نشر موقع Eurasia Review مقالا حول مقومات القوة الناعمة الهندية، والتى ستجعل من نيودلهى فى نهاية المطاف مرشحة لأن تصبح قوة عالمية عظمى. ومع ذلك، ورغم هذه المقومات التى تتمتع بها الهند، تعانى الأخيرة من مجموعة من المخاطر الجادة كالعنف (خاصة القائمة على النوع الاجتماعى) والتعصب الدينى وانتشار الفقر... نعرض من المقال ما يلى:
بداية، استخدم مصطلح «القوة الناعمة» بشكل متزايد فى السنوات الأخيرة فى كل من الخطاب العام وفى المجتمع الأكاديمى. تمت صياغة هذا المصطلح فى عام 1990 من قبل الخبير الأمريكى فى السياسة والعلاقات الدولية، جوزيف ناى.
باختصار، تعنى القوة الناعمة قدرة الدولة على التأثير على الدول الأخرى من خلال الإقناع والجذب، وتعتمد على ثلاث ركائز أساسية: الثقافة، والأفكار والقيم، والسياسة الخارجية. يتعارض ذلك تمامًا مع استخدام الإكراه أو القوة بالوسائل الاقتصادية أو العسكرية؛ كهجوم دولة على أخرى، أو فرض عقوبات دولية (العقوبات الغربية ضد روسيا بعد غزوها لأوكرانيا). وعلى الرغم من أن المصطلح تمت صياغته لأول مرة لوصف تأثير أمريكا فى العالم من خلال السياسة والثقافة والفن والتكنولوجيا، فإن كل دولة مهما كانت صغيرة تمتلك موارد القوة الناعمة، والسؤال يدور حول كيفية توظيفها.
بالنسبة للهند فهى إحدى الدول التى تزخر بإمكانيات القوة الناعمة، وأهمها: التسامح، واليوجا، وبوليوود، والديمقراطية، والمطبخ الهندى والكريكيت. من عام 2014 فصاعدا، وضع رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى فكرة الدولة الحضارية على المسرح العالمى وسعى إلى زيادة قوتها الناعمة فى إطار السياسة الخارجية للهند، وأعلن: «الهند ليست أمة فحسب، بل هى أيضًا فكرة وثقافة». وسنتناول بعض أشكال القوة الناعمة فى الهند.
• • •
الديمقراطية: الهند بلد مذهل وساحر يعجب به بقية العالم لأن الهنود تمكنوا من الحفاظ على نظام ديمقراطى يتكون من مجموعة واسعة من الطوائف والأديان والأمم واللغات والطبقات والأعراق والألوان والعادات والثروة. تعرض الهند نفوذها للعالم من خلال العديد من الرسائل والأفكار القوية للغاية.
أما فكرة اللاعنف والمقاومة السلمية فترتبطان بالهند ارتباطا مباشرا، خاصة مع مؤسسها المهاتما غاندى. وفى القرن الحادى والعشرين، أصبحت الهند أكبر دولة ديمقراطية فى العالم مع وجود وسائل إعلام وقضاء حر ومستقل، مما أثر إيجابا على سمعتها المتنامية على الساحة الدولية.
• • •
اليوجا: اليوم، أصبح حقيقة أن العطور والنكهات الهندية تدخل منازل وحياة الناس فى أقصى أركان العالم. كما أن الصحة وطول العمر أصبحا موضوعا يتحدث عنه بالتفصيل الغرب والأثرياء.
منذ زمن، أصبح التأمل والسلام الداخلى يُمارسان كل يوم من قبل عدد كبير من الناس فى الغرب. والهند ليس لديها منافس فى ذلك. فى حديثه على هامش النسخة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر 2014، أطلق رئيس الوزراء مودى رسميًا مبادرة لإعلان 21 يونيو يوما عالميا لليوجا. تم قبول المبادرة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 11 ديسمبر 2014 بدعم من 175 دولة عضو، مما يشهد على الانجذاب العالمى لليوجا. هذا هو السبب فى أن جميع سفارات الهند فى العالم تنظم اليوم أحداثا تتعلق بالترويج لليوجا فى ذلك اليوم وأصبحت سياسة دولة.
كما أن الهند لديها العديد من المعجبين والمعجبات فى جميع أنحاء العالم يعشقون الثقافة والعادات والتقنيات الهندية وطرق التأمل، بل ويعملون بمبادرة ذاتية لنشر القوة الناعمة الهندية دون أجر من نيودلهى ودون أى تكلفة على دافعى الضرائب الهنود. كما يعيش العديد من الكتاب والفنانين من الهند ويعملون فى الغرب، ويكتبون باللغة الإنجليزية واكتسبوا شهرة وتأثيرًا عالميًا. أخيرا، أصبح مهرجان ديوالى الهندوسى (مهرجان الأضواء) ذائع الصيت عالميًا.
• • •
بوليوود: مُنحت جائزة جولدن جلوب لأفضل أغنية أصلية فى 10 يناير 2023 للفيلم الهندى «RRR» وأغنية «Naatu Naatu»، وترددت أصداء جديدة فى جميع أنحاء العالم. تم إنتاج الفيلم من قبل المخرج إس إس راجامولى، مؤلف ثلاثة من أكثر ستة أفلام هندية نجاحا ماليا على الإطلاق. تم تصوير فيلم «RRR» خلال جائحة فيروس كورونا، وعُرض فى دور العرض فى مارس 2022. تم تصويره مقابل 72 مليون دولار، مما يجعله أغلى فيلم هندى على الإطلاق. حقق ما يصل إلى 160 مليون دولار فى دور العرض حول العالم، وهو ثالث أعلى مبلغ فى تاريخ السينما الهندية. تمكن الفيلم من شق طريقه إلى دور السينما فى أوروبا والولايات المتحدة، وهو أمر ليس سهلا على الأفلام الهندية، على الرغم من أن صناعة السينما الهندية ناجحة للغاية.
بوليوود لها تأثير قوى للغاية على الثقافة الهندية بأكملها، والأفلام الهندية تحظى بشعبية فى جميع أنحاء آسيا وتعرض صورة محددة عن الهند. فى المجموع، تنتج بوليوود، بعدة لغات، ما يقرب من ألف فيلم سنويًا، وهو عدد كبير للغاية. أصبحت المواقع الجميلة التى تم فيها تصوير الأفلام الأكثر نجاحا مقاصد سياحية لسكان الهند الذين يتزايد عددهم بسرعة. ربما تكون حقيقة أن أكبر عدد من النجوم فى صناعة بوليوود يدينون بالإسلام وهو دين ذو قيمة خاصة فى المنطقة جعلت الأفلام الهندية تحظى بشعبية عارمة. ناهينا عن أن الأفلام الهندية مصدر ثقافى مهم ويؤثر على العادات والتوجهات العالمية. علاوة على ذلك، بعد حرب كارجيل فى عام 1999، أنتجت الهند وباكستان بشكل مشترك عدة أفلام بهدف استعادة السلام والوئام بين البلدين. اكتسبت المسلسلات التلفزيونية الهندية أيضًا شعبية كبيرة فى العديد من دول العالم.
• • •
الدبلوماسية: عززت الهند نهجها تجاه القوة الناعمة مؤسسيا. تم إنشاء إدارة الدبلوماسية العامة فى وزارة الشئون الخارجية فى عام 2006 وتم توسيع المجلس الهندى للعلاقات الثقافية (ICCR) فى جميع أنحاء العالم. بدأت وزارة السياحة حملة «الهند المذهلة» وتم تكليف وزارة «الهنود بالخارج» بتسليط الضوء على القيم الثقافية والاجتماعية والسياسية للهند. فى نوفمبر 2014، تم إنشاء وزارة للأيورفيدا (طب تقليدى قديم) واليوجا والعلاج الطبيعى، والمعالجة المثلية. أثبتت لعبة الكريكيت أيضًا أنها عنصر قوى فى الدبلوماسية الهندية، خاصة مع دول جنوب آسيا.
هذا العام، تترأس الهند مجموعة العشرين. شعار القمة فى نيودلهى هذا العام فى سبتمبر القادم هو: «دولة واحدة، أسرة واحدة، مستقبل واحد»، مما يدل على إخلاص الهند للمبادئ الأساسية للإنسانية. حددت الهند ست أولويات لحوار مجموعة العشرين فى عام 2023: أولا: التنمية الخضراء، وتمويل التخفيف من آثار تغير المناخ وحركة (لايف) التى تعزز الممارسات الواعية بيئيًا وتبنى على تقاليد الهند المستدامة، ثانيا: النمو المتسارع والشامل والمرن، ثالثا: تسريع التقدم فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، رابعا: التحول التكنولوجى والبنية التحتية الرقمية العامة، خامسا: المؤسسات متعددة الأطراف للقرن الحادى والعشرين، سادسا: التنمية التى تقودها المرأة.
• • •
ناريندرا مودى.. زعيم إنسانى: حصل ناريندرا مودى على جائزة أبطال الأرض لعام 2018 للقيادة السياسية. فى شرح الجائزة، كتب ما يلى: «كرم برنامج الأمم المتحدة للبيئة رئيس الوزراء الهندى لقيادته البيئية الشجاعة على المسرح العالمى. تحت قيادة مودى، تعهدت الهند بالتخلص من جميع المواد البلاستيكية أحادية الاستخدام فى البلاد بحلول عام 2022. كما يدعم مودى التحالف الدولى للطاقة الشمسية، وهو شراكة عالمية لزيادة استخدام الطاقة الشمسية».
تم الاعتراف بقيادة مودى فى مجال العدالة المناخية فى البلدان المتقدمة. وكذلك فى البلدان النامية. وبالمثل، فإن مبادرة الهند الإنسانية «لقاح مايترى» التى تهدف إلى توزيع لقاح الفيروس التاجى فى جميع أنحاء العالم والمبادرات الصحية الأخرى قد اكتسبت احترام المجتمع الدولى.
• • •
إجمالا، تسعى الحكومة التى يقودها مودى إلى تعزيز القوة الناعمة الهندية على المسرح العالمى من خلال تعزيز القيم الإنسانية الإيجابية المقبولة للجميع فى وقت يتأثر فيه العالم بحرب أوكرانيا وعواقب أزمة كوفيد. إن القوة الناعمة للهند حيوية وحاضرة للغاية، وربما يكون أفضل تلخيص لنهج الهند فى التعامل مع القوة الناعمة هو ما قاله الدبلوماسى المتميز بافان فارما: «نحن (الهنود) نبرز ببطء كعوامل مهمة فى مجالات السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية. أما فى مجال الثقافة، فلقد كنا دائمًا قوة عظمى، بسبب عمق حضارتنا».
كلمة أخيرة، رغم جميع خصائص القوة الناعمة الهندية، وحقيقة أنها موطن لأكبر عدد من الشباب والنساء، مع مؤسسات ديمقراطية متماسكة واقتصاد وجيش قويين، مما يجعل الهند فى طريقها لأن تصبح قوة عظمى عالمية. لكن فى الوقت نفسه، الخطر الأكبر يتمثل فى مشاكل مثل العنف (خاصة ضد المرأة)، والتعصب الدينى، فضلا عن الفقر الذى لا يزال منتشرا على نطاق واسع. ومع ذلك، فإن إمكانات الهند رائعة.
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:
http://bitly.ws/K9vX