محمد صلاح يقهر الإسلاموفوبيا - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 3:29 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمد صلاح يقهر الإسلاموفوبيا

نشر فى : الإثنين 1 نوفمبر 2021 - 8:50 م | آخر تحديث : الإثنين 1 نوفمبر 2021 - 10:14 م

 

«هل يمكن أن يساهم المشاهير فى تقليص حدة التعصب لدى الشعوب؟!.. تأثير محمد صلاح فى السلوكيات والمواقف الغربية المعادية للإسلام». هكذا جاء عنوان الدراسة التى أعدتها ونشرتها جامعة كامبريدج البريطانية، قبل قليل، معتمدة منهج رصد وتحليل البيانات الخاصة بتقارير جرائم الكراهية فى أرجاء المملكة المتحدة، وتحليل مضمون 15 مليون تغريدة لمشجعى كرة القدم الإنجليزية.
كشفت نتائج الدراسة الأكاديمية أن انضمام صلاح، إلى أروقة الفريق الإنجليزى فى صيف 2017، وقيادته للفوز ببطولة دورى أبطال أوروبا للمرة السادسة عام 2019، بعد غياب استمر 14 عاما، قد أدى إلى تراجع تدريجى فى عدد من مؤشرات ظاهرة الإسلاموفوبيا، التى تعنى الخوف من، أو كراهية، الإسلام والمسلمين، بما يستتبع ممارسات عدائية ضدهم، وذلك على مستوى مقاطعة، ميرسى سايد، التى تتبعها مدينة ليفربول.
فمن جهة، تم رصد تراجع بنسبة 19% فى معدل جرائم الكراهية ضد المسلمين على مستوى المقاطعة، التى كانت تشهد 936 جريمة كراهية قبل مجىء النجم المصرى إليها. هذا فى حين لم يُسجل انخفاض مشابه فى أنواع الجرائم الأخرى، أو انكماش مماثل فى سائر المقاطعات البريطانية. ومن جهة أخرى، وبعدما تابعت وحللت محتوى 15 مليون تغريدة لجماهير كرة القدم الإنجليزية، وأجرت بحوثا ميدانية على 8060 شخصا من مشجعى نادى ليفربول، توصلت الدراسة إلى أن نسبة التغريدات العنصرية، التى كان يدونها مشجعو ليفربول، المعروفون تاريخيا بتحاملهم على الإسلام والمسلمين، انخفضت بنسبة 50%، حيث تراجعت نسبتها من 7.2%، من إجمالى تغريدات جماهير النادى الأحمر، إلى 3.4% فقط، مقارنة بباقى مشجعى الأندية البريطانية الأخرى. وفى ثنايا هتافهم المؤيد لتألق وإبداع الفرعون المصرى، رصدت الدراسة جملا وعبارات إيجابية للغاية، أضحت جماهير ليفربول تلهج بها عن الإسلام والمسلمين.
انطلاقا من مخرجات تجربتها الاستقصائية، اهتدت الدراسة إلى أن نجاح محمد صلاح فى تقديم هويته الإسلامية للبريطانيين بطريقة مقنعة، حملهم على تعميم مشاعرهم الإيجابية تجاهه لتطال غالبية المسلمين. فلقد ساهمت أخلاقيات صلاح، كمسلم مبدع ومحبوب من الجماهير، فى تقليص نسبة كراهية الإسلام داخل مقاطعة ميرسى سايد. فمنذ التحاق «مو» بفريق ليفربول، واعتياده السجود، شكرا لله، عقب كل هدف يسجله، انتشرت تويتات وفيديوهات تُظهر أطفالا ومراهقين بريطانيين، من غير المسلمين، وهم يقلدونه، من خلال السجود فور تسجيلهم أية أهداف أثناء ممارستهم للعبة كرة القدم.
مستخلصة نتائج بحثها الميدانى التحليلى المعمق، انتهت الدراسة إلى أن النماذج الإيجابية التى تقدمها شخصيات عامة أجنبية فى الدول الغربية، يمكن أن تسهم فى تغيير اتجاهات وسلوكيات شعوب هذه الدول وصورها الذهنية النمطية السلبية إزاء ثقافات ومجتمعات البلدان الأصلية لتلك الشخصيات. كما يمكن لنجاحات المشاهير، أن تساعد فى إضفاء الطابع الإنسانى على المجموعات البشرية، التى تتعرض للتمييز، وبمقدورها زيادة التسامح، وكبح جماح التعصب والسلوك المتحيز، خصوصا عندما يكون النجوم الوافدون مساهمين إيجابيين فى تحقيق هدف قومى مشترك بالبلد الذى يقطنوه.
وفى أعقاب فوز ليفربول بلقب دورى أبطال أوروبا لعام 2019، أجرى «مختبر سياسة الهجرة»، بجامعة ستانفورد الأمريكية، دراسة ميدانية حول تأثير الحالة الإبداعية لصلاح على ظاهرة الإسلاموفوبيا. وعمد الباحثون إلى اختبار الأطروحة المتعلقة بنجاح الصورة التى قدمها عن المسلمين فى مناهضة تلك الظاهرة، من خلال البحث فى ثلاثة محاور أساسية: فحص جرائم الكراهية فى بريطانيا. تحليل التغريدات التى تنتقد الإسلام بين متابعى أندية الدورى الإنجليزى الممتاز. إجراء تجربة استطلاعية على سلوك مشجعى نادى ليفربول، بغية اختبار العوامل التى قادت إلى هذه النتائج المبهرة.
وقد أظهرت نتائج الدراسة أن شواهد من قبيل: تَدَيُّن محمد صلاح، الذى تجلى فى تمسكه بدينه، وعدم تخليه عن سجوده بعد إحراز أى هدف، إضافة إلى اختيار اسم «مكة» لابنته، مع التزام زوجته بارتداء الحجاب، علاوة على أدائه المبهر داخل المستطيل الأخضر، وسلوكياته وخصاله خارجه، قد أثرت جميعها بالإيجاب فى تصحيح تصورات مشجعى نادى ليفربول حيال الإسلام ومعتنقيه.
فلقد ارتأى 23% ممن شملتهم الدراسة، أن الإسلام متوافق مع القيم البريطانية. ومن جانبه، قال، مقداد فيرسى، مساعد الأمين العام للمجلس الإسلامى البريطانى: «إن صلاح أمسى حلا لمشكلة الإسلاموفوبيا، لأنه يُجسِّد قيم الإسلام ويُظهر إيمانه علنا، ولديه قدرةٌ على نيل حب الجماهير بسهولة». أما عمدة ليفربول، ستيف روثرام، فأكد فى تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، أن «محمد صلاح نجح فى إنهاء أى مظاهر متعلقة بالفهم الخاطئ عن الدين الإسلامى، وقوض ما يسمى بظاهرة الإسلاموفوبيا، التى اجتاحت العديد من الدول الأوروبية، بعدما تفنن فى تقديم صورة جيدة عن الإسلام، ساعدت بدورها فى معالجة الصورة الخاطئة عن المسلمين فى الخارج». وإلى أبعد من هذا وذاك، ذهبت مجلة «نيويوركر» الأمريكية، حينما سلطت الضوء على إعراب الكثير من المشجعين الكرويين البريطانيين والأوروبيين المتعصبين، عن استعدادهم لاعتناق الإسلام، بسبب أخلاق صلاح وتألقه.
لم يتبوأ الفرعون المصرى تلك المنزلة الرفيعة من فراغ. فإلى جانب تدينه وحسن خلقه، ما برح يقاتل لانتزاع لقب أفضل لاعب. فبعدما غدا الثالث على لائحة أفضل لاعبى العالم لجوائز الاتحاد الدولى (فيفا) عام 2018، ارتفعت أسهمه فى المنافسة هذا العام على الكرة الذهبية، بعد تسجيله «هاتريك» فى شباك نادى مانشستر يونايتد، الغريم التقليدى الذى قهره الريدز، مؤخرا، بخماسية نظيفة مقابل لا شىء، قبل ساعات من إغلاق التصويت على الجائزة الأهم والأشهر عالميا، والتى تمنحها مجلة «فرانس فوتبول» الرياضية الفرنسية. ولقد انتهز صلاح فرصة الكلاسيكو أمام يونايتد لإقناع المصوتين، بأحقيته فى المنافسة على الكرة الذهبية كأفضل لاعب فى العالم فى الوقت الحالى، فأنهى لقاء الفوز التاريخى بثلاثية وتمريرة حاسمة خلال 60 دقيقة. مسجلا بذلك نقاطا غالية جديدة فى مواجهة منافسيه من النجوم العالميين البارزين، يتقدمهم الأرجنتينى ليونيل ميسى، والبولندى روبرت ليفاندوفسكى، والفرنسى كريم بنزيمة، والبرتغالى كريستيانو رونالدو.
وتظهر الإنجازات، التى يسجلها الفرعون المصرى فى الدورى الإنجليزى والبطولات الأوروبية، إصرارا قويا على تحطيم كثير من الأرقام القياسية. فبداية من كونه أول لاعب، على الإطلاق، فى تاريخ «البريمييرليج»، يسجل «هاتريك» فى «أولد ترافورد»، وأول لاعب فى تاريخ نادى ليفربول، الممتد على مدار 129 عاما متصلة، يسجل فى ثلاث مباريات متتالية خارج الديار ضد يونايتد، مرورا بتحوله إلى أفضل مسجل فى تاريخ النادى بدورى أبطال أوروبا، بواقع 31 هدفا، وأول لاعب يسجل فى عشر مباريات متتالية، فى إنجاز غير مسبوق. وقد سجّل النجم المصرى 12 هدفا مع 5 تمريرات حاسمة فى 11 مباراة فقط هذا الموسم، وكان حاسما ضد يونايتد، وتشيلسى، ومانشستر سيتى، فى الدورى الإنجليزى، وميلان الإيطالى، وأتلتيكو مدريد الإسبانى فى دورى الأبطال.كما تمكن من رفع رصيده من الأهداف فى الدورى الإنجليزى إلى 107 فى 167 مباراة، حتى صار أفضل هداف أفريقى فى تاريخ «البريمييرليج» متخطيا العاجى ديدييه دروجبا، وصولا إلى تصدر لائحة الهدافين برصيد عشرة أهداف. ومن شأن الحماس الدائم والعزيمة الصلبة لصلاح أن تجعل تلك الأرقام مرشحة للارتفاع فى قابل الأيام.
بعد شهادة مدرب ليفربول، الألمانى يورجن كلوب، بأن صلاح هو أفضل لاعب فى العالم حاليا. وإشادته باحترافيته العالية والتزامه اللافت، وتطور أدائه ومهاراته بشكل متسارع. تزامنا مع مطالبة مشجعى الفريق ونجمه السابق مايكل أوين، المتوج بالكرة الذهبية لعام 2001، بضرورة بقاء المهاجم المصرى فى صفوف الريدز بأى ثمن، يتطلع الفرعون إلى إقناع ناديه المفضل بقبول شروطه المالية لتمديد عقده، الذى سينتهى صيف العام 2023. فبينما يحصل صلاح حاليا على راتب أسبوعى يبلغ 200 ألف جنيه إسترلينى، ما يجعله صاحب ثانى أعلى أجر فى الريدز بعد المدافع الهولندى فان دايك، الذى يتقاضى 235 ألفا، تشير تقارير إعلامية إنجليزية إلى أن النجم الذهبى البالغ من العمر 29 عاما وينشد السير على خطى البرتغالى رونالدو، فى عطاء كروى متميز
يمتد لسبع سنوات إضافية، يطلب رفع أجره إلى ما بين 350 ألفا و500 ألف جنيه إسترلينى أسبوعيا، ليغدو صاحب أضخم عقد فى تاريخ ليفربول. وهو ما يخشاه النادى الأحمر، مخافة استنفار تطلعات لاعبين آخرين داخل الفريق، وتجنبا لتجاوز سقف الرواتب المعمول به منذ فترة.
على أية حال، لقد أثبت أيقونة الشرق وأسطورة ليفربول، بشهادة العجم قبل العرب، أن الإبداع المتناغم مع التجسيد العبقرى للإسلام الوسطى المتسامح، يظل أمضى وأنجح ركائز القوة الناعمة لبلاده وعروبته وعقيدته. فيا ليتنا نتلقف هذه المنحة الإلهية الغالية، ونتفانى فى دعمها، وصيانتها، وحسن استثمارها. على أن نجتهد، بالتوازى، فى تهيئة البيئة المواتية لإنتاج نماذج عديدة مماثلة، فى شتى مناحى الحياة. فلعلنا نحظى بأفضل سفراء لخير أمة. وعساهم يفلحوا فى إصلاح ما أفسده الظلاميون المارقون من بنى جلدتهم، وآخرون من دونهم.

التعليقات