إسرائيل تفقد حصانتها أمام القانون الدولى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إسرائيل تفقد حصانتها أمام القانون الدولى

نشر فى : الخميس 1 فبراير 2024 - 8:15 م | آخر تحديث : الخميس 1 فبراير 2024 - 8:15 م
نشرت جريدة القدس الفلسطينية مقالا للكاتب مصطفى البرغوثى، يقول فيه إن قبول دعوى جنوب إفريقيا والقرارات الصادرة ضد إسرائيل يعدان تحولا تاريخيا، إذ سقطت الحصانة عن دولة الاحتلال بمثولها أمام المحكمة لأول مرة منذ 75 عاما. كذلك تناول الكاتب إحدى تبعات هذه القرارات وهى إعلان عدد من الدول التوقف عن تمويل الأونروا استنادا إلى اتهامات إسرائيلية بتورط عدد من موظفيها فى هجوم السابع من أكتوبر... نعرض من المقال ما يلى:
رغم التقصير الذى أبدته محكمة العدل الدولية فى عدم دعوتها إلى وقف فورى لإطلاق النار فى قطاع غزّة، ورغم العيب المتضمن فى الحديث عن الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين من دون ذكر ضرورة الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ومنهم أطفال قُصّر، ومختطفون بالآلاف فى القطاع، فإنّ حكم محكمة العدل الدولية بقبول الدعوى المرفوعة من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل المتّهمة بجريمة الإبادة الجماعية يمثّل تحوّلا تاريخيا جرّد إسرائيل، أول مرة منذ 75 عاما، من حصانتها أمام القانون الدولى، وتهرّبها الدائم من المساءلة، بدعم من الولايات المتحدة والدول الغربية. إذ فقدت إسرائيل تلك الحصانة التى كانت تجعلها فوق القانون الدولى للمساءلة، حتى بعد أن صدر حكم استشارى قاطع بعدم شرعية جدار الفصل العنصرى الذى بنته، وعدم شرعية استيطانها الاستعمارى، وعدم شرعية إجراءات الضم والتهويد التى تقوم بها فى القدس المحتلة.
تحدّد المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية الأفعال التى تسبب الإبادة الجماعية أنها: قتل أعضاء المجموعة المقصودة (الشعب الفلسطينى). التسبب فى أذى جسدى أو عقلى خطر للمجموعة. فرض ظروف معيشية على المجموعة تهدفُ إلى تدميرها الجسدى كليّا أو جزئيا. فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة.
وقد رفضت محكمة العدل العليا طلب إسرائيل حذف الدعوى والقضية بحجّة عدم الاختصاص، أو عدم وجود نزاع بين إسرائيل وجنوب إفريقيا، وقرّرت أن الشروط متوافرة بموجب نظامها الأساسى لاستيفاء تدابير مؤقّتة فى انتظار قرارها النهائى لحماية الحقوق التى تُطالب بها جنوب إفريقيا، والتى رأت المحكمة أنها معقولة وأن لديها السلطة لاتخاذ تلك التدابير.
وأكّدت المحكمة: أولا، على إسرائيل، وفقا لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، فيما يتعلق بالفلسطينيين فى قطاع غزّة، اتخاذ جميع التدابير فى حدود سلطتها لمنع ارتكاب جميع الأعمال التى تدخُل فى نطاق المادة الثانية. ثانيا، أن تضمن دولة إسرائيل بأثر فورى عدم ارتكاب قواتها المسلحة أيا من الأفعال المذكورة. ثالثا، أن تتخذ إسرائيل كل التدابير فى حدود سلطتها لمنع ومعاقبة الحث العلنى (التحريض) على ارتكاب الإبادة الجماعية للفلسطينيين فى قطاع غزّة. رابعا، أن تتّخذ إسرائيل تدابير فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمعونة الإنسانية التى هى حاجة عاجلة لعلاج أوضاع الحياة السلبية التى يواجهها الفلسطينيون فى قطاع غزّة. خامسا، أن تتخذ إسرائيل تدابير فعالة لمنع تدمير الأدلّة المتعلقة بادعاءات أفعال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. سادسا، أن تقدّم إسرائيل تقريرا للمحكمة بكل التدابير التى اتخذتها لتنفيذ هذا الأمر خلال شهر من تاريخه.
وإذا تمعنّا فى مضمون قرار محكمة العدل الدولية ومستنداته، والذى أنصح المهتمين بقراءته كاملا، وعدم الاستناد إلى التعليقات العابرة، وبعضها جاهل، لأن قرار المحكمة يفتح الباب على إدانة إسرائيل بارتكاب كبرى الكبائر فى العرف الإنسانى المعاصر، وهى جريمة الإبادة الجماعية، ولأن خلاصته تؤدّى إلى أن من المستحيل على إسرائيل أن تنفذ قرارات المحكمة الستة من دون وقف شامل وكامل ودائم لإطلاق النار. إذ كيف يتوقّف جيش الاحتلال عن قتل المدنيين وعدم إيذائهم جسديا وعقليا من دون وقف إطلاق النار، وكيف يمكن أن يسمح للسكان بالعودة إلى منازلهم، وترميمها لتوفير الخدمات الأساسية والمعونة الإنسانية، وعلاج أوضاع الحياة السلبية لسكان قطاع غزة، دون وقف اطلاق النار… إذا، ورغم عدم نطق المحكمة بقرار وقف إطلاق النار، فإن تنفيذ كل قراراتها مشروط بوقف إطلاق النار، خصوصا أن إسرائيل مُلزمة خلال شهر بتقديم تقرير عن كل ما قامت به لتنفيذ قرارات المحكمة.
●●●
الخطوة الطبيعية التالية لقرار المحكمة هو ما يمكن أن تقوم به الجزائر، بصفتها عضوا فى مجلس الأمن، بطرح قرار منه يدعو إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار شرطا ضروريا لتنفيذ قرارات المحكمة. وإذا ما قرّرت الولايات المتحدة استخدام حقّ النقض (الفيتو) مجدّدا لتعطيل القرار، فستُصبح هى نفسها متّهمة بتسهيل ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، ولن يمنع هذا الفيتو الجزائر والدول الصديقة من التوجّه مجدّدا إلى الجمعية العامة لاتخاذ قرار جديد بوقف إطلاق النار. ومن ناحية أخرى، ما قرّرته محكمة العدل الدولية، وما نشأ عنه بكون إسرائيل متهمة بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية يمثل منطلقا لتصعيد غير مسبوق فى حملة المقاطعة وفرض العقوبات وسحب الاستثمارات ضد إسرائيل، حتى تنهى احتلالها ونظامها العنصرى ومنظومة الاستعمار الاستيطانى الإحلالى التى أنشأتها.
●●●
أسوأ ما تبع قرار محكمة العدل الدولية الإجراء المشين، والذى كان مبيّتا على ما يبدو، لجذب الأنظار عن قرار المحكمة ولتصعيد الهجمة على الفلسطينيين، من الولايات المتحدة وعشر دول غربية أخرى، بوقف المساعدات لوكالة الغوث الدولية، وهى الجسم الرئيس الذى يؤمّن وصول المساعدات الشحيحة إلى قطاع غزّة، بحجّة اتهامات إسرائيلية مشكوك فى صحتها لبعض موظّفى وكالة الغوث، وهى اتهامات لم يتم التحقيق فيها بعد. وحتى لو كانت صحيحةً، فإنها لا تبرّر ارتكاب جريمة العقوبات الجماعية ضد جميع مؤسّسات وكالة الغوث الدولية وخدماتها، وضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزّة ودول أخرى. مع العلم أن هذه الدول الغربية لم تقم بإجراء واحد ضد إسرائيل لقتلها الوحشى ما لا يقل عن 150 من موظفى وكالة الغوث فى أثناء تقديمهم الخدمات الإنسانية.
ومثل الفعل القبيح بوقف تمويل وكالة الغوث تعرية إضافية للانحياز الغربى الواسع لإسرائيل، بغضّ النظر عن بشاعة الجرائم التى ترتكبها، وهو يمثل فى الواقع مشاركة فى جريمة «فرض ظروف معيشة على مجموعات من السكان تهدف إلى تدميرها كليا أو جزئيا» وهو ما تعتبره اتفاقية الإبادة الجماعية نوعا من ممارسة الإبادة الجماعية، ومن المشروع فى هذه الحالة التفكير بأن الضغوط الجديدة على وكالة الغوث الدولية تعبّر عن النيّة الخطيرة والقديمة تصفية حقوق اللاجئين الفلسطينيين، ووكالة الغوث، التى شكلت أساسا لرعايتهم حتى عودتهم، حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194.
ويصحّ فى ما جرى شطر البيت المعروف «لقد جاوز الظالمون المدى»، ولكن لا ظلمهم ولا تقاعسهم، ولا انحيازهم العنصرى لإسرائيل ودفاعهم عن عدوانها، يمكن أن يكسر إرادة الشعب الفلسطينى وتصميمه ونضاله من أجل الحرية، وإن كان بدّد إلى الأبد أوهاما سيطرت على وعى كثيرين بشأن تبنّى تلك الدول لقيم القانون الدولى وحقوق الإنسان والديمقراطية، وهى أوهامٌ تبخّرت إلى الأبد على رمال قطاع غزّة الصامد ببطولة لأبشع جريمة إنسانية فى عصرنا الحديث.

النص الأصلى:

التعليقات