات دولية، مع المطالبة بانسحاب فوري للقوات الإسرائيلية من النقاط التي تقدمت إليها مؤخرًا.
وفي ختام اللقاء، تم الاتفاق على عقد لقاءات جديدة خلال الفترة المقبلة، بهدف مواصلة النقاشات وتقييم الخطوات التي من شأنها تثبيت الاستقرار واحتواء التوتر في الجنوب، ضمن إطار يحترم سيادة سوريا ووحدتها واستقلال قرارها السياسي. ووصف المصدر الحوار بأنه كان صريحًا ومسؤولًا، ويأتي في إطار الجهود الرامية لتفادي التصعيد، دون أن يحمل أي طابع اتفاقي حتى الآن.
كما أكد أن الدولة السورية ملتزمة بالدفاع عن وحدة أراضيها وشعبها، وترفض أي مشاريع للتقسيم أو محاولات لجر البلاد إلى صراع داخلي جديد.
ومنذ تراجع قبضة الدولة السورية خلال الحرب، أعلنت إسرائيل انهيار اتفاقية فصل القوات، وسارعت إلى تدمير جزء كبير من قدرات الجيش السوري، وتوغلت في الأراضي السورية وتمركزت في عدة نقاط، ما أثار موجة تنديد واسعة.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد أكد، خلال لقائه بدمشق وجهاء وأعيان محافظة القنيطرة جنوب البلاد في يونيو الماضي، أن بلاده تُجري مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، بهدف وقف الانتهاكات والعودة إلى اتفاقية فصل القوات.