أقل القليل تبقى من الشهر الكريم الموصوفة أيامه بالمعدودات أصلا، يأمل معها كل مخلص أن تتكفل بإذابة قسوة وغفلة خيما على القلوب وطيش وفسادِ رأى جثما على العقول طيلة الفترة الماضية.

ولعل أن تكون ليلة القدر من بين نفحات الله إلينا ضمن ما تبقى من الشهر الكريم فتساهم وقتها الدعوات المخلصة الحارة لملايين البشر وقد اختلط خوفهم من الله برجائهم فى ثوابه فى إخراج أضغان وأحقاد غريبة طارئة على فطرة هذا الشعب كريم الأصل.

عساها أن تستنفر همما ضاعت بين ركام عشرات المسلسلات التليفزيونية الممتلأة عنفا وخمرا ومخدرات وزنا محارم وعريا وبذاءة ألفاظ وانحطاط سلوك.

وعساها كذلك أن تمنحنا لحظات صفاء كهذه نغتنمها فى استمطار رحمات تخلفت عنا لقسوتنا وغفلتنا، واستدفاع نقم ما نزلت بساحتنا إلا جزاء ذنوبنا وما كسبت أيادينا.

لحظات سكينة نراجع أثناءها أنفسنا بصدق وبغير تحفظ، وننصب فيها لضمائرنا محاكم صارمة تفتش فى نياتنا وتراجعها بدقة لتمرر الطيب منها وتزكيه وتحكم بالموت على الباطل منها وتطرده.

لا نقبل لأحد من البشر أن يوقفنا أمام محاكم التفتيش لينقب عما فى صدورنا ويختبر ضمائرنا... نعم، لكننا نحن من نحتاج إلى تنقية ضمائرنا فى الدنيا بأيادينا من الغش والحقد والقسوة والظلم، قبل أن نقدم على قاضى الآخرة الذى لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء وهو السميع العليم.

لا ييأس الواحد من سعة رحمة ربه، لكن أنفاسى تتجمد فى صدرى كلما تأملت أن شهرا تغلق فيه أبواب النيران وتفتح فيه أبواب الجنان وتصفد مردة الجان قد غصت أيامه بجثث القتلى وأشرق فجر يومين من أيامه المباركة على مذبحتين مروعتين، وعوت فيه شياطين الإنس مسعورة تحرض المصريين من كل معسكر على استحلال دماء إخوانهم من المعسكر الآخر «اتكلم عن طرفى المشهد بالمناسبة»....يالله إذا كان هذا ما حدث فى رمضان على ما له من حرمة فى النفوس فأى شىء ينتظرنا فى قابل الأيام