المعادن الأرضية النادرة.. النفط الجديد فى السباق الصينى الأمريكى! - مواقع عربية - بوابة الشروق
الإثنين 3 نوفمبر 2025 2:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من يحسم السوبر المصري؟

المعادن الأرضية النادرة.. النفط الجديد فى السباق الصينى الأمريكى!

نشر فى : الأحد 2 نوفمبر 2025 - 7:35 م | آخر تحديث : الأحد 2 نوفمبر 2025 - 7:35 م

نشر موقع 180 مقالا للكاتب فواز يوسف غانم، يؤكد فيه أن «المعادن الأرضية النادرة» أصبحت بمثابة «النفط الجديد» للقرن الحادى والعشرين، إذ تمثل المحور الاستراتيجى الأساسى للتنافس الاقتصادى والجيوسياسى العالمى، خاصة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، نظرًا لدورها الحاسم فى الصناعات التكنولوجية المتقدمة والطاقة النظيفة.. نعرض من المقال ما يلى:

 


شهد القرن العشرون تنافسًا عالميًا على موارد الطاقة التقليدية، وفى مقدمتها النفط. أما القرن الحادى والعشرون فيشهد سباقًا من نوع جديد، يتمحور حول المعادن الأرضية النادرة، وهى مجموعة من العناصر التى باتت تمثل الركيزة الأساسية للصناعات التكنولوجية المتقدمة والطاقة المتجددة. ومع تصاعد التوترات التجارية والتكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة، أصبحت هذه المعادن محورًا استراتيجيًا فى التنافس الاقتصادى العالمى.
تتألف المعادن الأرضية النادرة من سبعة عشر (17) عنصرًا معدنيًا، من بينها النيوديميوم، اللانثانوم، الديسبروسيوم، والتيربيوم. وبرغم أن هذه العناصر ليست نادرة من حيث الوجود فى القشرة الأرضية، إلا أن استخراجها ومعالجتها الاقتصادية يتطلبان تقنيات معقدة واستثمارات عالية، ما يجعلها من الموارد الاستراتيجية ذات الحساسية العالية فى سلاسل الإمداد العالمية. وتتميز هذه العناصر بخصائص فيزيائية وكيميائية استثنائية، مثل المغناطيسية القوية، والقدرة على إصدار الضوء، والمقاومة الحرارية، ما يجعلها مكوّنًا أساسيًا فى عدد واسع من التطبيقات الصناعية والتكنولوجية.
تدخل المعادن الأرضية النادرة فى مجموعة من الصناعات الحيوية، أبرزها الآتى:
الطاقة النظيفة: تستخدم عناصر مثل النيوديميوم والبراسيوديميوم فى صناعة المغناطيسات الدائمة لتوربينات الرياح ومحركات السيارات الكهربائية. الإلكترونيات الدقيقة: يُستخدم اليوروبيوم والتيربيوم فى شاشات العرض وأجهزة الإضاءة الحديثة (LED).
البتروكيماويات: يُوظَّف السيريوم واللانثانوم فى عمليات تكرير النفط وتلميع الزجاج.
الدفاع والفضاء: تدخل عناصر مثل الساماريوم والديسبروسيوم فى صناعة السبائك المقاومة للحرارة والمستخدمة فى الطائرات العسكرية والصواريخ وأنظمة التوجيه.
ومع التحول العالمى نحو الاقتصاد الأخضر والرقمى، من المتوقع أن يشهد الطلب على بعض هذه المعادن نموًا مضاعفًا بحلول عام 2030.
التوزيع الجغرافى والإنتاج العالمى
برغم توافر هذه المعادن فى مناطق عدة حول العالم، إلا أن الإنتاج الاقتصادى يتركز فى نطاق محدود.
الصين تحتل الصدارة عالميًا بنسبة تقارب 65% من إجمالى الإنتاج، ويُعد منجم «بايان أوبو» فى منغوليا الداخلية من أكبر مناجمها.
الولايات المتحدة تأتى فى المرتبة الثانية بنحو 15% من الإنتاج، عبر منجم «ماونتن باس» فى كاليفورنيا.
أستراليا تسهم بنحو 10% من خلال شركة «ليناس» الرائدة فى هذا القطاع. دول أخرى مثل ميانمار وفيتنام وروسيا.
هيمنة الصين وقدراتها
تتجاوز الهيمنة الصينية حدود التعدين إلى المراحل الأكثر أهمية فى سلسلة القيمة، وهى عمليات الفصل الكيميائى والمعالجة الصناعية، التى تمثل جوهر صناعة المعادن النادرة. وتسيطر الصين على نحو 90% من طاقة التكرير والفصل عالميًا، ما يمنحها موقعًا احتكاريًا فى هذا القطاع الاستراتيجى.
هذا التفوق لم يأتِ مصادفة، بل نتيجة سياسات صناعية طويلة الأمد تبنتها بكين منذ تسعينيات القرن الماضى، شملت دعم الإنتاج المحلى، وتطوير البنية التحتية الصناعية، والسيطرة على تقنيات المعالجة المعقدة. وقد مكّنها ذلك من بناء منظومة إنتاج متكاملة تمتد من استخراج الخام إلى تصنيع المكونات عالية القيمة مثل المغناطيسات الدائمة والبطاريات.
تمتلك الصين اليوم أكبر قاعدة تصنيع للمغناطيسات الدائمة فى العالم، وهى مكونات أساسية فى السيارات الكهربائية والروبوتات وتوربينات الرياح. وبهذا، أصبحت الصين لا تتحكم فقط فى إمدادات المواد الخام، بل أيضًا فى المراحل التصنيعية النهائية ذات القيمة المضافة الأعلى، ما يمنحها ميزة استراتيجية فى الاقتصاد الصناعى العالمى.
محاولات التنويع والإمداد البديل
فى المقابل، تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تقليل الاعتماد على الصين من خلال تطوير مصادر بديلة وسلاسل توريد مستقلة حيث تعمل شركة MP Materials الأمريكية على إعادة تشغيل منجم «ماونتن باس» وتوسيع قدراته فى التكرير المحلى بينما تواصل شركة Lynas الأسترالية دورها كمزود رئيس خارج الصين. كما تستثمر كندا وجرينلاند والاتحاد الأوروبى فى مشاريع استكشاف جديدة وتطوير تقنيات إعادة التدوير. وبرغم هذه الجهود، تشير التقديرات إلى أن تحقيق اكتفاء ذاتى فى هذا المجال سيحتاج إلى سنوات طويلة واستثمارات ضخمة، نظرًا لصعوبة المعالجة والتحديات البيئية المرتبطة بها.
البعد الجيوسياسى وسباق الموارد
تحولت المعادن الأرضية النادرة إلى أداة استراتيجية فى التنافس بين الصين والولايات المتحدة. ففى ظل الحرب الجمركية المتبادلة، برزت هذه المعادن كورقة ضغط حساسة، حيث يمكن لأى تقييد فى صادرات الصين أن يؤدى إلى اضطرابات فى سلاسل الإمداد العالمية، خصوصًا فى قطاعات السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة والإلكترونيات الدقيقة.
هذا الوضع خلق اعتمادًا متبادلًا معقدًا: فالولايات المتحدة تتصدر الابتكار التكنولوجى، فيما تهيمن الصين على الموارد والعمليات التصنيعية الضرورية له، وهو ما يعمّق الطابع الاستراتيجى للعلاقة بين الجانبين.
فى الخلاصة؛ تعكس قضية المعادن الأرضية النادرة تحول مركز الثقل فى الاقتصاد العالمى من الموارد التقليدية إلى الموارد التكنولوجية. فالدولة التى تملك القدرة على التحكم فى هذه العناصر تمتلك مفتاح التقدم الصناعى المستقبلى. ومع استمرار التحول نحو الطاقة النظيفة والتقنيات المتقدمة، سيزداد دور هذه المعادن فى صياغة التوازنات الاقتصادية والجيوسياسية على مستوى العالم.
لقد كان النفط فى القرن الماضى رمزًا للهيمنة الاقتصادية، أما فى هذا القرن، فقد تكون المعادن الأرضية النادرة هى النفط الجديد الذى يرسم ملامح النفوذ العالمى المقبل.

 


النص الأصلى:

 


https://tinyurl.com/3fms65nr

 

التعليقات