نشر موقع صحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتب العراقى «وليد خدورى» ــ المتخصص فى شئون الطاقة ــ وجاء فيه؛
سُجلت الأسبوع الماضى سلسلة تطورات نفطية وجيوسياسية، بدأت فى الجزائر بالاجتماع الدورى للجنة الوزارية المشتركة لمراقبة الأسواق الممثلة لدول «أوبك» وحلفائها من الدول المنتجة الأخرى، والتى شارك فيها وزير الطاقة السعودى خالد الفالح ونظيره الروسى الكسندر نوفاك. وقررت اللجنة عدم زيادة الإنتاج حاليا لأنها «مرتاحة لأبعاد سوق النفط مع التوازن بين العرض والطلب»، على رغم تغريدة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب التى طالب فيها «أوبك» بزيادة الإنتاج لكبح ارتفاع الأسعار.
وارتفعت الأسعار أوائل الأسبوع الماضى لتتجاوز 81 دولارا للبرميل، مترقبة مقاطعة الصادرات النفطية الإيرانية فى 4 نوفمبر. وتوقعت بيوت اقتصادية ودوائر بحوث فى كبرى المصارف ارتفاع الأسعار خلال الأسابيع المقبلة وعام 2019 إلى نحو 90 دولارا، بينما توقع بعضها العودة إلى 100 دولار للبرميل.
وعكست وجهة نظر «أوبك» وحلفائها اطمئنانهم إلى استقرار الأسواق، بناء على تلبية كل طلبات المصافى ولعدم تواجد شح فى الأسواق، ولأن إنتاجهم يشمل كلا من الصادرات إلى الأسواق العالمية والتخزين فى مستودعاتهم تحسبا لأى تطورات جيوسياسية. ولكن لواشنطن وجهة نظر مختلفة، فارتفاع الأسعار يؤثر سلبا فى الاقتصادين الأمريكى والعالمى، كما أن نتائج انتخابات الكونجرس فى 8 نوفمبر المقبل ستقرر مصير ترامب خلال العامين المتبقيين من عهده الأول. وتتخوف الدول المنتجة من أن يشكل الإنتاج الفائض عن الطلب تخمة فى الأسواق، كما حصل خلال تدهور الأسعار بين عامى 2014 و2016، وذلك فى حال الوصول إلى حل دبلوماسى للأزمة الإيرانية، والتى كان وزراء خارجية الدول الأوروبية والصين وروسيا يتفاوضون فى شأنها خلال الفترة المذكورة فى نيويورك.
وعلى رغم اطمئنان المنتجين، تتخوف الأسواق من عدم قدرة المنتجين على تعويض تقليص صادرات النفط الإيرانى، والتى تقدر بما بين مليون و1.4 مليون برميل يوميا من إجمالى نحو 2.4 مليون برميل يوميا من الصادرات أخيرا. وتعويض النقص فى الصادرات الإيرانية فقط ليس بالأمر الصعب، فعلى رغم تقلص إنتاج بعض الدول فى «أوبك»، مثل ليبيا ونيجيريا وفنزويلا، تبقى هناك طاقة إنتاجية فائضة وافية عند الدول المنتجة الكبرى، مثل السعودية والإمارات والكويت والعراق وروسيا. ولكن السيناريو الأصعب يتمثل فى تنفيذ إيران تهديداتها بمنع أى صادرات نفطية من مضيق هرمز، ما سيعنى، فى حال تنفيذه وهو أمر مشكوك فى نجاحه، حجب ما لا يقل عن 15 مليون برميل يوميا، معظمه للدول المنتجة الكبرى. وعندها، سيكون من الصعب تعويض النفوط التى ستحجب عن الأسواق وسترتفع الأسعار تاركة آثارها السلبية فى الاقتصاد العالمى.
وأعلن وزراء خارجية الدول الموقعة على الاتفاق النووى الإيرانى عام 2015، أى الصين وفرنسا وألمانيا روسيا وبريطانيا وإيران والممثلة الرئيسة للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية، فى 24 سبتمبر الماضى فى نيويورك توقيع بيان يفتح باب التسوية للاتفاق النووى بعد انسحاب أمريكا منه. وأعطى البيان بصيصا من الأمل لحل الأزمة دبلوماسيا، من دون أن يذكر أى اتفاق نهائى، فالأمر لا يزال يتطلب مفاوضات صعبة. ولم يذكر البيان بصراحة كيفية حل الأزمة من دون تغيير جذرى فى الموقف الأمريكى لأن ترامب لا يزال على موقفه فى التصدى لإيران، كما أكد فى خطابه للجمعية العمومية للأمم المتحدة فى 25 سبتمبر الماضى.
وعلى رغم عدم ذكر البيان أى اتفاق، إلا أنه أشار إلى إمكان وضرورة تبنى الدول الأوروبية سريعا اقتراحات عملية للحفاظ على وسائل التعامل المالى مع إيران لتأسيس مسار محدد يهدف إلى تخطى المصارف الأمريكية لتسهيل الدفعات للصادرات الإيرانية، من ضمنها النفط، إلى جانب الواردات الإيرانية، للمساعدة فى توفير الثقة للعمليات الاقتصادية مع إيران ولإجراء عمليات اقتصادية استثمارية وتجارية قانونية معها.
وتعتبر محاولة الدول الأوروبية الكبرى إيجاد طريقة لاستيراد النفط الإيرانى من دون استعمال الدولار، على رغم عدم الاتفاق على هذا الأمر حتى الآن، تحولا كبيرا ومهما فى السياسة الاقتصادية الدولية، خصوصا أن الصين والهند وروسيا تبنت خطوات أولية ومحدودة فى هذا المسار. فالمبادرة الأوروبية لشراء النفط من دون استعمال الدولار، ستخلق خلافا استراتيجيا مع الولايات المتحدة فى حال تبنيها، وتشكل دليلا على مدى اتساع الخلاف بين جانبى المحيط الأطلسى.
وكانت الدول المنتجة للنفط المجتمعة فى الجزائر على إطلاع على محادثات نيويورك وقرب صدور بيان مشترك، ولذلك أصرت الحفاظ على سياستها الإنتاجية، آخذة فى الاعتبار أساسات الأسواق، أى الحفاظ على طاقة إنتاجية فائضة مقبولة لطمأنة الأسواق إلى إمكان زيادة الإنتاج فى حال الضرورة ارتفاع الطلب.
ولا يتوقع تغيير السياسة الأمريكية تجاه إيران قريبا، ولا تغيير السياسة الإيرانية النووية والصاروخية وتقليص نفوذها فى الشرق الأوسط فى وقت قصير. ومن المحتمل فى الوقت ذاته تصاعد الخلافات والعداء لتعزيز المواقف قبل الولوج فى محادثات جدية لتسوية الخلافات وتبنى سياسات جديدة. وسينتهز المضاربون هذه الفترة الحرجة فى الأسواق النفطية وفى التطورات الجيوسياسية الشرق أوسطية، ما يعنى استمرار الأسعار عند المعدلات العالية الحالية لفترة من الزمن إلى حين عودة الأسواق إلى العوامل الأساس بدلا من الضغوط الجيوسياسية.
وسيتطلب هذا الأمر فترة طويلة من المفاوضات، تتخللها مشاورات داخلية فى كل من الولايات المتحدة وإيران ومحادثات مع الأوروبيين، قد تؤدى إلى مفاوضات أمريكية ــ إيرانية مباشرة لوضع النقاط على الحروف، أو فشل المفاوضات ونشوب صراع عسكرى حول الملف النووى الإيرانى.
الحياة ــ لندن