زوابع ترامب.. كل هذه الفوضى! - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الأحد 2 فبراير 2025 10:39 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

زوابع ترامب.. كل هذه الفوضى!

نشر فى : الأحد 2 فبراير 2025 - 7:45 م | آخر تحديث : الأحد 2 فبراير 2025 - 7:45 م

لم يكن مقترح الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» لـ«تطهير غزة» من الفلسطينيين خروجا عن سياق الأزمات والزوابع، التى صاحبت صعوده مجددا إلى البيت الأبيض.

أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية طرح على الرأى العام العربى سؤال: هل يمكن أن يتغير «ترامب»؟!

كان ذلك تعلقا بآمال أقرب إلى الأوهام المحلقة.

تكاد تتماهى رؤيته مع أيديولوجية اليمين الصهيونى الأشد تطرفا.

«لو كنت موجودا فى البيت الأبيض لما جرت أحداث السابع من أكتوبر!».

بدا ذلك التصريح فى وقته وظروفه نوعا من المناكفة مع الرئيس السابق «جو بايدن» للتدليل على ضعفه الفادح، رغم دوره الجوهرى فى توفير غطاء استراتيجى شبه مطلق عسكريا واستخباراتيا وسياسيا لجرائم الحرب التى ارتكبتها إسرائيل فى غزة.

قبل تنصيب «ترامب» رئيسا استهدف طلبه وقف إطلاق النار وعودة الرهائن والأسرى تأكيدا آخر على المعنى نفسه.

 الآن جاء وقت مواجهة الحقائق.

 كلاهما يقف فى نفس الخندق رغم اختلاف المقاربات.

«بايدن» بالتورط الكامل فى حرب الإبادة على غزة.. و«ترامب» باستكمال المهمة، أو «تطهير غزة» من سكانها الفلسطينيين ونقلهم إلى سيناء، أو أى مكان آخر فى مصر.

فى ولايته الأولى اعترف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية للدولة العبرية، أسبغ اعترافا آخر على ضم الجولان السورية المحتلة، وأيد التوسع الاستيطانى فى الضفة الغربية.. مقترحا ما أطلق عليه «صفقة القرن».

حاولت تلك الصفقة تفريغ القضية الفلسطينية من طبيعتها كقضية تحرر وطنى لشعب رازح تحت الاحتلال يطلب حقه فى تقرير مصيره بنفسه مقابل بعض التخفيف من وطأة أحواله الاقتصادية.

هو الآن يعود بصورة أكثر توحشا لجوهر الصفقة المجهضة بنفى الوجود الفلسطينى كله من غزة.

المصير نفسه ينتظر الضفة الغربية بتهجير مماثل إلى الضفة الأخرى فى الأردن.

سيناريو التهجير بتبعاته يفضى مباشرة إلى تصفية القضية الفلسطينية والإضرار الفادح بالأمن القومى المصرى، كما يضع الأردن على محك الخطر الداهم فى بنيته ووجوده.

لم يكن ممكنا تمرير مقترح «ترامب» بأية ذريعة.

كان الرفض واضحا وصريحا.

يستلفت النظر ــ أولا ــ أن إدارة «ترامب» سألت الدولتين العربيتين أن تقدما بديلا!، كأنه لا توجد مرجعيات وقرارات دولية متراكمة عنوانها الرئيسى حق الفلسطينيين فى دولة مستقلة، أو ما يعرف بـ«حل الدولتين».

ويستلفت النظر ــ ثانيا ــ أن «ترامب» تجاهل الاعتراض الفلسطينى ــ المصرى ــ الأردنى مؤكدا أن مقترحه سوف يلبى بداعى «الصداقة» و«المصالح»!

كان ذلك نوعا من التلويح بضغوط اقتصادية قد تطرأ دون أن يخطر بباله خطورة الملف الذى يتحدث فيه واستحالة التنازل تحت أى ضغط.

ذلك كل يكتسب كامل أبعاده من سياق الفوضى الضاربة فى أداء الإدارة الأمريكية الجديدة.

لم يحرز أى تقدم فى ملف الحرب الأوكرانية، التى تعهد بإنهائها قبل أن يدخل البيت الأبيض بمجرد الاتصال مع الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين».

بدا ذلك التصريح مناكفة أخرى مع «بايدن»، لكنه يفتقد أى خطة عملية قابلة للتنفيذ.

سرعان ما عاد إلى نوع من التصعيد بتحذير روسيا من فرض تعريفات جمركية عالية وعقوبات أخرى إذا رفضت إنهاء «الحرب السخيفة».

إنها فوضى فى التصريحات دون أن تتوافر لديه رؤى متماسكة لإنهاء الحرب الأوكرانية.

فى كل قرار تنفيذي، أصدره فى اليوم الأول بالبيت الأبيض، أزمة مستحكمة.

أزمة أولى، مصير ومستقبل الأمن الأوروبي، إذا انسحبت الولايات المتحدة من حلف «الناتو».

ما البديل ذا ما أنهيت الحرب الأوكرانية دون ترتيبات، أو تفاهمات مع الحلفاء الأوروبيين.

بنص تعبيراته: «نحن نحمى الدول الأعضاء فى الناتو وهى لا تحمينا».

نفس المنطق سوف يستخدم هنا فى الشرق الأوسط لابتزاز مليارات الدولارات بعضلات القوة!

أزمة ثانية، نشأت مع الدانمارك بشأن رغبته فى شراء جزيرة جرينلاند غصبا.

رغم دعم الاتحاد الأوروبى للرفض الدانماركى، إلا أن الميل الأوروبى العام يحاول تجنب المواجهة العلنية.. لكن الأمور قد تفلت بسيناريو أو آخر.

أزمة ثالثة، رغبته فى ضم كندا لتكون الولاية الأمريكية رقم (51) دون أية قواعد، أو إجراءات دستورية وبلا مراعاة لإرادة الكنديين أنفسهم.

إنه الضم بالغصب، أو ببلطجة القوة.

أزمة رابعة، الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وما قد يترتب عليه من أضرار بالغ بالبيئة، دون التفات إلى الإجماع الدولى.

أزمة خامسة، الانسحاب مجددا من منظمة الصحة العالمية، التى خرج منها إبان جائحة «كوفيد 19» بذرائع وأسباب غير مقنعة تنال من أوزان الولايات المتحدة فى النظام الدولى وتضر بالخدمات الصحية التى تقدمها المنظمة الدولية لمئات الملايين من البشر فى الدول الفقيرة.

فى فوضى القرارات والأهواء لم يستبعد هو نفسه أن يعود مرة أخرى إليها.

أزمة سادسة، تهديداته لقناة "بنما" بوضعها تحت الوصاية الأمريكية، أو الاستيلاء عليها، بذريعة خشية سيطرة الصين على أعمالها.

كان ذلك خرقا فاضحا للقانون الدولى استدعى تحديا بنميا وتضامنا واسعا مع بنما من دول أمريكا اللاتينية.

أزمة سابعة، إلغاء قرار رفع اسم كوبا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، الذى أصدره سلفه «بايدن» قبل أيام.

كانت دواعى القرار هو دعم مبادرة الكنيسة الكاثوليكية للإفراج عن عدد كبير من السجناء السياسيين فى كوبا بينما لم تستبن أية دواع لـ«ترامب» سوى نقض إرث «بايدن»!

أزمة ثامنة، تدخل فى مجال التحرش بالجوار حين غير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا مفترضا على عكس الحقيقة أنهم سعداء.

بالمقابل دعت رئيسة المكسيك «كلوديا شينباوم» إلى تغيير اسم القارة أمريكا الشمالية إلى اسمها التاريخى «أمريكا المكسيكية» قائلة على طريقته: «أليس هذا جميلا»!

أزمة تاسعة، نشأت حينما رفض رئيس كومومبيا هبوط طائرتين عسكريتين أمريكيتين محملتان بمهاجرين جرى ترحيلهم، كان ذلك موقفا شجاعا انتصر فيه لكرامة مواطنيه.

تفاقمت الأزمة بفرض رسوم جمركية تنهك الاقتصاد الكولومبى الهش قبل أن تتم تسويتها بتنازلات متبادلة.

هذا هو السياق، الذى اقترح فيه «ترامب» تطهير غزة من الفلسطينيين، فوضى ضاربة فى التصورات والتصرفات وزوابع متزامنة وصلت إلى حد وقف المنح الفيدرالية وشل البرامج المخصصة للإغاثة من الكوارث.

لا يمكن استبعاد سيناريو واحد مع رجل بمواصفات «ترامب».

إذا تراخى أصحاب القضية فى الدفاع عن أبسط حقوقهم الإنسانية والتاريخية فإنه لن يتورع عن استباحة أى معنى وكل قيمة حاربت من أجلها بلادنا.