رأى اليوم ـ لندن - خالد الجيوسى
يبدو أن المجتمع السعودى لا يزال محصورا بأفكاره المتعصبة والمتشددة فى بعض الأحيان، وهذا التفكير نابع، كما يظهر من عادات وتقاليد مجتمعية ارتبط تطبيقها بالدين الإسلامى على مبادئ مذهبية مفرطة التطرف، حيث تكفر كل من يدور فى غير فلكها أو يحيد عن طرقها!
احتفلت المملكة السعودية بعيدها الوطنى مؤخرا، وامتلأت الشوارع بالأعلام الخضراء، وازدحمت الأسواق، ووجهت إدارة المحال التجارية بالإغلاق باكرا بالتنسيق مع القوى الأمنية، تحسبا لأى أعمال احتفالية، تتحول كما العادة إلى أعمال شغب تطال من شدة حماسها ولهيبها واجهات المحال وأصحابها، وسرقتهم فى حالات استثنائية تعلن على أثرها مراكز الشرطة الاستنفار، ويتحول المشهد الاحتفالى، إلى تخوف واستنفار عام، بفعل تصرفات شبابية «مشاغبة» أغلقوا أفقها، ومنعوا تفكيرها، وأعلنوا كبتها، وأطلقوها للحياة، ويخرج أحدهم متسائلا: ماذا ينقص شبابنا حتى يفعلوا هذه الأفعال الرجعية التى لا تليق بمكانة بلادهم المرموقة بين الدول، ولماذا تقدم الأفعال القبلية على الوطنية!
ما ذكرته يتكرر فى كل عيد وطنى سعودى ولا جديد فيه، وأحببت أن أمر عليه سريعا من باب التساؤل لا أكثر، ما لفتنى حقيقة هذه المرة فى الاحتفالات، ظهور فتاة سعودية مراهقة عمرها لا يتجاوز الحادية عشرة تدعى جنى الشمرى، غنت محتفلة بعيد بلادها الوطنى، ارتدت عباءة خضراء جديدة، وظهرت على الجمهور الذى كان والدها جالسا بينهم من دون ساتر «حجاب» على شعرها أى«سافرة» كما هى المصطلحات التى يستخدمها رجال الدين والدعاة والمشائخ هناك، وأسدلته على ظهرها، ووضعت أحمر شفاه على شفتيها، علها ببراءة تظهر جمال سنها «الطفولى».
ضجت مواقع التواصل الاجتماعى بشقيها «الفيسبوكى والتويترى» بها، وانقسمت الآراء بين مؤيدة ومعارضة لظهور الشمرى المكشوف هذا، واتهمها بعض أساتذة الجامعات الفقهاء والمثقفين بالقبح وقلة الأدب وانعدام الاحتشام، وحملوا والدها مسئولية فعلتها ووزر الإثم المترتب عليها، والذى أكد بدوره غاضبا أن ابنته لا تزال طفلة صغيرة، كما أنها غنت مع مجموعة أطفال آخرين، ولم تكن لوحدها.
أشفق على والد الطفلة ليس من تلك التعليقات والتغريدات المسيئة التى طاولتها من عامة الشعب، فهؤلاء أكثرهم ذو خلفيات تقليدية متعصبة، أو دينية متحجرة، أو يعانى من مشاكل نفسية وحالات كبت جنسية، وهذا بالطبع لم أجلبه من عقلى فالمتتبع "لهاشتاق" الفتاة النشط على "تويتر"، يستطيع أن يرى هذه الخلفيات أو المشكلات، لا أريد أن أعمم هنا بالطبع فهناك الكثير بالتأكيد ممن رحمهم ربى.
تضامنى مع والد الفتاة، وإشفافى عليه كما قلت، يأتى أمام هؤلاء الذين يعتبرهم المجتمع نخبا ومثقفين وفقهاء، ويعول عليهم فى التفكير والتطوير والقيادة، فكيف يعتبر أحدهم نفسه قياديا نخبويا، وهو يرى فى وجه وشعر طفلة فتنة، ويطلق عليها كافة الاتهامات من دون وجه حق، ذنبها أنها غنت لبلادها فى عيدها الوطنى واعتبرت نفسها طفلتها المدللة، ردت بلادها الجميل أن اتهمتها بالفحش والجمال الإغرائى والسفور المفرط، ولا نستبعد أن يطالب أحدهم بإقامة الحد الشرعى عليها بتهمة إغراء «الرجال» عمدا بشعرها الأسود المنسدل.
بأى نظرة، ستنظر هذه الفتاة ومن هن بأعمارهن، إلى الرجال فى بلدهن، وأى ثقة تلك التى يتركونها فى عيونهن، أى رجالات هذه التى تهين المرأة إن فكرت بالقيادة، وإن حلمت بالريادة، عليها أن تفكر فقط أنها سلعة جنسية متى بدأ عمرها عن الخامسة بالزيادة، لا تفكرى، انبطحى، واحملى «الخفاق الأخضر»، كما يقول نشيدك الوطنى، لكن اصمتى فوجودك عورة، وصوتك ثورة، اكتفى واختفى «بالأسود الأستر»!!