تصدر اسم رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، عناوين الصحف مجددًا بعد الكشف عن تفاصيل خطة السلام الأمريكية التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب، والتي تتعلق بحرب غزة.
وأثار اقتراح تولي بلير إدارة حكم انتقالي مدعوم أمريكيًا في قطاع غزة جدلًا واسعًا، ليكون بذلك جزءًا جديدًا في مسيرة حافلة من التدخلات التي شملت غزوات أفغانستان والعراق، بالإضافة إلى دوره في دعم الخطط الإسرائيلية في الضفة الغربية.
ورغم اعترافه بتورطه في تنفيذ السياسات الأمريكية التي خلفت آثارًا سلبية، يواصل بلير تحالفه مع واشنطن سعياً لتحقيق هذه الخطة الجديدة في غزة.
وفي هذا التقرير، تستعرض "الشروق" أبرز محطات مسيرة توني بلير في الشرق الأوسط، من غزوات عسكرية إلى دعم خطط سياسية تتماشى مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية، مستندة إلى كتاب الكاتب أنتوني سيلدون وتقارير صحف الجارديان، والأوبزرفر، والصنداي تايمز البريطانية.
- بين الاعتقاد بإسرائيل ودعم اللوبي اليهودي
ذكر أنتوني سيلدون، كاتب السيرة الذاتية لتوني بلير، وجود اعتقادات متجذرة لدى بلير بالإيمان بدولة إسرائيل، ما دفعه للانضمام إلى مجموعة "أصدقاء إسرائيل" في حزب العمال البريطاني.
ولم تقتصر علاقة بلير بإسرائيل قبل توليه رئاسة الوزراء على التأييد بالرأي، إذ ساعد مايك ليفي، عضو مجلس القيادة اليهودية في بريطانيا، بلير خلال حملته الانتخابية بمبلغ 12 مليون جنيه إسترليني، ساهم في فوزه بمنصب رئيس الوزراء، ليعينه بلير لاحقًا مستشارًا له.
وصرح أقدم عضو بالبرلمان البريطاني عام 2003، النائب توماس داليل، بأن سياسات بلير موجهة من قبل ثلاثة مستشارين موالين لإسرائيل، هم: ليفي، وبيتر ماندلسون، وجاك سترول. وقد ربطت بلير علاقة قوية بثلاثة رؤساء لحكومات الاحتلال، منذ حكومة نتنياهو الأولى، وحتى حكومتي إيهود باراك وأرييل شارون.
- عرّاب غزوات الشرق الأوسط
ونقلت قناة بي بي سي أن بلير أمر بـ5 عمليات عسكرية بريطانية حول العالم خلال أول 6 سنوات من عهده، وهو رقم غير مسبوق بين رؤساء الحكومات البريطانية. بدأت هذه التدخلات بحربي كوسوفو ثم سيراليون في أفريقيا، وكلتاهما كانت تطويرًا لعمليات أمريكية محدودة.
وأيّد بلير الموقف الأمريكي في غزوات الشرق الأوسط منذ البداية، مع تحريك القوات البريطانية نحو الكويت والسعودية عام 1998 لاستهداف العراق، ثم المشاركة البريطانية في غزو أفغانستان عام 2001، وانتهاءً بحرب العراق، التي شهدت أضخم حشد عسكري بريطاني منذ الحرب العالمية الثانية، بمشاركة 42 ألف جندي بريطاني، رغم معارضة 122 نائبًا من البرلمان، وتظاهر أعداد كبيرة من البريطانيين ضد الموقف السياسي لتوني بلير الداعم للغزو الأمريكي.
ويُذكر أن قرار غزو العراق تسبب في تراجع شعبية بلير، وسحب حزب العمال البريطاني تأييده له، قبل أن يستقيل من منصب رئاسة الوزراء نتيجة للخسائر المترتبة على المشاركة في الحرب.
وقد مثل بلير لاحقًا أمام لجنة تحقيق شكلتها الحكومة البريطانية عام 2016 لمناقشة دوره في دفع بريطانيا نحو غزو العراق، وما ترتب عليه من خسائر، حيث أقر بلير بمسؤوليته عن الأخطاء، مع رفضه تقديم أي اعتذار حيال الضحايا المدنيين.
- راعي الخطط الإسرائيلية
عمل توني بلير، خلال رئاسته للحكومة البريطانية، على دعم المواقف الأمريكية في الشرق الأوسط، ومنها رعاية الخطط المتعلقة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، مثل مشروع خارطة الطريق عام 2004، الذي شمل إخلاء قوات الاحتلال من قطاع غزة مع الإبقاء على خطط الاستيطان في الضفة الغربية.
كما تضمنت الخطة مشاركة المخابرات البريطانية، بأوامر من بلير، في إضعاف المقاومة الفلسطينية وجمع المعلومات عنها.
وبالمقابل، لقي دور بلير في "خارطة الطريق" الإسرائيلية-الأمريكية اعتراضًا واسعًا من قبل دبلوماسيين بريطانيين، حيث أرسل 50 منهم رسالة تحث بلير على ترك العمل بالخطة المذكورة.
واستمر تواطؤ بلير مع دولة الاحتلال، إذ رفض الاستجابة لوزراء حكومته من حزب العمال البريطاني في استنكار العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، حيث شهد الحزب الداعم لبلير موجة احتجاج واسعة على مواقفه الضعيفة تجاه الانتهاكات الإسرائيلية في لبنان.
- وسيط "وادي السلام"
واصل بلير مشاركته في سياسات الشرق الأوسط بعد استقالته من رئاسة الحكومة، حيث عمل مندوبًا للرباعية الدولية لشؤون الشرق الأوسط (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة)، وتخصص في ملف خطة وادي السلام، وهو برنامج يضم أمريكا وإسرائيل وعددًا من الدول، يسعى لتنفيذ مشروعات اقتصادية في الضفة الغربية ترسّخ مفاهيم "التعايش" بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وانتهت مهمة بلير في وادي السلام بانتهاء فترة عمله رسميًا عام 2015، دون تحقيق تقدم يُذكر في مسار السلام أو تحسين حياة الفلسطينيين.