يتدفق زيت الأرجان بين الأصابع كالذهب السائل، حيث يعمل على ترطيب وتجديد البشرة وإضفاء لمسة جمال عليها. وبينما يوصف عالميا بأنه مستحضر التجميل المعجزة، تعد قيمته أكبر من ذلك في المغرب، حيث أنه شريان حياة بالنسبة للنساء في الريف، ومنتج ثانوي في غابة تنهار ببطء تحت وطأة الطلب المتزايد.
ومن أجل صنعه، تنحني النساء فوق طواحين مصنوعة من الحجر ويقمن بطحن حبوب الأرجان. وبعد ما يقرب من يومين من العمل، يحصل النساء على نحو 3 دولارات بعد طحن كيلوجرام واحد من الأرجان. ويعد المبلغ الذي يحصلن عليه مقبولا في ظل اقتصاد تندر فيه الفرص، كما أنه يربطهن بالأجيال السابقة.
وتقول فاطمة منير، من تعاونيات العمال: "لقد ولدنا وترعرعنا هنا. تنبع هذه التقاليد من الطبيعة، ومما علمنا إياه آباؤنا وأجدادنا، وما توارثناه".
ولطالما كان زيت الأرجان عنصرا أساسيا في الأسواق المحلية، كما أنه صار اليوم يستخدم في المنتجات الفاخرة للعناية بالشعر والبشرة، والتي تعج بها أرفف الصيدليات في أنحاء العالم. إلا أن شعبيته الساحقة صارت تهدد غابات الأرجان، حيث يأتي الحصاد الجائر إلى جانب معاناة الأشجار من الإجهاد الناتج عن الجفاف، بعدما كانت تعتبر من قبل صامدة في ظل أقسى الظروف.
فيما تشير حفيظة الحنطاطي، وهي صاحبة إحدى التعاونيات التي تقوم بجمع الثمار وعصرها لإنتاج الزيت، إلى أن المخاطر تتجاوز الأشجار وتهدد التقاليد العزيزة.
وقالت في تعاونية أجديك الواقعة خارج مدينة الصويرة الساحلية: "علينا أن نعتني بهذه الشجرة ونحميها، لأنه إذا فقدناها، فسنفقد كل ما يميزنا وكل ما لدينا الآن".
غابة خارج نطاق الزمن
وظلت أشجار الأرجان على مدار قرون تساهم في الحفاظ على الحياة فوق التلال القاحلة الواقعة بين المحيط الأطلسي وجبال الأطلس، حيث كان يتغذى عليها الإنسان والحيوان، وكانت تحافظ على التربة في مكانها وتساعد في منع توسع الصحراء.
ومن الممكن لتلك الأشجار الشوكية أن تظل على قيد الحياة في مناطق يقل فيها المعدل السنوي لهطول الأمطار عن بوصة واحدة، وتصل درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية (122 فهرنهايت). وتتحمل هذه الأشجار الجفاف بفضل جذورها التي تمتد حتى عمق 35 مترا تحت الأرض. وتتسلق الماعز الأشجار وتأكل ثمارها، ثم تنشر بذورها كجزء من دورة تجدد الحياة في الغابة.
ويقوم المغاربة بتقليب الزيت في زبدة الجوز ورشه على الطواجن. ولكونه غنيا بفيتامين "هـ"، يتم تدليك الشعر والبشرة الجافين به لترطيبهما والحفاظ عليهما. كما يستخدمه البعض لتهدئة الأكزيما أو علاج جدري الماء.
إلا أن حجم الغابات قد تقلص، كما صارت الأشجار تنتج ثمارا أقل، وأغصانها متعرجة بسبب الجفاف.
وكانت المجتمعات تقوم من قبل بإدارة الغابات بشكل جماعي، وتضع قواعد للرعي والحصاد. أما الآن، بدأ النظام يفسد، مع الإبلاغ عن السرقات بصورة روتينية.
والسؤال هو، ما هي المشكلة مع الغابة؟
إن الغابة التي كانت مساحتها تغطي نحو 5405 أميال مربعة (14 ألف كيلومتر مربع) في مطلع القرن، تقلصت بنسبة 40%. ويحذر العلماء من أن أشجار الأرجان "ليست منيعة".
وتوضح العالمة زبيدة شروف، وهي أستاذة كيمياء تجري أبحاثا عن الأرجان في جامعة محمد الخامس بالرباط: "حيث أن أشجار الأرجان كانت بمثابة ستار أخضر يحمي جزءا كبيرا من جنوب المغرب من زحف الصحراء الكبرى، فإن اختفائها ببطء يعد كارثة بيئية".
كما يعتبر تغير المناخ جزءا من المشكلة. فالثمار والأزهار تنبت في توقيت سابق لأوانها في كل عام، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى اختلال تزامن الفصول.
كما أن الماعز التي تساعد في نشر البذور من الممكن أن تكون مدمرة أيضا، ولا سيما إذا تغذت على الشتلات قبل نضجها.
وتواجه الغابات أيضا تهديدات من جانب الإبل التي يقوم أثرياء المنطقة بتربيتها. وتقول العالمة شروف، إن الإبل تمد أعناقها إلى الأشجار وتقضم أغصانا كاملة منها، ما يتسبب في حدوث أضرار دائمة.