- شبكات الفساد والرشوة والجرائم الاقتصادية دائمًا ما تعطل اعتماد معايير الشفافية المالية والإفصاح
- الفساد دائما ما يحاول تحصين نفسه بالتعتيم، وهذا الأمر ضد الشفافية التي تضمنها المحاسبة
- الاستدامة ستكون جزءًا من البيانات المُفصح عنها
قبل سنوات أطلق الاتحاد الأفريقي "أجندة 2063"، وهي إطار استراتيجي لتحقيق تحول في القارة السمراء على مدى 50 عامًا، ما أسفر عنه اتفاقيات تجارية، مثل منطقة التجارة الحرة القارية (أفكافتا)، وهي الركيزة الأساسية لتنفيذ الأجندة، إضافة إلى اتفاقية السوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا).
تستهدف (أفكافتا) تحقيق التكامل الأفريقي والازدهار، وخلق سوق واحدة للسلع والخدمات في أفريقيا، وزيادة التجارة البينية الأفريقية، وتشجيع الاستثمار، وتحقيق النمو الاقتصادي، والوصول إلى أفريقيا يقودها مواطنوها، وتصبح قوة مؤثرة دوليًا، تحت شعار: الوحدة، الرخاء المشترك، والسلام.
بينما تستهدف (كوميسا) تنمية الموارد الطبيعية والبشرية للدول الأعضاء، وتشكيل وحدات تجارية واقتصادية تستطيع التغلب على الحواجز التجارية، وتعزيز التعاون في مجالات الاستثمار والخدمات، وتخفيض وتوحيد التعريفة الجمركية الخارجية بين الدول الأعضاء.
غير أنه عند التطبيق، شهدت إشكاليات عديدة، كشفت عنها عدة أحداث، مثل الخلاف الذي نشب بين مصر وعدة دول أفريقية حول صادرات الزيت من الأولى، إذ ترى الدول المستقبلة أن هذه الصادرات يجب ألا تستفيد بالإعفاءات الجمركية، كونها لا تفي بنسبة التصنيع المحلي (بلد المنشأ).
تلك المشكلات المتعلقة بالضرائب وطبيعة دول المنشأ ونقل السلع أيضًا تطلبت تدخل اتحاد المحاسبين الأفريقي لمحاولة تقريب وجهات النظر، والعمل مع لجان التنفيذ المعنية، وفق ما قاله وليد بن صالح، رئيس الاتحاد، ويشغل بن صالح، وهو تونسي الجنسية، منصب نائب رئيس اتحاد المحاسبين والمدققين العرب أيضًا.
"الشروق" التقت بن صالح على هامش المؤتمر الدولي المهني الثاني عشر: الاستدامة، والشفافية المالية، والتحول الرقمي "تنمية اقتصادية"، الذي عقده الاتحاد العربي مؤخرًا في القاهرة، وفيما يلي نص الحوار:
ماذا تعني الاستدامة في المحاسبة الأفريقية؟
إجراءات الاستدامة يجب أن تُترجم إلى أرقام واستثمارات في المحافظة على البيئة وكيفية إدارة الموارد الطبيعية، وكيفية تقييم هذه الموارد الطبيعية، وكل ذلك بيانات مالية، وكذلك المخاطر التي يمكن أن تتكون عن الوضع الحالي على المؤسسات والمجتمعات والبيئة إلى آخره.
كل هذا يجب تقييمه حسب معايير مفهومة من جميع الدول والهيئات بالطريقة نفسها، حتى نتمكن من خلق مقارنة سليمة بين الالتزامات والعمليات التي قامت بها الشركات والمؤسسات والحكومات في علاقتها بعضها ببعض.
وهذه المعلومات حسب المعايير التي أصدرتها مؤخرًا الجهة الدولية المشرفة على ذلك، إذ يصطحب البيانات المالية عمليات إفصاح حول الالتزامات والاستراتيجيات التي يقومون بها في مجال الاستدامة.
ما أقصده أن الاستدامة ستكون جزءًا من البيانات المُفصح عنها.
مؤخرًا، اعترضت دول أفريقية على صادرات مصر من الزيوت باعتبارها دولة غير مُنتجة، ما يخالف اتفاقية التجارة التي تفترض نسبة تصنيع محددة في بلد المنشأ، ولا تزال المشكلة قائمة، وكنت قد تكلمتم عن دور المراجعة والمحاسبة في التبادل التجاري، هل يمكن أن تعطينا مزيدًا من التفاصيل في ضوء هذا الأمر؟
هناك بعض الإشكاليات في بعض التفاصيل حول طريقة اعتماد المعاهدات التي تمت.
هناك اتفاقيتان مهمتان: (أفكافتا) وهي اتفاقية التبادل التجاري الحرة القارية، و(الكوميسا) للتبادل التجاري على مستوى قارة أفريقيا، ونحن كمحاسبين ننتمي إلى الاتحاد الأفريقي للمحاسبين، نعمل حاليًا مع اللجان المشرفة على الاتفاقيتين لتقريب وجهات النظر ما بين المستثمرين وما بين الجهات الحكومية والإدارية بين البلدان، حتى نوصل وجهة نظر المستثمر، لأنها هي التي ستمكن فيما بعد من تقريب وجهات النظر بين الحكومات لتسهيل العمليات.
ما سبب هذه المحاولات الآن؟ هل هناك حدث معين استدعى ذلك؟
في "أجندة 2063"، وهي إطار استراتيجي لتحقيق تحول في القارة السمراء على مدى 50 عامًا حتى سنة 2063، والتي تستهدف خلق مناطق حرة للتبادل التجاري، وهذا الأمر بدأ منذ عدة سنوات، وهو ما أفرز الاتفاقيتين، لكن عند التطبيق اصطدمنا بعدة صعوبات، لهذا تدخلنا لتقريب وجهات النظر.
صعوبات مثل ماذا؟
مثل مسألة بلد المنشأ، والضرائب والمعالم الديوانية والنقل، والأخيرة تمثل مشكلة لأن عدة بلدان أفريقية ليست لديها بنية أساسية للنقل، وهناك استثناءات مثل مصر وتونس، وأفريقيا الجنوبية بها بنية تحتية للنقل.
المقصود بذلك أنه عندما يقوم المستثمرون ببناء علاقات تجارية فيما بينهم لا يواجهون عقبات مثل النقل أو المالية، "إذا لم أستطع عمل نقل لن أستطيع عمل بزنس".
ويحتاج المستثمرون أيضًا إلى عدم الاصطدام بالعراقيل الإدارية والديوانية والضريبية، وهذا ما نحاول العمل عليه كمحاسبين.
ماذا تفعلون بالضبط؟ هل تقومون بتوحيد المعايير؟
نحن نعمل بالاتصال المباشر مع الأطراف، ونعمل مع اللجان التي تعمل على تلك الاتفاقيات، ونحاول أن نؤثر في القائمين على القرار حتى يجري تغيير بعض البنود؛ سواء على مستوى الصياغة أو المضمون أو طريقة التفعيل والتنفيذ.
ماذا إذا كان المضمون لا يتناسب مع دولة ما؟
النقاش يتم بهذا الشأن لتقريب وجهات النظر لتسهيل التبادل التجاري في المناطق الحرة.
العديد من الدول الأفريقية لديها قوانين جيدة، لكن لا تُطبق. على سبيل المثال، أصدر بنك التنمية الأفريقي دراسة مؤخرًا عن نيجيريا، أشار فيها إلى أن الدولة الأفريقية، وهي أكبر منتج للنفط في القارة، ومع ذلك تعاني من فقر الطاقة لأسباب عديدة، وضعت تشريعًا قويًا لإصلاح قطاع الكهرباء قبل سنوات، لكنه لم يأت بنتيجة، وأبرز المساوئ عدم الإفصاح والشفافية في القرارات والإجراءات المتبعة. ما تعليقك على ذلك؟
هذا يحيلنا إلى أمر آخر، وهو المعايير الدولية التي يجب تطبيقها في القطاع العام (الحكومات) والمنشآت الوطنية في إدارة الموارد المالية والطبيعية، وطريقة عمل الاتفاقيات مثل إبرام اتفاقيات نفط أو غاز، والتي تتطلب تقييمًا وشفافية مالية وإفصاحًا.
هذه معايير جديدة، ولم تعتمدها كل الدول، "نسبة ضئيلة من أفريقيا اعتمدتها"، رغم صدورها منذ سنوات، ومجلس المعايير المتعلقة بالقطاع العام لا يزال يعمل على معايير أخرى إضافية.
منظومة المعايير الخاصة بالقطاع العام جديدة، صدرت منذ سنوات، وتجاوز عددها حتى الآن 40 معيارًا محاسبيًا، وفي التطبيق لا تزال محدودة جدًا في أفريقيا والدول النامية عامة، "حتى من بدأ التطبيق يفعل ذلك جزئيًا وتدريجيًا، لأن هناك عددًا من المعايير لا يمكن اعتمادها في الوقت نفسه".
يحتاج التطبيق إلى استثمارات لتجهيز قاعدة البيانات لدى الحكومات والأصول والموارد الطبيعية، أي أن هناك عدة مجالات يجب العمل عليها، ويستغرق ذلك وقتًا، والبلدان التي بدأت تبني معايير المحاسبة الدولية في القارة لا تزال في المراحل الأولى "إنها في أول الطريق"، وبلدان أخرى "للأسف لم تبدأ بعد".
ما هو دور الفساد في عدم تطبيق مثل هذه المعايير؟
الفساد بصفة عامة دائمًا ما يحاول تحصين نفسه بالتعتيم، وهذا الأمر ضد الشفافية التي تضمنها المحاسبة، إذ إنها تقف في صف الشفافية المالية والإفصاح. لكن عندما تكون هناك شبكات للفساد أو الرشوة والجرائم الاقتصادية، دائمًا تعطل اعتماد معايير الشفافية المالية والإفصاح.
وإذا تم اعتماد تلك المعايير رغمًا عن المتورطين في مثل هذه الأحداث، فمن الطبيعي أنهم يحاولون إيجاد طرق أخرى للالتفاف عليها.
متى تكون هذه المعايير صاحبة دور أقوى من الفساد؟
هناك تقدم كبير في هذا المجال، وإن كان متفاوتًا بين الدول، لكن هذا الأمر يتطلب إرادة سياسية قوية، ومهنة محاسبة قوية أيضًا ومسموعة، لأنها المعنية بالعمل على مثل هذه الأمور، وهي صوت المستثمرين الذين يعملون بطريقة سليمة وشفافة، وهي التي تنشر ثقافة الشفافية المالية والوعي الضريبي وكل ما يرتبط بهذه الأمور.
تتميز أفريقيا بثرواتها الطبيعية الهائلة، خاصة في مجال المعادن، كما أنها واعدة في مجال إنتاج النفط والغاز، لكن كثيرًا من الاتفاقيات المبرمة مع المستثمرين الأجانب غير عادلة للقارة السمراء، ما هو دور المحاسبة في حماية عدالة عائدات الاستثمار في الثروات بالقارة؟
المحاسبة لها دور مهم جدًا، وكما قلت من قبل، فإن تطبيق معايير الاستدامة في مثل هذه الاتفاقات، وعلى الحكومات أن تفرض على المستثمرين الإفصاح في البيانات المالية عن إجراءات الاستدامة المتعلقة بالتنمية البشرية، والمحافظة على البيئة والموارد، وتحسين وضع مواقع الإنتاج، وإذا لم تتضمن بيانات الإفصاح ذلك سيكون هناك شك بأن الموقع يُستغل بطريقة غير سليمة، ويسهم في الفساد أو جرائم اقتصادية وغير ذلك.
وعندما تعتمد الحكومات معايير المحاسبة الدولية، ستكون ملزمة بالتصريح بالاتفاقيات المبرمة، والاحتياطي، وكيفية التعامل معه، وأسعار البيع.
الشفافية يجب أن تكون من طرفي العمل: الحكومة والمستثمر، وعند ذلك يزيد وعي المجتمعات والشعوب حول إدارة مواردها.